تأكيدات الحكومة على لسان وزير العمل والاستثمار الأسبوع الماضي أنها ماضية قدما في تنفيذ قرار رفع الحد الأدنى للأجور الى 260 دينارا شهريا مع بداية العام القادم تعد خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح.
الحكومة السابقة اتخذت هذا القرار في شباط من العام الحالي، وأجلت تنفيذه – على غير العادة – الى بداية العام القادم، بالرغم من التوافق عليه في اللجنة الثلاثية المكونة من النقابات العمالية وغرفة الصناعة والتجارة ووزارة العمل.
الا أن القضية التي تستحق النقاش، هي إشارة وزير العمل وشؤون الاستثمار في تصريحات ذات علاقة لإحدى محطات التلفزة المحلية أن رفع الحد الأدنى للأجور يتطلب اقتصادا قويا، خاصة أن السياسات الحكومية في الأردن ذهبت منذ عقود وما زالت، تجاه الضغط على الأجور من أجل تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي.
وهنا لا بد من تأكيد وجه آخر هام للمعادلة – عادة ما يتم اهمالها من قبل المؤثرين في صناعة القرار الاقتصادي- يتمثل في أن زيادة الأجور بشكل عام والحد الأدنى لها بشكل خاص، يعد أحد أهم محركات النمو الاقتصادي وبناء اقتصاد قوي.
ان الاستمرار في استخدام مقاربة دعم النمو الاقتصادي وتعزيز قوته على حساب الأجور المنخفضة التي اعتمدتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، شكل خطيئة كبيرة آن أوان التراجع عنها. وأدت الى أن يدفع الأردن ثمنا باهظا من قوة اقتصاده وكرامة مواطنيه، حيث عانى الاقتصاد تباطؤا كبيرا في نموه خلال السنوات العشر الماضية، قبل أن يدخلنا فيروس “كورونا المستجد” في حالة انكماش عميقه، وأدت الى تراجع المستوى المعيشي لغالبية المواطنين.
ونشير الى أنه وبالقدر الذي يحتاج فيه اقتصادنا الوطني الى مزيد من الاستثمارات والصادرات، بالقدر الذي يحتاج فيه الى طلب استهلاكي محلي كبير للأفراد وللمؤسسات، ويمكن القول ببساطة انه دون قدرات شرائية محلية وازنة للمستهلكين الأفراد وعائلاتهم، لن يتحقق النمو الاقتصادي المنشود، ولن يتم بناء اقتصاد قوي مستدام.
التجربة الإنسانية تفيد بأن الاقتصادات القوية والمستدامة يجب أن تقوم الى جانب تشجيع الاستثمار والصادرات، على تعزيز الطلب المحلي بشكل متزايد، وهذا لن يتحقق ونحن نستمر في استخدام ضعف شروط العمل وأهمها الأجور، كميزات تنافسية لتشجيع الاستثمار والصادرات، اذ ان نتاج ذلك سيكون مزيدا من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية ليس اقلها اتساع رقعة الفقر والبطالة، وتعمق التفاوت الاجتماعي.
وهذا يدعونا للمطالبة بإعادة النظر في الخيارات الاقتصادية للحكومة تجاه العمل على تعزيز الطلب المحلي، وهذا سيتحقق عندما تتحسن مستويات الأجور فقط، وعندها ستتقلص طبقة الفقراء، وفئة العاملين الفقراء الذين يشكلون غالبية العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، وسنبني اقتصادا قويا وليس العكس.
هذا الخيار سيوسع دائرة المستفيدين من الاقتصاد، فإلى جانب تحسن المستوى المعيشي للعاملين، ستكون طبقة رجال الأعمال على رأس المستفيدين إذا تعاملوا مع الموضوع من منظور استراتيجي، لأن الطلب المحلي الكبير والمستدام سيؤدي الى تعزيز النمو الاقتصادي الحقيقي وسيخلق فرصا استثمارية كبيرة، وسيؤدي كذلك الى زيادة الإيرادات الضريبية المختلفة جراء توسع الاقتصاد.
من هنا نستطيع أن نفهم، لماذا أقدمت العديد من حكومات الاقتصادات الكبرى في العالم الى استدامة عمليات دفع أجور العاملين في القطاعين العام والخاص جراء أزمة كورونا، والعديد منها قامت بتمويله بالدين العام، بل ذهبت العديد من الحكومات الى زيادة الحد الأدنى للأجور، لأن تعزيز الطلب المحلي شرط أساسي من شروط بناء اقتصادات قوية والحفاظ عليها، ولأنها شرط أساسي أيضا للخروج من حالة الانكماش الاقتصادي.