الأميركية تخسر والبريطانية تتخوف والفرنسية صامدة.. شركات التأمين تتعرض لضربات موجعة بسبب كورونا

تواجه صناعة التأمين على الحياة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خسارات مالية كبيرة بسبب ارتفاع عدد الوفيات عبر العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا. التفاصيل في التقرير المشترك لمراسلي الجزيرة نت.

Share your love

فيروس كورونا تسبب في تراجع أسهم شركات التأمين العالمية (غيتي)

محمد المنشاوي-واشنطن

هشام أبو مريم-باريس

الجزيرة نت-لندن

كما هي الحال مع قطاعات اقتصادية عديدة، تواجه صناعة التأمين على الحياة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خسارات مالية كبيرة بسبب ارتفاع عدد الوفيات عبر العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا.

الجزيرة نت سلطت الضوء في التقرير المشترك التالي على وضعية شركات التأمين في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ورصدت حجم الخسائر والحلول لمواجهة طلبات التعويض المرتفع من جانب العملاء.

أميركا.. خسائر واشتراطات
مثّل انتشار فيروس كورونا الواسع في الولايات المتحدة -التي تخطى لديها عدد الإصابات 556 ألفا، والوفيات 22 ألفا- تحديا كبيرا وغير مسبوق لصناعة التأمين على الحياة.

وتلقت شركات التأمين الأميركية ضربة مزدوجة، حيث من المتوقع أن تخسر الكثير من الأموال نتيجة عدد الوفيات الكبير الذي يتزايد كل يوم بمعدلات ضخمة والذي قدرته مصادر حكومية أميركية بما بين مئة ألف ومئتي ألف شخص.

ومن ناحية أخرى يمثل انهيار قيمة العوائد على السندات الحكومية لمعدلات تاريخية خسارة أخرى كبيرة لتلك الشركات التي تفضل استثمار جزء كبير من رأسمالها في السندات الحكومية.

وفي أسواق المال، خسر مؤشر شركات التأمين على الحياة والتأمين الصحي ما نسبته 37% خلال الأسابيع الأخيرة منذ ظهور انتشار فيروس كورونا.

وخلال الشهر الأخير، خسرت كبريات التأمين الأميركية الكثير من قيمتها، فشركة “برودنتيال” Prudential فقدت 9% من قيمة سهمها، كما خسرت شركة (AIG) “أي آي جي” 25% من أسهمها خلال الشهر نفسه.

وارتفع عدد الراغبين في التأمين على حياتهم، لكن لم يكن هذا بالشيء اليسير في الولايات المتحدة، حيث يتردد الكثير من الشركات في قبول عملاء جدد. 

وتاريخيا، تزيد المحن والمصاعب التي تتعرض لها المجتمعات مثل الحروب أو الأزمات المالية من سعي الكثير من الأشخاص للحصول على بوليصة تأمين على الحياة.

وفرضت شركات التأمين على الحياة فترة انتظار مدتها شهر على الراغبين في شراء بوليصة تأمين على الحياة ممن سافروا أخيرا لبؤر انتشار الفيروس سواء في الصين وإيران أو دول أوربية. 

وتوقع أستاذ المالية بجامعة تيمبل بولاية بنسلفانيا، تيم لودتيك، أن تتوقف شركات التأمين عن قبول متقدمين جدد حتى يتم إيقاف انتشار الفيروس في الولايات المتحدة.

ولا تستثني بوليصات التأمين على الحياة في الولايات المتحدة أي مرض يؤدي لوفاة العميل، باستثناء حالات الانتحار خلال أول سنتين من امتلاك الشخص لبوليصة تأمين على الحياة.

من هنا لا ينتظر أن يتم استثناء الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا من دفع قيمة بوليصة التأمين لعائلة المتوفى.

وتقليديا، تستغرق إجراءات الحصول على بوليصة تأمين على الحياة عدة أسابيع، فهناك اختبارات طبية إلزامية، إضافة لانتظار وصول السجل الطبي للمتقدم من أطبائه السابقين، والتأكد من صحة الوثائق المقدمة.

وحاليا، يرغب الكثير من العملاء في تجنب الاختبارات الطبية خلال فترة انتشار الفيروس خوفا من انتقال الفيروس إليهم سواء بذهابهم إلى عيادات الأطباء أو حضور الأطباء إلى منازلهم.

من المتوقع أن تخسر شركات التأمين الكثير من الأموال نتيجة عدد الوفيات الكبير (غيتي)


بريطانيا.. أزمة وتوجس
كما هو الوضع في الولايات المتحدة، تواجه شركات التأمين في بريطانيا تراجعا في قيمة أسهمها في البورصة والذي بلغ حوالي 50% لارتفاع عدد الوفيات في البلاد بسبب أزمة فيروس كورونا، وما يعنيه من تزايد المبالغ التي على الشركات دفعها، بالإضافة إلى أن أكثر ما يخيف هذه الشركات هو استمرار تراجع أنشطة البورصة وانخفاض سعر الفائدة، ما يعني أنها ستتكبد خسائر غير مسبوقة.

ورصد موقع “أكتيف كوت” المختص في تقديم عروض التأمين المختلفة، ارتفاعا بنسبة 15% في طلبات التأمين على الحياة والتأمين على الصحة، إضافة لما دفعته شركات التأمين البريطانية للتعويض عن إلغاء السفر وتأمين الحياة والذي بلغ في أسبوعين من شهر مارس/آذار الماضي فقط حوالي عشرين مليون جنيه إسترليني (نحو 25 مليون دولار).

وتعول شركات التأمين على تراجع المطالب بالتأمين على وسائل النقل، بعد فرض الحجر الصحي، وعدم استعمال السيارات لمسافات طويلة، من أجل تغطية تزايد مطالب التعويض عن السفر أو الصحة.

وتمر شركات التأمين بوضع صعب، دفع بوكالة التصنيف الائتماني “فيتش” لتخفيض تصنيفها إلى “سلبي” بعد كان تصنيفها مع بداية انتشار الوباء “مستقرا”، وبررت الوكالة هذا القرار بسرعة انتشار الوباء وارتفاع عدد الوفيات في بريطانيا، ما يعني عددا أكبر من وثائق التأمين التي يجب دفعها.

وعلى الرغم من تأكيد وكالة “فيتش” أن شركات التأمين البريطانية تتوفر على الموارد المالية الكافية لمواجهة تراجع سوق التأمينات ومنح العملاء تأميناتهم خصوصا التأمين على الوفاة، فإن ما يقلق الوكالة هو البنية الديمغرافية في بريطانيا حيث يكثر المسنون، وهو ما قد يؤدي لعدد كبير من الوفيات.

وتحاول شركات التأمين البريطانية أن تكون أكثر انتقائية في منح عروض التأمين على الحياة، إضافة لتزايد عدد من الشكاوى من العملاء الذين وجدوا أنفسهم في حالة ضياع، خلال العديد من التفاصيل القانونية للاستفادة من تأمينهم، وهو الأمر الذي تنبهت له الهيئة المستقلة لمراقبة أعمال سوق التأمينات وطالبت شركات التأمين بأن تكون أكثر مرونة في التعامل مع العملاء. 

     عدد من شركات التأمين في بريطانيا تخلى عن توزيع الأرباح على المساهمين للحفاظ على السيولة في مواجهة كورونا (غيتي)

كما دخل البنك المركزي على الخط، عندما طالب شركات التأمين بعدم توزيع أرباح سنة 2019 على المساهمين، وذلك حفاظا على السيولة لمواجهة هذه الأزمة.

وبالفعل، فقد أعلنت كبرى مجموعات التأمين تخليها عن قرار توزيع ما مجموعه 1.3 مليار جنيه إسترليني (1.6 مليار دولار) من الأرباح على المساهمين، وتأجيل العملية لنهاية العام الجاري.

ويخشى البنك المركزي البريطاني من أن توزيع هذه الأرباح سيزيد الضغط على خزينة الدولة من السيولة، كما قد يكون مدخلا لعدم التزام الشركات بقيمة التأمينات مع المتعاقدين معها، ولذلك كان الهدف من هذه العملية هو الحفاظ على المحفظة المالية لشركات التأمين، لمواجهة أي طلب متزايد على التأمين على الحياة.

ومع ذلك، تقول بعض شركات التأمين إنها غير قادرة على احتساب تأثير ارتفاع الوفيات بسبب فيروس كورونا، خصوصا أن هذا العدد من الوفيات لم يتجاوز عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا الموسمية التي تقتل 28 ألف شخص سنويا في بريطانيا.

لكن -حسب هذه الشركات- إذا تم تجاوز هذا الرقم حينها يمكن أن تصبح التأمينات على الحياة جد مكلفة لقطاع التأمين البريطاني.

فرنسا.. شركات صامدة رغم الخسائر
أما في فرنسا، فلم تستعِد بعد شركات التأمين عافيتها من تداعيات وآثار أزمة حركة السترات الصفراء التي كبدتها ملايين اليوروهات العام الماضي، حتى تفجرت أزمة وباء فيروس كورونا التي ستكبدها من جديد مزيدا من الخسائر المالية على شكل تعويضات للأشخاص المتضررين والمرضى، لكن رغم هذه التعويضات فإن هذه الشركات لا تزال في حالة مالية جيدة.

وتركز أبرز الخسائر التي شهدتها شركات التأمين الفرنسية في الأسابيع الماضية في سوق البورصات في باريس، بحيث فقدت أكثر من 30% من قيمتها منذ بداية العام الجاري، بسبب تداعيات وباء كورونا.

وتضررت كبرى الشركات الفرنسية في مختلف القطاعات خصوصا تلك التي تستثمر بشكل أساسي في شركات التأمين، لأنها مرتبطة بالأسواق الأوروبية المتداعية بالأزمة ذاتها.

وحسب الخبير الاقتصادي المختص في مجال التأمين، جيليان فيو، فإن القانون يحمي شركات التأمين الفرنسية ويجنبها الإفلاس بسبب وباء كورونا.

 ويقول “إن القانون يعفيها ويحميها من تعويض الشركات المتضررة في حالتين اثنتين، وهما حالة الحرب وحالة الوباء، وهو ما تعيشه فرنسا حاليا مع فيروس كوفيد-19”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن الخسائر ستكون متوسطة لدى شركات التأمين الفرنسية، لأن الحكومة هي من تتولى تعويض الشركات المفلسة والمتضررة من آثار فيروس كورونا، أما شركات التأمين فتتولى تعويض الأشخاص المتضررين على وجه الخصوص.

يشار إلى أن الحكومة الفرنسية صادقت على خطة بقيمة ثلاثمئة مليار يورو على شكل قروض من أجل مساعدة آلاف الشركات الصغرى والمتوسطة المتضررة بعد توقف عجلة الاقتصاد، نتيجة آثار الحجر الصحي المتواصل منذ نحو شهر. 

جيليان فيو: خسائر شركات التأمين الفرنسية ستكون متوسطة (الجزيرة)
بدورها، أعلنت الفدرالية الفرنسية لشركات التأمين أنها استجابةً لمطالب الحكومة بالمساهمة في الصندوق الوطني لمحاربة “كوفيد-19″، قررت تقديم مساعدة بقيمة مئتي مليون يورو، كما خلصت إلى أن قيمة التعويضات المادية التي ستقدمها للمتضررين بفيروس كورونا ستتجاوز ثلاثة مليارات يورو، من مجموع الميزانية المخصصة للأضرار المقدرة بقيمة خمسين مليار يورو.
 
في السياق نفسه، أعلن المدير العام للفدرالية الفرنسية لشركات التأمين، جان كلود فارنييه، أنه لن يتم رفع رسوم التأمين على الأشخاص كما أن لديهم التزاما تاما بتعويض كامل لكل عملائهم أو ذويهم ودون استثناء، خصوصا أولئك الذين يتوفرون على تأمينات على الوفاة والصحة والسفر.
 
كما أن شركات التأمين الفرنسية استفادت من انخفاض كبير في عدد مستعملي السيارات البالغ عددهم أربعين مليونا بعد الحجر الصحي المفروض منذ شهر في البلاد وبالتالي انعكس بشكل إيجابي عليها، فقد وفرت إحدى كبرى شركات التأمين على السيارات “لا ماييف” -بسبب انخفاض حوادث السير- نحو مئة مليون يورو.
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!