لوري غاريت* – (فورين بوليسي) 10/11/2020
ترجمة:علاء الدين أبو زينة

حتى لو كان علاج فيروس كورونا يعمل كما هو معلن عنه، هناك الكثير من الأسباب التي تدعو للقلق بشأن مدى فاعلية العلاج.

  • * *
    يا له من فرق ذلك الذي يمكن تحدثه انتخابات. الآن، تشهد أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم ارتفاعًا حادًا، أولاً بسبب انتخاب جو بايدن ليكون الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، والذي أعقبه على الفور إنشاء فرقة عمل مهيبة لمكافحة “كوفيد- 19″؛ وثانياً لأن شركة الأدوية الأميركية العملاقة، “فايزر” Pfizer، ومقرها نيويورك أعلنت أن لقاحها المرشح للوقاية من فيروس (سارس-كوف-2) فعال بنسبة 90 في المائة في منع الإصابة بفيروس كورونا. وقد غمر الأسواق المالية شعور بالأمل.
    في التعقيب على الأخبار، قال أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، في تصريح: “النتائج جيدة حقًا، أعني استثنائية”. وبعد دقائق من افتتاح أسواق الأسهم في نيويورك صباح يوم الاثنين الماضي، ارتفع كل مؤشر تقريبًا إلى ذرى تاريخية، مع ارتفاع مؤشر “داو جونز” بنسبة 3 في المائة تقريبًا مع نهاية اليوم. وارتفعت أسهم شركة “فايزر” بنسبة 7.7 في المائة، وحصلت أسهم شريكتها الألمانية في إنتاج اللقاح، “بيونتيك” BioNTech، على زيادة بنسبة 13.9 في المائة.
    وهذه كلها، في الحقيقة، أخبار جيدة جدًا. ولكن، ثمة محاذير مهمة يجب الانتباه إليها والتي ينبغي أن تخفف من النشوة اللحظية. وتشمل هذه المحاذير الحالة الراهنة للوباء، والإدارة الكارثية الجارية لأزمة “كوفيد-19″في الولايات المتحدة، والتي تتولاها قيادة بطة عرجاء في آخر أنفاسها في البيت الأبيض، والوكالات ذات الصلة بالصحة، والمعلومات المحدودة المعلنة بشأن لقاح “فايزر”، والشكوك حول قدرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على إدارة توزيع ناجح يكفل تحصيناً شاملاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
    بينما كان أنصار بايدن يرقصون في الشوارع في جميع أنحاء البلاد بعد الإعلان في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) عن حصوله على أكثر من 270 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي المطلوبة للفوز بالانتخابات الصاخبة، انتشر “كوفيد-19” في جميع أنحاء البلاد بمستويات تاريخية مأساوية. ووفقًا لمتتبع
    “كوفيد- 19” التابع لجامعة جونز هوبكنز، فقد تجاوز إجمالي الحالات المسجلة رسميًا في العالم 50 مليونًا، مع حدوث حالة واحدة من كل 5 حالات معروفة في الولايات المتحدة. كما أن الولايات المتحدة مسؤولة أيضًا عن 19 في المائة من الوفيات في العالم: هناك 1.3 مليون شخص ماتوا بسبب “كوفيد-19″، حوالي 240.000 منهم في الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن هذه الأرقام تقلل بشكل كبير من الحجم الحقيقي لحالات ووفيات فيروس كورونا في الولايات المتحدة والعالم، ولكنها تصور بدقة الاتجاهات المحزنة. خلال عطلة نهاية الأسبوع، تم الإبلاغ عن أكثر من 230.000 إصابة جديدة بـ”كوفيد-19” في الولايات المتحدة، حيث كان الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) اليوم الخامس على التوالي الذي يتجاوز فيه إجمالي الحالات الجديدة 100.000. واعتبارًا من يوم الاثنين، شهد عدد مذهل، هو 43 ولاية، ارتفاع إجماليات حالات الإصابة فيها بأكثر من 10 بالمائة في الأسبوع، مع ارتفاع معدلات دخول المستشفيات أيضًا. حتى أن الحالات تتزايد بشكل غير مقبول في الولايات التي سيطرت على الفيروس لمدة ستة أشهر: نيوجيرسي ونيويورك وماساتشوستس.
    وفي الخارج، خرجت أزمة “كوفيد-19” عن السيطرة في معظم أوروبا والمملكة المتحدة والدول الرئيسية في الأميركتين. وفي جميع أنحاء العالم، يفرض انتشار الفيروس ضغوطاً شديدة على المرافق الصحية لدرجة أن جميع أنواع الأمراض غير الفيروسية تودي بحياة مئات الملايين من الأشخاص الذين لا يتمكنون من الحصول على الرعاية لكل شيء آخر، من مرض السكري إلى السرطان المتقدم. وإذا استمر الوباء بمعدلاته الحالية بلا إيقاف، فقد يتجاوز عدد الأرواح المفقودة بكثير العدد المقدر بـ50 إلى 75 مليون شخص الذين فقدوا في جائحة الانفلونزا في العام 1918.
    الآن، يدعو القادة في العديد من الولايات التي دعمت منذ فترة طويلة معارضة الرئيس دونالد ترامب لعمليات الإغلاق، إلى اتخاذ تدابير صارمة للسيطرة على فيروس كورونا، بما في ذلك ارتداء الأقنعة الإلزامي وإغلاق العديد من الأعمال التجارية وأشكال الترفيه. وفي الأوساط الطبية في جميع أنحاء العالم، أصبح القلق هو المزاج السائد بالتأكيد. وتتزايد نظريات المؤامرة، ومعارضة عمليات الإغلاق المؤلمة اقتصاديًا، والمشاعر المناهضة للقاحات في كل مكان.
    في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، أصدر بايدن أسماء المشاركين في فريق عمل “كوفيد-19” المكون من 13 عضوًا والذي سيقود استجابة إدارته للوباء والمبادئ التوجيهية السبعة التي ستعمل بموجبها. لكن إدارة ترامب ستظل هي المسؤولة عن “كوفيد-19” لأكثر من شهرين مع انتشار الفيروس داخل الجناح الغربي للبيت الأبيض، بينما يدعو المستشار العلمي الرئيسي للرئيس، سكوت أتلاس، إلى ما يرقى إلى انتهاج عدم القيام بأي شيء للسيطرة على الوباء. ويقول المطلعون إن هجرة جماعية من كوادر ترامب الصحية قد شرعت في التكشُّف مسبقاً، حيث يقوم مسؤولو الصحة الذين عيّنهم ترامب بإرسال سيرهم الذاتية إلى جهات التوظيف المحتملة ويبحثون عن وظائف جديدة -وبحلول عيد الشكر، قد تكون العديد من الوظائف الرئيسية قد أصبحت شاغرة.
    في تشرين الأول (أكتوبر)، عندما كانت الولايات المتحدة تشهد 50.000 حالة جديدة يوميًا، توقع “معهد المقاييس الصحية والتقييم لجامعة واشنطن”، الحذر عادة في تقديراته، أن الوفيات يمكن أن تصل بحلول يوم التنصيب تقريبًا إلى 2.200 يوميًا، بإجمالي تراكمي يبلغ 386.000. ولكن، منذ ذلك الإعلان في 22 تشرين الأول (أكتوبر)، تضاعف إجمالي عدد الإصابات اليومية، وارتفعت الوفيات إلى أكثر من 1.100 حالة يوميًا. وإذا استمرت هذه الاتجاهات من دون قيود لأكثر من 70 يومًا، فقد يتجاوز العدد الرسمي للوفيات في الولايات المتحدة 400.000 في عيد الميلاد، وقد تتجاوز الوفيات 2.500 يوميًا، وستكون أجنحة المستشفيات في جميع أنحاء البلاد ممتلئة عن آخرها.
    في الوقت نفسه، يتعين على قيادة البطة العرجاء في إدارة الغذاء والدواء (FDA) أن تقوم بسرعة بتقييم البيانات الواردة من شركة “فايزر” لتحديد ما إذا كان اللقاح الجديد آمنًا بالفعل وفعالاً بنسبة 90 في المائة، كما تدعي الشركة. و”البيانات” العامة الوحيدة المتاحة، إذا أمكن تسميتها كذلك، هي تلك الموجودة في بيان صحفي للشركة. وبينما تنتظر إدارة الغذاء والدواء والباحثون في جميع أنحاء العالم مزيدًا من التفاصيل، فإن أرقام الشركة تظل مشجعة. في المرحلة الثالثة من التجربة، تلقى 38.955 متطوعًا حتى الآن جرعتين من اللقاح. وحتى الآن، أصبح 94 منهم مصابين بعدوى فيروس (سارس-كوف-2). وعلى الرغم من عدم تقديم “فايزر” للأرقام الدقيقة، فقد قالت الشركة إن معظم هذه الإصابات الـ94 كانت متلقية للعلاج الوهمي، وأن اللقاح كان “فعالاً بنسبة تزيد على 90 في المائة”.
    لم تنته المرحلة الثالثة من التجارب. ولم يتلق أكثر من 4.500 متطوع حقنة ثانية بعد، أو أنهم لم يصلوا إلى الأسبوع الواحد بعد التطعيم لاختبار “كوفيد”. وقد وافقت شركة “فايزر” على الاستمرار في تتبع جميع المشاركين لمعرفة ما إذا كانت مناعتهم ستستمر لمدة أسبوعين. وحتى الآن، لم يتم الإبلاغ عن أي آثار جانبية.
    ولكن، دعونا نكن واضحين بشأن ما تظهره دراسة “فايزر” حتى الآن: بالنسبة لـ90 في المائة من المتطوعين الذين أخذوا اللقاح الحقيقي (على عكس الدواء الوهمي)، لم تحدث عدوى الـ(سارس- كوف-2) لدراسة مدتها سبعة أيام.
    سبعة أيام. وليس هناك أي شيء معروف أكثر من ذلك. وإذا تبين أن هذه الحماية تدوم لمدة عام كامل، على سبيل المثال، فقد يُعد لقاح “فايزر” نجاحًا باهرًا. ولكن، لا أحد سينتظر عاما لمعرفة ذلك. وفي اللحظة التي توافق فيها إدارة الغذاء والدواء على المنتج، تقول شركة “فايزر” في بيانها الصحفي، “نتوقع أن ننتج عالميًا ما يصل إلى 50 مليون جرعة لقاح في العام 2020، وما يصل إلى 1.3 مليار جرعة في العام 2021”.
    إذا افترضنا أن لقاح شركة “فايزر” نجاح باهر، فإن التحصين الشامل ينطوي على عقبات هائلة. ليس هذا المنتج مثل أي لقاح تم استخدامه على الإطلاق لأي مرض. فما يتم حقنه في الواقع هو ما يُدعى “مرسال الحمض النووي الريبوزي” (mRNA) -المخطط الجيني لإنتاج البروتين- الذي يحفز الخلايا البشرية على تصنيع ملايين النسخ من البروتين الشائك الذي يبرز من سطح فيروسات الـ(سارس-كوف-2). وبينما تنتشر هذه البروتينات الشوكية في جسم الشخص المحصَّن، يُؤمَّل أن تصنع أجسامًا مضادة ومكونات أخرى لجهاز المناعة لمكافحتها. وهكذا، يقوم “مرسال الحمض النووي الريبوزي” بحفز إنتاج الشراك الخداعية التي تدرب الجهاز المناعي على “رؤية” الفيروس إذا وصل إلى الجسم وتدميره.
    لكن هذا “المرسال” غير مستقر تماماً. ولمنع انهياره، يجب تخزينه حتى وقت الحقن بدرجة حرارة 103 درجات فهرنهايت على الأقل (-75 مئوية) -أي أقل بكثير من أي شيء يمكن لوحدة التجميد القياسية التعامل معه. ولدى عدد قليل من الإدارات الصحية أو المستشفيات أو مكاتب الأطباء حاليًا مخزونات من الثلج الجاف أو أجهزة التجميد الفائقة التي يمكنها الحفاظ على درجات حرارة منخفضة إلى هذا الحد، وليس لدى أي منها أكوام من الوحدات المحمولة التي يمكنها القيام بهذه المهمة. ويمكن للثلج الجاف في المبردات القيام بهذه المهمة، لكن العالم يواجه نقصًا في ثاني أكسيد الكربون النقي الذي يتحول إلى جليد جاف عند تجميده.
    في الأثناء، تتزايد معارضة اللقاحات في جميع أنحاء الولايات المتحدة؛ حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن ما يقرب من ثلث الأميركيين لن يكونوا مستعدين للتشمير عن سواعدهم لتلقي حقنة التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد. وسيتعين على إدارة بايدن إقناع دولة شديدة الاستقطاب بالثقة في الحكومة وقبول أخذ التطعيم. ولدى قليل من الإدارات الصحية المحلية والولائية القدرة على إجراء التحصين من دون دعم فيدرالي كبير وتثقيف بشأن اللقاحات، وآليات تنفيذ.
    في 18 تشرين الأول (أكتوبر)، نشرت “الرابطة الوطنية لحكام الولايات”، التي يرأسها حاليًا حاكم نيويورك أندرو كومو، عشرات الأسئلة اللوجستية التي تريد الولايات طرحها على مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، والتي ستكون مسؤولة عن التحصين الشامل والبيت الأبيض. وسألت المنظمة عمن سيدفع ثمن شراء ثلاجات خاصة، وتعليم القائمين على التلقيح كيفية أداء عملهم وإجراء تثقيف شامل لمواجهة الخطاب المضاد للقاحات.
    في الأثناء، لم يعين بايدن مدير مراكز السيطرة على الأمراض المستقبلي بعد. وقد صلت الروح المعنوية في الوكالة التي تعرضت لتشويه كبير للسمعة إلى مستويات سامة، وتدهورت علاقات المؤسسة التي تتخذ من أتلانتا مقراً لها مع وكالات الصحة الحكومية والمحلية. وسوف يعتمد نجاح -أو فشل- حملة التحصين الشاملة في الولايات المتحدة بشكل مباشر على الشخص الذي سيقود تالياً مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
    لا شك في أن الأخبار عن لقاح “فايزر” وفريق عمل بايدن “كوفيد- 19” من الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل. لكن مصدريّ الأمل هذين سيواجهان تحديًا شديدًا في الأشهر المقبلة بسبب تقاعس إدارة ترامب عن اتخاذ أي إجراء، وارتفاع عدد الإصابات بـ”كوفيد- 19″، والافتقار إلى بنية تحتية حقيقية في جميع أنحاء الولايات المتحدة للتحصين الشامل.

*Laurie Garrett: زميلة رفيعة سابقة لشؤون الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، وكاتبة علمية حائزة على جائزة بوليتزر.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Vaccine News Is Good. Here’s the Bad News