وأفسر ببساطة معنى “التمركز حول الذات”:
ببساطة شديدة أخواتي يقصد بهذا المصطلح هؤلاء يكون اهتمام الشخص بالآخرين بقدر اهتمامه بنفسه، وبالتالي لا يفكر ويتفحص ما قاله الآخرون عن أنفسهم بل يكون كل محور حياته “أنا فقط”.
والغريب بأن نفسه حتى لا يعطيها حقها؟!! والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي “الأنانية”.
والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، فالشخص الأناني لا يعطى اعتباراً للآخرين، وهو في نفس الوقت لا يعي إلا اعتباراً ضئيلاً لنفسه. وهذا الشخص مشغول دائماً بأحاسيسه ومشاعره فقط، ويطلب – بشكل زائد – الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين، وكأنهم مجرد أدوات لخدمته وراحته وسعادته. وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية، ولا يتحمل مسؤولية أخطائه أو قصوره، ولا يتحمل نقداً من أحد، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقداً بناءً، فهو شديد الحساسية تجاه صورة ذاته أمام نفسه وأمام الآخرين، والحفاظ على هذه الصورة أهم عنده من أي شيء.
ومن العلامات الهامة أيضاً للتمركز حول الذات ضعف القدرة على تفهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم بمعنى ضعف القدرة على قراءة مشاعر الآخرين من صوتهم أو تعبيرات وجههم، وهذا يؤدي إلى وجود حواجز بين هذا الشخص وبين الآخرين ويجعلهم غرباء عليه ويجعله غريباً وبعيداً عنهم.
وبالتالي لا حرج اذا شعر من يعاني من مشكلة “التمركز حول ذاته” أنه يعيش حالة من الانطواء والعزلة والحساسية الزائدة وعدم تحمل الإحباط وتقلبات المزاج وأنه يشعر بالغربة عن الناس والوحدة وعدم القدرة على التواصل المريح معهم.
وليس هذا فقط بل هذة العزلة الشعورية عن الناس تؤدي بدورها إلى افتقاد المرء للكثير من المهارات الاجتماعية اللازمة للتفاعل الإيجابي والمثمر مع الناس وربما يتمكن الشخص المتمركز حول ذاته ان يحقق التفوق في شىء معين خلال مرحلة معينة او فترة معينة من عمره لكنه مع الآسف لا يستطيع ان يستمر على هذا المنوال لان التفوق الذي سعى للحصول عليه لم يعد كافياً بالنسبة له لإعطائه الشعور بالرضا والشبع.
والسؤال الآن: ما الحل لمن يعاني من هذة المشكلة؟
من المهم أن نعرف أن الإنسان بإمكانه أن يتغير في أي مرحلة من مراحل العمر، وصحيح أن نمط الشخصية لكل منا فيه درجة من الثبات، ولكن هذا لا يعني حتمية الاحتفاظ بعيوبنا وقصورنا، فالسمات الشخصية يمكن إعادة توجيهها وتوظيفها بما يؤدي إلى صلاح الشخص وصلاح الحياة.
وهذا يحتاج لقرار وبذل جهد ومثابرة “فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، ولنا في حياة الصحابة رضوان الله عليهم نماذج رائعة وواقعية في التغيير الإيجابي مع احتفاظ كل منهم ببصمة شخصيته المميزة له، فسيدنا عمر -رضي الله عنه- قد تحول بشدته إلى حزم وعدل، وسيدنا خالد حول سيفه من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان، وسيدنا أبو هريرة وظف ذاكرته لحفظ الحديث، وسيدنا بلال أفاد الإسلام بعذوبة صوته (رضوان الله عليهم جميعاً)،… وهكذا.
وبداية التغيير تكون من خلال الوعي بنقاط القوة ونقاط الضعف في نفوسنا دون إنكار أو تبرير أو إسقاط، ثم كتابة هذه النقاط في ورقة والبدء فوراً في تنمية نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف، وهذا ربما يستلزم الاستعانة برأي بعض الأصدقاء المخلصين أو الأقارب أو المتخصصين؛ لأن الإنسان يرى الأمور من منظوره هو؛ ولذلك يحتاج لأن يراها أيضاً من منظور الآخرين فهذا يعطي مجالاً أكثر اتساعاً وأكثر موضوعية للرؤية. والتغيير لن يتم في يوم وليلة، وإنما يبدأ الآن ويستمر حتى نهاية العمر، ولا تقولي إنني حاولت وفشلت! فالمحاولات لن تنتهي إلا بانتهاء العمر.
ونقطة التغيير الأساسية هي في الخروج من دائرة ذاتك، وأن تكون لديك القدرة على أن ترى الآخرين وتهتمي بهم، وعلى أن تحبي وتُحبي، وأن تعطي وتأخذي، وأن تنظري إلى خبرات حياتك بشكل إيجابي، وأن تتعلمي من خبرات الماضي، وأن تكوني قادرة على تحمل الإحباط، وتحترمي تجارب الفشل، وأن تتحرري من أعراض التوتر الزائدة بممارسة رياضة بدنية أو تمارين استرخاء، وأن تكون لديك القدرة على حل الصراعات، وألا تحرصي على أن تكوني أنتي الفائزة الوحيد على حساب بقية الناس، وأن تكون لديكِ القدرة على قبول الاختلاف والخلاف بلا تعصب لرأيك أو إلغاء للآخرين، وأن تنخرطي في أنشطة جماعية تهدف إلى خير وصلاح سائر الناس.
وإذا لم تستطعي أن تقومي بهذا التغيير بجهدك الذاتي فيمكنك حضور بعض الدورات أو الندوات حول النضج الوجداني والمهارات الاجتماعية، وهي منتشرة بكثرة في عدد من المراكز المتخصصة فى دول العالم العربي. مع العلم ان علامة نجاحك في الخروج من دائرة ذاتك الضيقة إلى رحابة الكون الأوسع أن تجدي أنك أصبحتِ في حالة توافق وانسجام مع نفسك ومع الناس ومع الله.
وأخيراً.. تذكرو قول الله تعالى لرسوله الكريم معلماً وموجهاً: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]