أعادت الجدل حول مهنة الطب في مصر.. مشادة على الهواء بين ميدو وعضو في نقابة الأطباء

تسبّب الإعلامي ولاعب كرة القدم المصري السابق أحمد حسام ميدو في أزمة مع نقابة الأطباء، إثر تصريحات له عن تدهور مهنة الطب وتراجع مستوى الأطباء، عدّتها النقابة مهينة وتقدمت ببلاغ رسمي ضده.
تصريحات لاعب كرة القدم السابق أحمد حسام ميدو تثير أزمة مع أطباء مصر ونقابة الأطباء تتقدم ببلاغ ضده للنيابة
تصريحات لاعب كرة القدم السابق أحمد حسام ميدو تثير أزمة مع أطباء مصر ونقابة الأطباء تتقدم ببلاغ ضده للنيابة (الجزيرة)

القاهرة – تسبّب الإعلامي ولاعب كرة القدم المصري السابق أحمد حسام ميدو في أزمة مع نقابة الأطباء المصرية، إثر تصريحات له عن تدهور مهنة الطب في مصر وتراجع مستوى الأطباء، عدّتها النقابة مهينة لأعضائها، وتقدمت ببلاغ رسمي ضد ميدو.

ونشبت مشادة كلامية في لقاء تلفزيوني بين ميدو وعضو مجلس نقابة أطباء مصر أحمد حسين الذي خاطب ميدو قائلا له “لو أردت معرفة سبب تراجع مهنة الطب عليك سؤال وزير الصحة أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية”.

وتعاني مصر عجزا في عدد الأطباء، مع اتجاه كثير منهم للعمل في دول الخليج العربي وأوروبا، وبينما يرى البعض -ومنهم رئيس الجمهورية في تصريح سابق له- أن البحث عن المال هو غاية الأطباء في هجر بلادهم، يرى آخرون أن أسبابا أخرى أهم من المال تدفعهم إلى الهجرة.

“القطاع الطبي في البقلاوة”

بداية الأزمة كانت قبل أيام عندما نشر ميدو فيديو على حسابه بتطبيق “إنستغرام” بعنوان “القطاع الطبي في مصر في البقلاوة”، في إشارة إلى التدهور الشديد الذي يعاني منه القطاع.

وقال لاعب كرة القدم السابق إن والد زوجته الذي يعاني من مرض السرطان تدهورت حالته الصحية، وحاولت أسرته الوصول إلى طبيب مناسب للحالة، غير أنها فشلت في الوصول إلى مستشفى يقبل حالته المتأخرة، لأن الأطباء في إجازة وأعطوا تعليمات لمساعديهم بعدم الاتصال بهم أثناء الإجازة، حسب قوله.

وشن الإعلامي الرياضي هجوما شديدا على الأطباء، ووصف القطاع الطبي المصري “بالمهزلة”، واتهم معظم الأطباء المصريين بانعدام الضمير، مطالبا بحساب الأطباء على هذا الإهمال.

بلاغ للنائب العام

تصريحات ميدو أثارت جدلا وضجة عبر مواقع التواصل، مع غضب واسع بين الأطباء، دفع نقابة أطباء مصر إلى تقديم بلاغ للنائب العام، اتهمت فيه ميدو بتوجيه ألفاظ السب والقذف ونشر أخبار كاذبة أدت إلى تكدير السلم العام وتوجيه الإهانة لمؤسسات الدولة، بعد أن تناول جموع أطباء مصر بعبارات السب والقذف وهاجمهم بسيل من الاتهامات بالإهمال والتقصير وانعدام الضمير، وفق نص البلاغ.

وقال الأمين العام لنقابة الأطباء محمد فريد حمدي إن من أهم أسباب نجاح مصر في مواجهة فيروس كورونا هو الفريق الطبي، ومنهم الأطباء الذين قدموا مئات الشهداء وهم يذودون عن الشعب المصري ويدفعون خطر كورونا، وبدلا من أن يلقوا التقدير والتكريم يكون جزاؤهم بالتعدي عليهم لفظيا وبدنيا.

وأكد فريد أن التراخي والتغافل عن تطبيق العقوبات القانونية في وقائع سابقة جعل الأطباء عرضة للتجرؤ عليهم بشكل متكرر، محذرا من أن التهاون في تطبيق القانون في هذه الواقعة سيتفاقم معه شعور الأطباء والفريق الطبي كله بالإحباط، وسيؤدي إلى تضاعف أعداد الأطباء الذين يهاجرون من مصر، أو الذين يعزفون عن ممارسة المهنة.

مشادة على الهواء

وشهد برنامج “الحكاية” المذاع على قناة “إم بي سي مصر”، ويقدمه الإعلامي عمرو أديب، مشادة بين ميدو وعضو مجلس نقابة أطباء مصر أحمد حسين الذي قال إن ما تعانيه المنظومة الصحية المصرية هو نتاج طبيعي لتفاقم الأزمة بفعل الشحن الإعلامي، “ومع استمرار هذه التصرفات لن نجد طبيبا يعمل في مصر في المستقبل، لأن هناك 11 طبيبا على الأقل يستقيلون من الحكومة يوميا”، حسب قوله.

وأوضح حسين أن قرابة 150 ألف طبيب مصري هاجروا إلى خارج البلاد، لأن راتب لاعب الكرة في مصر يساوي 300 ضعف راتب أي طبيب، وأن لاعب الكرة السابق إذا كان يرغب في محاسبة المسؤول عن تدهور القطاع الصحي فعليه أن يحاسب وزير الصحة، ورئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية، بوصفهم المسؤولين عن القطاع الطبي المصري.

وأوضح عضو مجلس النقابة أن المستشفيات الخاصة تخضع لرقابة وزارة الصحة، كما أن لديها أطباء مؤهلين لاستقبال الحالات المرضية، مشيرا إلى تعرض أستاذ كبير في أمراض القلب للطعن باعتداء عليه بأسلحة بيضاء من أهل متوفاة حاول إنقاذ حياتها بعد إصابتها بجلطة قلبية، وأسفر عن ذلك إصابات مختلفة في أنحاء جسده استدعت تدخلا جراحيا.

في المقابل، قال ميدو إن نقابة الأطباء لم تفهم محتوى الفيديو الذي نشره، “وما حدث هو استغاثة من أهل زوجتي بسبب مرض والدها وتدهور حالته بشكل كبير”، واعترض ميدو على عدم ذكر الطبيب اسمه معتبرا ذلك تحقيرا للاعبي كرة القدم، مضيفا “عائلتي كلها أطباء وليس كل من لم يحصل على مجموع مرتفع في الثانوية العامة ليدخل كليات الطب فاشلا ولا يفهم”.

وأوضح الإعلامي المصري أنه تلقى كمًّا كبيرا من الرسائل من أشخاص مستعدين لتقديم بلاغات بسبب وفاة ذويهم وتدهور حالتهم، وأنه كان من السهل أن يتجاهل ما حدث، لكنه يريد تحسين حال القطاع الطبي في مصر.

وقدم ميدو اعتذارا لكل طبيب تعرض له بالإساءة في مقطع الفيديو، مؤكدا أن حديثه كان ناتجا عن حالة من الغضب نتيجة الموقف الذي تعرض له، وأنه كان يتوقع من نقابة الأطباء أن تحارب معه لتحسين وضع الأطباء الذي لا يسرّ عدوًّا أو حبيبا، ويدفعهم إلى الهجرة خارج البلاد.

أزمة أطباء مصر

وتعاني مصر من نقص حاد في عدد الأطباء مع اتجاه كثير من الأطباء للعمل في دول الخليج العربي وأوروبا، وحذرت نقابة الأطباء المصرية من استمرار عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي، فضلا عن تزايد سعيهم للهجرة خارج مصر.

وفي نهاية فبراير/شباط الماضي علق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هجرة كثير من الأطباء للخارج، مشيرا إلى أن الرواتب التي يحصلون عليها في مصر لا تناسبهم.

وأضاف السيسي -في فعالية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية- أن البعض يترك مصر من أجل فرصة عمل في بلاد أخرى، وضرب المثل بالأطباء قائلا “الأطباء اللي (الذين) بيمشوا..هو أنا بديله مرتب كويس ولا مش عاوز أديله (أعطيه) مرتب كويس؟ أنا مش قادر أديله مرتب كويس (جيد)”.

في المقابل، قالت الطبيبة والناشطة منى مينا، في مقال لها بعنوان “لماذا يهاجر الأطباء”، إن بعض طلبة كلية الطب يبدأ دراسة المعادلات الأجنبية التي تُمكِّنه من العمل في الخارج منذ السنة الثالثة أو الرابعة في الكلية، حتى يستطيع السفر فور تخرجه.

وأشارت إلى ظروف عمل الأطقم الطبية في مصر، لا سيما في المستشفيات الحكومية، من أجور شديدة التدني وقلة في أعداد الأطباء وكثرة في أعداد المرضى، فضلا عن الإمكانات الضعيفة، والصعوبة في تقديم خدمة طبية مرضية، وتحمل الأطباء غضب المرضى وأهاليهم نتيجة عدم الرضا بالخدمة المقدمة، وضعف إجراءات مكافحة العدوى، وقد تسبّب ذلك -مثلا- في أعداد رهيبة من وفيات الأطباء المتصدّين لجائحة كورونا.

 

تحذير نقابي

في السياق ذاته، حذرت نقابة الأطباء المصرية من استمرار عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي، فضلا عن تزايد سعيهم للهجرة خارج مصر، مطالبة رئيس الوزراء والجهات المعنية بالتدخل لتصحيح الأخطاء وتحسين منظومة الصحة بجميع أطرافها.

وكشفت نقابة الأطباء في تقرير عن استقالة أكثر من 11 ألف طبيب من العمل بالقطاع الحكومي منذ عام 2019، مشددة على أنها رصدت استقالة نحو ألف طبيب خلال 3 أشهر من العام الجاري.

وتحت عنوان “نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر”، حذرت النقابة من معوقات استقرار المنظومة الصحية، معربة عن أملها أن يكون هذا التقرير محل دراسة للتغلب على صعوبات المنظومة الصحية، ومنها العجز الشديد في أعداد الأطباء.

وقال التقرير إنه في الوقت الذي تنتشر فيه ما وصفته بأوكار تُتداول فيها أدوية مجهولة المصدر، مثل عيادات التخسيس ومراكز علاج الإدمان غير المرخصة، “نشهد اختلاق تعليمات واشتراطات لم ينص عليها القانون، وتصل إلى التعجيزية، للأطباء عند سعيهم لترخيص منشآت صحية خاصة”.

كما استعرض التقرير عددا من حالات وصفها بـ”التعسف الإداري أو القهر” الذي يتعرض له أطباء متميزون، يُرفض تعيينهم بالجامعات من دون أي مبرر، كما ترفض بعض المستشفيات تسليم الأطباء عملهم من دون إعلان أسباب، رغم العجز الشديد الذي تعاني منه المستشفيات والجامعات.

وأشار أيضا إلى أزمة معاملة الأطباء كالمجرمين، في غياب قانون المسؤولية الطبية التي تطالب النقابة بإصداره منذ سنوات، إذ يعاقب القانون المصري الطبيب بالحبس لدى تسببه بأي ضرر طبي لمريضه، في حين أن أغلب الدول بها قانون للمسؤولية الطبية في حالة وجود خطأ طبي من طبيب مؤهل نتج عنه ضرر للمريض، تكون العقوبة التعويض المالي حسب درجة الضرر.

كما أشار التقرير إلى أن الطبيب المصري الذي يعمل في مستشفيات وزارة الصحة يحصل على راتب لا يمكن مقارنته بأي طبيب في العالم، إذ لا يتجاوز متوسط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه (نحو 200 دولار)، أما متوسط المعاش التقاعدي للطبيب بعد نحو 35 سنة من العمل بالحكومة فهو 2300 جنيه مصري (نحو 125 دولارا).

انقسام في مواقع التواصل

أزمة ميدو مع نقابة الأطباء أثارت جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، وانقسم المغردون بين مؤيد لموقف ميدو في مواجهة إهمال المستشفيات، ومعارض له يشيد بأطباء مصر الذي يعملون في ظل ظروف ليس لها مثيل.

وأشاد مغردون بموقف نقابة الأطباء وتقديمها بلاغا ضد ميدو وكل من يهاجم الأطباء من دون وجه حق، ودون معرفة الضغوط التي يتعرضون لها، وعدّد بعض الأطباء الصعوبات التي يعانون منها وتعيقهم عن أداء عملهم بالشكل المناسب.

في المقابل، رأى البعض أن ما تعرض له ميدو من إهمال يتعرض له العديد من المصريين على نحو شبه يومي، لكن ليس لديهم من الأدوات الإعلامية ما يسمح بإيصال صوتهم كما فعل ميدو، وأشار البعض إلى أن القطاع الطبي المصري يحتاج إلى جهد كبير من أجل إعادة تنظيمه.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *