الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 16

 

أيها الأخوة والأخوات… فهذه هي الحلقة السادسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ….. قلنا في الحلقة الماضية أن الله متّعَ الإنسانَ بأربعةِ قوىً تشكل له الهيئة الباطنة للنفس وباعتدال، هذه القوى الأربع … التي هي قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل … باعتدالها يتشكلُ حسْنُ الخُلق عند الإنسان … الذي هو المفتاحُ الحقيقي والنواةُ الأولى لتشكيلِ الحضارة الإنسانية المثلى التي متّع الله بها أجدادَنا في ما مضى، …

 

باعتدال قوةِ العقل تتشكل الحكمة عند الإنسان … وهي الوسيطة … وإفراطُ هذه القوة … يتولد عنه الخبثُ والمكر والخديعة … وتفريطُ هذه القوة … يتشكل عند الإنسان الغباوة والحمق والبلادة … وقلة الخبرة في الحياة .. والسطحية في الأمور … وعدم التبصر والطيش … فترى الانسانَ الحكيم يضعُ الأمورَ بموازينِها … يتصرّف التصرّفَ اللائق، وكلما اعتدلت هذه القوة قوةُ العقل … كلما اعتدلت واستقامت أكثر … وكلما كان صاحبُها ذا حكمةٍ أكثر … والحقيقة أن نورَ البصرِ كنورِ البصيرة، نورُ البصر يحتاج إلى نور من جنسِه يتحدُ معه عملية الرؤيا في حدقة العين … فلو أن إنساناً دخل كهفاً مظلماً لن يرى ـ ولو كان بصره حاداً ـ إن لم يكن هناك نورٌ يرى من خلاله …. فلا بدّ من وجود نورٍ في البصر ونور في البيئة والمحيط حتى تتمَّ عملية الإبصار، وكذلك نورُ البصيرة … الذي هو العقل … لا بدَّ من نور يناسبه من خلاله يتبصر … هذا النور هو العلم … وأولُ علم … كان في هذه الدنيا … علمُ الوحي … هو الذي يمكن أن يخبرَك بما يهمُّك مما حصل ماضياً … أو يخبرُك بما سيأتيك غداً … من الذي يستطيع أن يعرِّفَ الإنسانَ على رحلته التي قضاها … قبل أن يولد … عن نشأته عن مهمته عن مستقره … إلى أين يذهب … ما الذي بانتظاره … ما هو الموت … ماذا بعد الموت … لا يستطيعُ أن يقوِّمَ هذا ويدلَّ عليه ويطمْئنَ العقلَ إلى أنه أتاه حقيقة إلا الوحي الصادق …

 

ولذلك أمر الإسلامُ أبناءه بداية أن يتحققوا بما يعتقدونه، ورسم لهم قصةَ النشأةِ ونهايةَ القصة … الرحلة بكل فصولها … لا تتخلف … وكان هناك الخطابُ الإلهي للإنسان: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم … إن السمعَ والبصر والفؤاد … كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً } … إن الإسلامَ لم يُردْ من الإنسان أن يقيمَ اعتقادَه بالدين الحنيف نفسِه إلا على أساس العلم … فكم أكرم بذلك الإنسانُ … ولطالما حاججَ القرآنُ بشكل منطقي الذين يبحثون عن الحقيقة بشكلٍ منطقي وبحوارٍ رائع … انظر عندما يقول لهم: { لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدتا }، انظر عندما يعدد الخلق … وأنواعَه وإعجازه ثم يقول: { فتبارك الله أحسنُ الخالقين }، انظر عندما يقول: { ألم ترَوا أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمّه ظاهرة وباطنة ومن الناسِ من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير }، ويقول أيضاً: { هو الذي جعل لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقِه وإليه النشور } …. كل ذلك ليدلَّه على الاحتكام … للعلم على الاحتكام … للتدبر … على التروي في أموره … وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة لسيدٍ في قومه … [ إن فيكَ لخصلتين يحبهما الله ورسوله الأناةَ والحلم ] …

 

خلاصة القول: إن قوة العقل … إذا اعتدلت هدتْ صاحبَها إلى الحكمةِ والتبصُّر، وإن أفرطت أوصلتْ صاحبها على المَكر والخديعة … وإن فرّطت أوصلت صاحبها إلى الحمق والغباوة والطيش، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *