رينيه نبعه
تقع على عاتقي مسؤولية الحديث في المواقف والمواقع الأوروبية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. ومن بين جميع المتحدثين، أشعر بأن مهمتي هي الأسهل. وقد لخصتها بعنوان هذه المداخلة: أوربا، أو الشريك الغائب
بشكل أوضح، فإن الاتحاد الأوروبي، وهو أحد المساهمين الماليين الرئيسيين للفلسطينيين، يجلس خارج اللعبة الدبلوماسية الإقليمية. يمكن أن يعتبر البعض هذا الوضع خيارا متعمدا، باعتبار أن المشكلة الفلسطينية مصدر متاعب، ولست من أنصار هذا الرأي. أو لأن أوربا مهمشة. وهو الاحتمال الأكثر منطقية.
في الواقع ، استبعدت أوروبا نفسها بنفسها بسبب المسؤوليات الثقيلة لتاريخها: ألمانيا مشلولة بسبب الميراث الثقيل للنازية، فرنسا، رغم المقاومة الاستثنائية للنازية والفاشية، بالبصمة السوداء لحكومة فيشي لصاحبها الرايخ الألماني، والمملكة المتحدة بوعد بلفور، الخطيئة الأصلية، في أصل كل شرور الفلسطينيين.
بكلمة موجزة، استفادت أوروبا من العالم العربي كمسرب يخفف آثامها وخطاياها، للتخلص من نفاياتها التاريخية. وباستثناء محطات خاصة، وقف فيها رمز المقاومة الفرنسية شارل ديغول، الذي لم يكن لديه عقدة نقص أو زيادة، في مواقفه التاريخية المناهضة للنازية، لم تعرف أوربا بدبلوماسييها ومثقفيها إلا قليلا، من يتحدث في الحقوق الفلسطينية دون عقدة ذنب لا علاقة للشعب الفلسطيني بها من قريب أو بعيد. هل من الضروري التذكير بأن الجنرال ديغول كان في التاريخ يوم كان المثقف النقدي سارتر خارجه يتظاهر خوفا على إسرائيل التي تحتل أربعة أضعاف أراضي فلسطين التاريخية؟؟ مشاهد غير قابلة للفهم من شبيبة عربية ترجمت وقرأت “الاستعمار الجديد” لجان بول سارتر..
لا يمكن مقارنة هذه المواجهة التاريخية بين أندريه مالرو والأزمنة الحديثة، بما شهدنا في النصف قرن الأخير من مثقفي الدرجة السابعة ودبلوماسيي آخر الزمان الأوربي، ولعل المثل الفرنسي يبقى الأبرز، فيما تنتج القارة العجوز:
– لنتأمل الزيارة السرية التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون، في منتصف الليل، إلى رام الله، للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس … وكأن مصافحة الفلسطيني أصبحت بادرة مخزية.
– صوت لحن فرنسوا هولاند، الاشتراكي، يغني في مطبخ بنيامين نتنياهو، صقر شديد الخوف من الأجانب وشعبوي، ترنيمة لمجد إسرائيل!!
– أخيرًا وليس آخرا، النظر في اعتماد قانون فرنسي يدمج انتقاد الصهيونية بمعاداة السامية، كذلك تجريم حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات.
أوروبا مشلولة بسبب الحقيقة اليهودية ومسؤوليتها الخاصة في المذابح التي ارتكبتها ضد مواطنيها اليهود. ولا يبدو أن مدارس التحليل النفسي ذات فاعلية تذكر في معالجة أشباه السياسيين وأشباه المثقفين..
هناك وقائع بديهية المعرفة اليوم لكل بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط: إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، الجيش الإسرائيلي هو الأغنى والأكثر إغراقا بالسلاح والمال من حلف شمالي الأطلسي وبشكل خاص الولايات المتحدة، وهي آخر شكل من أشكال الأبارتايد على سطح البسيطة..
السؤال المطروح على كل أوربي اليوم لم يعد في الحديث عن “حق إسرائيل في الوجود”، بل عن سبل وقف الإبادة الفلسطينية؟ ويمكن لمن يمتلك في أوربة الحد الأدنى من الحكمة والعقلانية أن يعيد طرح الأسئلة بشكل مختلف، من أجل معايير للخروج من المأزق، والازدراء الذاتي:
– ما معنى ربط حق إسرائيل في الأمن بواجب انعدام الأمن للدول العربية.
– ما معنى الصمت عن اغتيال قضية الشعب الفلسطيني باسم طغيان “الدولة اليهودية”؟
– كيف يمكن وقف ترجمة الحب اليائس للإسرائيليين بأشكال غير محدودة للكراهية المفرطة للعرب والمسلمين؟
– أليس التعويض على ممتلكات الآخرين يشكل تحريفًا ثلاثيًا، أبطاله هم أكبر الخاسرين؟
العرب وأوربة؟
تحت عقوبة الانتحار، لا يمكن للعربي، في الوضع البشري الراهن شرقي المتوسط، أن يكون شريكًا لحماة إسرائيل الأساسيين.
يدفع العالم العربي ثمن الفساد الغربي، والأوروبي على وجه الخصوص. لكن ذلك لا يمنع الدول العربية، في غالبيتها العظمى، من الزحف أمام حماة إسرائيل وضامني إفلاتها من المسؤولية والعقاب.
إلى أي مدى يحترم الغربيون والعرب إعلان البندقية لعام 1980 بشأن حقوق الفلسطينيين؟
من يلتزم اليوم باتفاقات أوسلو، التي كان من المفترض أن تمهد الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية صغيرة، ألم يقم نتنياهو باغتيالها منذ 1998 على رؤوس الأشهاد؟
من يتحدث عن خطة السلام العربية إن كان أصحابها قد ألقوها في القمامة؟
ألم يراكم الربع قرن الأخير كل ما يحطم فكرة الدولتين ويقيم دولة أبارتايد؟
لكن أيضا، كيف يمكن لأوربة، أن تستقيل من مهمة النظر إلى القضية الفلسطينية أو اعتبارها “غير مركزية” في وقت يتجاوز فيه عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية نصف عدد السكان؟
كيف يمكن الاستمرار في غياب وتغييب أية سياسة أوربية تستحق النظر في قضية بهذه الأهمية؟
هل يمكن لأوربة أن تكون طرفا فاعلا في ملعب البحر الأبيض المتوسط مع استمرار حالة عمى الألوان في كل ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية ؟
لا يمكن النظر للقضية الفلسطينية من ثقب إبرة حسن إدارة المؤقت، لأن مفاجآتها أكبر بكثير من المؤشرات المبكرة لكوارث الاحتباس الحراري..
ينتقم التاريخ ممن يهينه. ولعل اونوريه غابرييل ميرابو يلخص مأساة الكثير من العرب والغربيين عندما يقول:
“هناك شخص أسوأ من الجلاد، هو خادمه”. Honoré-Gabriel Mirabeau
كاتب لبناني
Source: Raialyoum.com