التباس مفهوم النصر عند الجماعات الجهادية.. انتصار طالبان نموذجا

د. إبراهيم أبراش

ما إن سيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية حتى شغل الموضوع الرأي العام والفضائيات ووسائط التواصل الاجتماعي واعتبره البعض حدثاً تاريخياً ويشكل منعطفاً ليس فقط في السياسة الأمريكية الخارجية بل وعلى مستوى النظام الدولي وأن هذا النظام ما بعد انتصار طالبان على الأمريكان لن يعود كما كان قبل ذلك، وتبارى المحللون السياسيون في شرح وتفسير انتصار حركة طالبان و(هزيمة) أمريكا  بل الهزيمة التاريخية لأمريكا التي لا تقل عن هزيمتها في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، كما هللت جماعات الإسلام السياسي معتبرة ما جرى انتصاراً للإسلام والمسلمين وانتصار الحق على الباطل، كما كان يحدث مع كل (انتصار) تحققه الجماعات الجهادية.

لا نقلل من قيمة الإنجاز أو الانتصار الذي حققته حركة طالبان لنفسها من خلال سيطرتها على البلاد بعد أكثر من عقدين من إقصائها عن السلطة والاحتلال الأمريكي عام 2001، كما أن انتصار طالبان اكد فشل سياسة الاستعمار المباشر والتي حاولت الولايات المتحدة إعادة إحيائها من خلال احتلالها لأفغانستان والعراق، ولكن من السابق لأوانه اعتبار الانتصار العسكري لطالبان على حكومة مدنية منتخبة ومعترف بها دولياً انتصاراً للشعب الأفغاني أو أن خروج الجيش الامريكي وحلفائه يعني نهاية الصراع في أفغانستان، فالشعب لم يقل كلمته بعد، كما ان الحرب في افغانستان مندلعة قبل الاحتلال الامريكي، أيضاً فإن خروج الجيش الأمريكي من أفغانستان قد يكون في جزء منه هزيمة، ولكن أيضاً يجب ربط هذا الانسحاب بقرار أمريكي بالخروج من أفغانستان تم اتخاذه منذ سنوات أيضاً بالتغيرات الجيوسياسية والاستراتيجية في العالم؟.

     ما جرى في أفغانستان من سيطرة طالبان على العاصمة وغالبية الولايات بدون قتال تقريباً واستسلام الجيش الافغاني وخروج آمن للرئيس وبطانته وللدبلوماسيين والمستشارين العسكريين الأمريكيين ثم للقوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي ، غير منقطع الصلة بالمفاوضات التي كانت تجري بين طالبان وواشنطن في الدوحة. ففي 29 شباط/فبراير 2020 وقعت الولايات المتحدة في الدوحة اتفاقاً مع طالبان ينص على انسحاب جميع القوات الأجنبية بحلول الأول من أيار/مايو 2021 وفي الثامن من شهر أغسطس أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن انسحاب قواته سيُنجز في 31 من الشهر،  وفي اليوم التالي أعلنت طالبان أنها تسيطر على 85 بالمئة من الأراضي، وفي 15 من نفس الشهر دخلت طالبان إلى كابول من دون أن تواجه مقاومة ، هذه المفاوضات في الدوحة إن بدأت بين أعداء فقد تحولت لمفاوضات لتحقيق مصالح مشتركة بين حلفاء مستقبليين.

وبالتالي حتى نعرف ما يجري في كابل يجب معرفة ما جرى في الدوحة ومعرفة التحول في العقيدة العسكرية والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة والعالم وخصوصاً علاقاتها المتوترة مع روسيا والصين واستمرار الملف النووي الإيراني بدون حل، أيضا سياسة الحزب الديمقراطي الذي نظَّر ورعى سياسة الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع تأكيدنا بأن ما جرى في افغانستان وما تم التفاهم عليه في مفاوضات الدوحة سيبقى في جزء كبير منه سراً لعقود قادمة ولا يعرفه إلا حركة طالبان وقطر والقيادة العليا الأمريكية، لأن الدول لا تكشف او تفصح عن كل أوراقها واستراتيجياتها وخصوصاً بالنسبة لدولة كالولايات المتحدة الأمريكية وفي منطقة متخمة بالصراعات والنزاعات سواء من بقايا الحرب الباردة أو على الحدود والهيمنة و الاقتصاد الخ، إلا أنه يمكن فهم وتفسير ما يجري في افغانستان بربطه بالتحولات في الاستراتيجية الامريكية وعلاقة واشنطن بجماعات الإسلام السياسي المعتدلة وبالدول التي تدعم هذه الجماعات، أيضاً بأمور اقتصادية لها علاقة بالغاز والنفط وخطوط التجارة الدولية .

حركة طالبان التي تفاوضت معها واشنطن وتعاملت  هي ودول الغرب والشرق بهدوء وكأمر واقع مع انقلابها وسيطرتها المسلحة على سلطة منتخبة ولم تقطع علاقاتها معها أو حتى تدين سلوكها، هذه الحركة هي نفسها التي أقامت حكماً إسلامياً متشدداً ما بين 1996-2001  ومنعت تدريس الفتيات أو عمل المرأة ورفضت الديمقراطية والتعددية السياسية واعتمدت في تمويلها على تجارة المخدرات وتحالفت مع تنظيمي القاعدة وداعش الأمر الذي دفع مجلس الأمن لأن يصدر القرار  رقم 1333 في 19 كانون الأول / ديسمبر 2000، الذي دعا إلى حظر المساعدة العسكرية لطالبان وإغلاق معسكراتها، ووضع حد لتوفير ملاذ آمن للحركة، وتم تصنيف حركة طالبان كحركة إرهابية .

ما جرى في أفغانستان يستدعي التساؤلات والملاحظات التالية :

  • حركة طالبان تقاتل من أجل الوصول للسلطة منذ تأسيسها عام 1994 أي قبل الاحتلال الامريكي 2001، وهذا الأخير كان عابراً على سياق صراع في أفغانستان ممتد منذ الثورة الافغانية عام 1978، وبالتالي فإن حركة طالبان انتصرت في تحقيق اهدافها المسطرة منذ تأسيسها على يد الملا محمد عمر المجاهد.

  • أهداف حركة طالبان وكما اعلنت عنها عند التأسيس هي إقامة إمارة إسلامية والقضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي، كما ترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية لأنها “تمنح حق التشريع للشعب وليس لله”، ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة، وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية كما تعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة  وينتخبه أهل الحل والعقد.

  • ما يجري في افغانستان يؤشر على تحولات كبيرة في السياسات الدولية ويؤكد مجدداً لمن ما زال يثق بالغرب بأن سياسات الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة تقوم على المصالح فقط، وإن كل الحديث عن محاربة الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية مجرد شعارات.

  • تأكيد مقولة أنه لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل مصالح دائمة، وقد التقت المصلحة الامريكية مع مصلحة حركة طالبان الإسلامية.، وهذا سيفتح ملف العلاقات التاريخية بين جماعات الإسلام السياسي والغرب.

  • انتصرت حركة طالبان، ولكن هل انتصر الشعب الأفغاني وخصوصاً أن الأفغان جربوا حكم الطالبان؟ هذا الأمر سيتضح مع مرور الأيام، وهل إن الحركة ستجري انتخابات عامة او ستلتزم بمبادئها الاولى وتعيد انتاج النظام الذي اقامته ما بين 1996 و2001؟.

  • انتصار طالبان وإشادة جماعات الإسلام السياسي يطرح تساؤلات حول كل انتصارات الجماعات الإسلامية، وعلى مُن تنتصر؟ ولماذا تؤدي كل انتصاراتها إلى مزيد من الخراب والدمار في بلدانها؟.

  • إذا كان نصر حركة طالبان نصراً للإسلام ونظامها تطبيقا للشريعة الإسلامية فهذا يعني أن حركة طالبان تمثل الإسلام الحقيقي وأن الجماعات والدول الإسلامية الاخرى خارجة عن شرع الله، الأمر الذي سيشجع جماعات دينية أخرى على السير على نهج طالبان.

  • في كل انتصارات الجماعات الإسلامية على بعضها البعض أو على الدولة الوطنية ، سواء كانت انتصارات عسكرية او سياسية، تكون الولايات المتحدة حاضرة وشريكاً مباشر أو غير مباشر من خلال حلفائها في المنطقة.

  • طريقة تصرف إدارة بايدن الديمقراطية مع حركة طالبان يؤشر لعزم واشنطن استكمال سياسة (الفوضى الخلاقة) التي بدأت في العالم العربي وحققت انجازات كبيرة لصالح واشنطن وتل أبيب والغرب على حساب شعوب المنطقة ودولها الوطنية، وتمديد هذه السياسة ،التي كانت جماعات الإسلام السياسي أهم أدواتها، إلى بقية دول الشرق الاوسط ودول الجوار الأسيوية.

  • دور قطر في الملف الأفغاني ودورها في الملف الفلسطيني وخصوصاً مع حركة حماس وقطاع غزة وأدوار أخرى في النزاعات الإقليمية يؤشر لظهور شكل جديد من الوساطة ما بين دول وأنظمة من جانب وجماعات تُصنف بانها إرهابية او متطرفة او غير معترف بها دوليا من جانب آخر.

وأخيراً فأن مقياس الحكم إن كان ما جرى في أفغانستان وغيرها من الحروب التي طرفها جماعات إسلام سياسي انتصار أم لا، هو انعكاسه على حياة الناس وقدرته على تحقيق الأمن والاستقرار والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فالشعوب لا يهمها الشعارات التي ترفعها الأحزاب والجماعات المسلحة أو ما تحققه من انتصارات، بل أن تعيش بأمن وسلامة وكرامة، ومقياس الحكم إن انهزمت أمريكا أم لا هو مدى تضرر مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة والعالم.

 

كاتب وسياسي فلسطيني

Ibrahemibrach1@gmail.com

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *