ما نوع تلك الشراك وما هدفها ؟؟؟ إن المتأمل في البون الشاسع بين ما يتم تنفيذه من الأعمال كلفة وآخر احتساب ،تجد أن الناس يتفاوتون في مدى الجدية ومن جهة أخرى في الإنتاج وحصول الثمرة،لأن مسألة الرقابة الدنيوية تعطي طابعا آخر للعمل من ناحية الانضباط من عدمه ، ربما بلغت أوجها في نفوس المغرر بهم أو من سقط في أيديهم .
بينما الرقابة السماوية لا تسهم في توجيه العمل عند البعض إلى الصواب وتحري القبول، ولا تزرع في سلوكهم فضلا عن قلوبهم معاني الخوف والمراقبة . قال تعالى:”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون،وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”. التوبة.
لماذا؟؟ هل هناك أسباب عكسية من واقع العمل تحتم علينا أن نغلق باب المراقبة ؟؟ لعلك تجيب بـ لا!! وأنا أخالفك القول بأن الميدان التربوي وغير التربوي في مجتمعاتنا تفوح بالنتائج العكسية السلبية الغير منضبطة -جراء سلوك نجم عن خطأ أو سلوك غير مستقصد أو كلمة أريد بها حق دبلجها الموقف باطلا، أو سوء فهم من الوجه الآخر،التي ولو قدر لنتائجها أنها ! تخالف أمرا أو نهيا شرعيا لما رأينا للغضب مسرحا ، ولم يتمعر لها وجه ينطق “بكلمة الحق” -وقد انتهكت محارم الله-أو قيل ما لا يحمد عقباه .
إن من أهم أسباب التباطؤ في الأداء وسلبية الانتاج :
أولا : انعدام الرقابة الإلهية في نفوس العاملين وعدم استشعارها كما هو الحال في الرقابة الدنيوية كما هو ملموس .
ثانيا :عدم الإيمان بأهمية المرجعية في أي عمل أو مهنة سواء المرجعية العليا أو سلطة اتخاذ القرار؛ حيث أن لها دور كبير في توجيه العمل وفق الضوابط ، ودورها يبرز في كونها تنظم سير العمل وفق آلية وتقيمه .، فتجد أن من المعوقات النفسية عند العاطل هي القوانين التي تتحكم في كثير من الأعمال أو الرئيس أو المسؤل .
ثالثا: ما سبق الإشارة إليه -من كون الدافعية للعمل الإلزامي تفوق قابلية العمل التطوعي -في كثير من الأحوال-والالتواء عند قبوله ، والتقاعس عن الاهتمام به ، والانهزام عند الإخفاق فيه، والاتكالية في تنفيذه – ربما يكون ذلك طوعا للذات الأمارة بالسوء أو المتقاعسة عن فعل الخير للغير ؛الموطنة بحب المحفزات والمرغبات أيا كان نوعها ،وقد قال الله تعالى ” ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”.وقال عليه الصلاة والسلام “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .وفي كل خير“.
رابعا: قلة الاطلاع ، والابتعاد عن القراءة ،التي تسبب انعدام المصادر التي تثري العمل وتلم بجوانبه، والتعصب للرأي دون الرأي الآخر، والتباطؤ في إصدار القرار ،وفي ذلك إشكالية كبيرة ربما تقف دون نضوج العمل أو تلحق به البوار أو تؤدي إلى إنزال الناس أكبر أو أصغر من منازلهم ومما يدل على أهمية الاطلاع أول ما أنزل من القرآن قوله تعالى في سورة الأعلى “اقرأ” وقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ” من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم”.وإذا فقهك الله في الدين فقد أراد الله بك خيرا سواء لنفسك أو للآخرين .
ولن ينال الانسن العلم حتى يحقق مطالبه التي تدل عليه كما قال الشاعر:
أخي لن تنال العلم إلا بسـتة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
فبالعلم ترفع الجهل عن نفسك وتسمو تسمو إلى معالي الأمور .
خامسا : الانغلاق عن المجتمع والإحجام عن فهم كثير من المسلمات أو غير المسلمات ،وعدم الانفتاح على الآخرين لتدارس أفكارهم والنهوض بخبراتهم لسبب أو لآخر؛ سببه القوقعة حول الذات ، والنظرة السلبية أو عدمها للآخرين ،مما يسبب انفصام الشخصية، وعدم تفهمها لأهمية التعاون الذي دعا الله إليه في كتابه بقولة “وتعاونوا..”وأهمية التواصل مع الآخرين حتى تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون “…ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف “.
سادسا : عدم النظر إلى قيمة العمل وأهميته ،وخاصة الأعمال الخيرية التي لا يحدها ضابط ولا يشملها قرار أو نظر مسئول ، فحينما لا يعطى العمل حقه ومستحقة من المكانة والأهمية ، ينقص ذلك من مكانته وأهميته ،وحينما لايراعى أي عمل من ناحية توثيقه، أو دراسته،أو إمعان النظر فيه وتحري النجاح من ورائه والوصول إلى إتقانه وتحقيق أهدافه ، حينها لن تستطيع أن تقدره حق قدره أو تصل إلى ثمرته ،أو تؤديه كما ينبغي على أقل تقدير . وقد قال عليه الصلاة والسلام ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه “.
سابعا : إسناد العمل لغير أهله ،وذلك من وجوه متعددة بحيث يسند إلى شخص عملا لا يستطيع أن يلم بجوانبه لوحده ،أو يكون العمل لا يناسب درجته العلمية ، أو يحتاج العمل لجدية أكبر عند تنفيذه لا تناسب ذلك الذي يقلل من أهمية كثير من الأعمال ،أو يوضع الرجل في تخصص لا يناسبه وهكذا .فالأمي لن يمتهن التعليم قبل أن يؤهل.ولكل مقام مقال “
فإسناد الأعمال لمن هم أهل لإدارتها والقيام بها خطوة كبيرة في طريق النجاح ،وبداية لنهاية واعده بالإتقان وبلوغ المرام .
أما حينما نراعي ضوابط أي عمل نريد تنفيذه أو نسعى إلى إنجاحه ،فاننا بإذن الله نبلغ القصد ، ونصل إلى المطلوب وننتظر النجاح ” .
ثامنا : الخوف من النتائج السلبية للعمل أيا كان نوعه ، أو الخوف من الظهور بمظهر لا يحقق النجاح والتفوق .فتجد طاقته محدودة، خائفا من الاحراجات واحتقار الآخرين له ، مع أن المتطلب منا جميعا بعد الاستعانة بالله أن نحدد الأهداف بوضوح ، وندير المشروع والمهمة بنجاح ، ثم نمضي قدما متفائلين ولنعلم جميعا أن من اهم قوانين الابداع في الأعمال هو “الاصرار“.
وأخيرا: قلة الحوافز ليست معيارا للنجاح في أي عمل على كل حال وليست سببا للإخفاق ، فالحاجة إلى ما يكفل بتنظيم العمل ويضمن تأمين احتياجاته ،هي الأولى بالاهتمام من أن يكون هناك حافزا يقلل من أهمية العمل حال حجب ذلك الحافز ، أو يزيد من قيمة عمل لا وزن له ،لأنا نحتاج إلى مسألة الاحتساب وخاصة في الأعمال الخيرية التي تؤتي أكلها كل حين وتنتج ثمرتها ويرتجى النفع من ورائها .
وعلى كل حال فمتى ما قدمت لعمل ما القليل أعطاك الكثير ، ومتى ما سعيت في عمل لإنجاحه و استعنت على ذلك بعد الله بأسباب النجاح حينها سترى تلك الايجابية الكبيرة في النهوض بمستواه والرقي به .
الله عز وجل يقول ” وإذا عزمت فتوكل على الله “.وهم يقولون :”لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”.وكلام الله أبلغ في اللفظ والمعنى وأقوى في الحجة والبرهان وأقرب إلى الوضوح والدلالة ، لأنه لا غنى للعزيمة عن التوكل والتوكل أقوى أسباب النجاح .
والمبادرة إلى العمل وخاصة العمل الذي فيه الخير للغير وفيه النفع للناس والطير والدواب مما يحث عليه الشارع الكريم ومما تحمده الشريعة الإسلامية ،فقد قال عز وجل “سابقوا… ” وقال “وسارعوا”. وقال”وقل اعملوا … ” كلها آيات عظيمات تحث على المبادرة إلى الخيرات و الأعمال الصالحة النافعة والمتعدية النفع .
وفي الختام دعوني اهمس في أذن كل قاعد عن العمل أو متقاعس عن نفع الآخرين والى كل من أبى الحسبة ولذة الاحتساب ورضي بالإشادة وإشارة البنان ، أهمس في آذانهم وأقول اعملوا وجددوا الثقة بأنفسكم وليكن طموحكم عليّا يصل الثريا، واخلصوا في أعمالكم فكل ميسر لما خلق له “و ما عند الله خير وأبقى والعمل للباقية خير وأبقى من العمل للفانية ،والعمل محمدة و شرف للمرء وعون له عل حصول الخير ، ولا يعوق سعيك الآخرين ، ولتكن خشيتك من الرقيب الأعلى مقدمة على الخوف من الرقيب الأدنى.
وليعلم أرباب البطالة أن الفرد الايجابي في المجتمع خير وأحب إلى الناس من العاجز الكسول .
الأستاذ: أنور بن سعيد الكناني
المصدر: حلقات تحفيظ القرآن الكريم
Source: Annajah.net