التدريب والظروف الجديدة في مكان العمل

مع دخولنا العام الثاني من عصر فيروس كورونا، هناك الكثير من الأسئلة حول الاتجاه المستقبلي للتعلم والتطوير. إذ سيكون دعم أفكار مبادرات التدريب الجديدة في مكان العمل ضرورياً لنجاح المؤسسات التي لم يعد في إمكانها الاعتماد على التفاعلات وجهاً لوجه طوال الوقت لتطوير الموظفين، وفيما يلي بعض الاتجاهات والأفكار الحالية لإدارة ودعم هذه المبادرات.

Share your love

ويُشجِّع المسار الثالث -أي التعلم الاجتماعي- الموظفين على مراقبة عملية تطبيق السلوكات والكفاءات حتى يتمكنوا بعد ذلك من التكيف معها وتجسيدها، فعندما يُنظَّم بطريقة تُركِّز على القيم المرغوبة (تلك التي تتبناها المنظمة ومهمتها)، يُمكن للتعلُّم الاجتماعي أن يُعِّزز فهم وتبني هذه المُثُل العليا.

عرَّف اختصاصي علم النفس التنظيمي “كارل ويك” (Karl Weick)، في كتابه البارز “علم النفس الاجتماعي للتنظيم” (The Social Psychology of Organizing)، المنظمة بأنَّها نموذج ذهني مرن، وليست شيئاً ثابتاً ونهائياً، وفي هذا النموذج، تعيش المنظمة كبُنية اجتماعية تعتمد على خبرات الأعضاء مع إتاحة فرصة تطوير ما يعرفونه ويفهمونه باستمرار.

باستخدام هذا النموذج كأساس للتعلُّم الاجتماعي، يمكننا أن نرى أنَّه من خلال مراقبة ما يفعله الموظفون والقادة الآخرون وكيف يقودون، يصبح المتعلمون قادرين على فهْم عملهم وهدفهم؛ أي بعبارة أخرى، يراقب الموظفون أولاً كيف يسنُّ الأفراد السياسة والبروتوكولات والقرارات، ومن ثم يقلدون هذا السلوك أو يتبنونه مهما كانت النتيجة.

تأمَّل، على سبيل المثال، الاختلاف الشاسع بين القيم الأساسية السابقة لشركة أوبر (Uber) مثل “الجدارة والتدخل في خطط المنافسين والتفوق عليها” و”الحرص الدائم على العمل الدؤوب” ومعاييرها الثقافية المُنقَّحة، والتي تتضمن عبارات مثل: “نفعل الشيء الصحيح” و”نحترم الاختلافات”؛ حيث تُشير هذه القيم المُنقَّحة إلى التحول إلى واقع جديد بالنسبة إلى الموظفين.

إذاً، السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأولويات التي ترغب المنظمات في تعزيزها مع انتهاء حقبة الوباء؟ فقبل انتشار الفيروس، كان هناك شركات وقادة مثاليون سعى الآخرون إلى تقليد نماذجهم، لقد أثَّرت الحركات الاجتماعية وجهود مناهضة العنصرية في مكان العمل، وأثارت العديد من التساؤلات لدى قادة الأعمال.

تطور التعزيز الاجتماعي:

على مدى العقود العديدة الماضية، تطوَّرت القيم المجتمعية؛ حيث تغير نموذج “العامل المثالي” من شخص يدين بولائه إلى الشركة إلى شخص لديه مُثله الخاصة ويطبق قيادة أصيلة قائمة على القيم في جميع تفاعلاته.

تُدرك الشركات أصحاب المصلحة بخلاف المساهمين؛ حيث أصبحت تُدرك أنَّهم يقودون مؤسسات اجتماعية تتألف من بشر لديهم مصالحهم وقيمهم الخاصة، لقد خلق هذا التحول تركيزاً واتجاهاً جديدين للتدريب، موجَّهاً توجُّهاً أقل نحو التعلُّم عن ظهر قلب ومهارات محددة أكثر نحو بناء قاعدة واسعة من قدرات القوى العاملة.

تُشير العديد من المؤشرات إلى أنَّ توجهات التدريب في عام 2021 ستركز على إدارة الموظفين والعملاء في ظلِّ عالم سيستمر في العمل عن بُعد، بالإضافة إلى المهارات الناعمة المطلوبة لتنمية هذه العلاقات، يبدو أيضاً أنَّ التعلُّم والتطوير سوف يربطان العمل والثقافة بالاتجاهات الاجتماعية، فبدلاً من اقتصار التدريب على برامج مكثفة مرة واحدة في السنة، من المرجح أن تتطلب القوى العاملة عند الحاجة أيضاً فرصاً تعليمية مدمجة في عملها اليومي.

أزال الوباء أيضاً الحواجز بين المستهلكين والشركات، مما مكَّن مجموعة جديدة من الموظفين من التواصل مباشرة مع العملاء، وأصبح الارتقاء بالمهارات ضرورة حتمية؛ حيث أدرك المديرون أنَّ فرقهم مستعدة لمواجهة التحدي ولكنَّها لم تُزوَّد بعد بالموارد الكاملة للتنفيذ، وعلى الرغم من أنَّ تخطيط التعاقب الوظيفي كان موضوع نقاش في الماضي، إلا أنَّ الحاجة إلى إنشاء نظام قيادي يعمل على بناء قوة عاملة أكثر إنصافاً أمر واقع.

أحد الأدوار الذي يمكن أن تلعبه إدارة الموارد البشرية في أثناء العمل خلال عام 2021 هو ربط الموظفين بالقضايا الاجتماعية؛ إذ يجب أن تكون موضوعات مثل حماية حقوق الإنسان، والإشراف على البيئة، وحتى الإشراف على الشركات محط اهتمام كل شركة، بغض النظر عن حجمها.

كما ينبغي إدارة الأعمال كالمعتاد؛ وذلك لأنَّ الموظفين بحاجة إلى الشعور بأنَّهم يعملون لصالح شركة تمثل قيمهم؛ فانسحاب موظفي فيسبوك (Facebook) في العام الماضي كان مجرد مثال واحد على عدم التزام الشركة بفرض سياسات تتوافق مع قيم الموظفين.

وقد تؤثر الشركات التي لا تدمج الوعي الاجتماعي في عملياتها سلباً في علامتها التجارية الخارجية بين المستهلكين؛ حيث يشعر 53٪ منهم أنَّه يجب على الشركات أن تشارك في قضية اجتماعية واحدة على الأقل.

تحسين فرص التعلُّم الاجتماعي:

يتطلب توفير العديد من المنظمات مكان عمل افتراضي أو “هجين” – أي أسلوب العمل الذي يعمل وفقه قسم من الموظفين عن بُعد، بينما يعمل القسم الآخر في الشركة – طويل الأمد إلى أدوات جديدة للتعاون والإبداع، وأساليب التدريب، والتكيف الثقافي؛ حيث كشف التحول إلى البيئات الافتراضية نتيجة الوباء عما يعرفه الخبراء منذ فترة طويلة عن التنوع والمساواة بين الجنسين: يوفر مكان العمل الاجتماعي والتدريب العملي العلاقات والدعم الضروريين لمنظمة ديناميكية ومتنوعة.

قد يكون للجهود المتعمدة لتعزيز القيم التنظيمية في الفضاء الافتراضي تأثير كبير في تحسين فرص التدريب والتطوير المهني لجميع الموظفين؛ حيث إنَّ طوال العملية، يُشكِّل دعم القيادة وتوجيهها نموذجاً للموظفين ليتبعوه من خلال تفعيل القيم التنظيمية وتطويرها بواسطة مبادرات التدريب.

حدَّد عمل أستاذ الإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “إدغار شين” (Edgar Schein) على الثقافة التنظيمية أنَّ دعم القائد للمبادرات الثقافية يخلق بيئة تُشجِّع الموظف على دعم وتقدير تلك المبادرات وكيف أنَّها تدعم مهمة المنظمة وقيمها، وقد يساعد طرح الأسئلة لتحديد احتياجات الموظفين وأولوياتهم في ضمان إدراج وجهات نظر متنوعة في مبادرات التدريب وصنع القرار.

سيكون دعم أفكار مبادرات التدريب الجديدة في مكان العمل ضرورياً لنجاح المؤسسات التي لم يعد في إمكانها الاعتماد على التفاعلات وجهاً لوجه طوال الوقت لتطوير الموظفين أو التعبير عن القيم والأولويات التنظيمية، وفيما يلي بعض الاتجاهات والأفكار الحالية لإدارة ودعم هذه المبادرات:

1. إعطاء الأولوية للتعلُّم الاجتماعي:

خصِّص وقتاً لتنشيط تدريبك بإشارات التعلُّم الاجتماعي، ونظراً للتغيرات التي شهدناها خلال العام الماضي، أوقفت العديد من الشركات أو أخَّرت التدريب والتطوير المهني بشكل ملحوظ، وبرامج التأهيل الشاملة، والبرامج الأخرى اللازمة للحفاظ على استعداد الموظفين والمنظمة للنجاح؛ لقد حان الوقت لتشجيع التعلُّم والتطوير مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع الوعي بأولويات المجتمع.

2. تقييم التدريب السابق:

قيِّم التدريب السابق الذي نفذته مؤسستك تقييماً نقدياً من خلال طرح أسئلة تساعد مؤسستك على فهم ما كنت تحاول إيصاله، مثل: أهمية التدريب، والأشخاص الذين يحتاجون الى معلومات، والمكان والزمان المناسبين لإيصالها، وكيف ستوصلها؛ لذا تأكد أنَّ تدريبك وكيفية تطبيقه يتوافقان مع القيم التنظيمية ويُسهمان في بناء فرص شاملة ومنصفة لقوى عاملة متنوعة.

3. تدريب الفرق عن بُعد:

ضع في حسبانك تطوير التدريب عن بُعد وتقييم الفِرق لتحديد أولويات التدريب والتواصل وتكييفهما؛ إذ يتطلب مواءمة مكان العمل الذي يستخدم أساليب عديدة في التدريب توازناً في منهجياته، والاستفادة من المساحة الافتراضية لترابطها واستخدامها لتعزيز قواسم مشتركة بين الأهداف والمعلومات.

يخلق مكان العمل الجديد هذا فرصة رائعة للدخول في شراكة مع المنظمات التي تمثل وتؤيد وتزود الوعي بالموضوعات التي تهمُّك، في حين أنَّ مواقع هذه المنظمات قد لا تكون مناسبة للشراكة في الماضي، فأصبح في إمكاننا الآن تقديم برامج عن بُعد.

4. الاستفادة من الأحداث الأخرى:

يمكنك استخدام أحداث افتراضية أخرى، مثل الإدراك العام للأداء والعرض الدوري لإنجازات الشركة، لتثقيف القوى العاملة حول مكان وكيفية توافق المنظمة مع القضايا الاجتماعية، فإذا تحوَّلت المهام أو الرؤى أو القيم التنظيمية لتصبح أكثر شمولاً أو لتمثيل موقف الشركة تمثيلاً أفضل في قضية ما، فيمكنك أيضاً مشاركة هذه المعلومات لتثقيف الموظفين حول الأمور الهامة الآن وكيف ستؤثر في تقييم الأداء العام للموظفين والشركة.

أظهر لنا عمل “شين” (Schein) الثقافي أنَّه لا يجب على القادة فقط صياغة قيم مؤسستهم، ولكن أيضاً إعادة تنظيم العناصر التي تُضعف هذه المبادئ، وقد تشمل هذه العملية الإشارة إلى أمثلة إيجابية للثقافة التنظيمية في أثناء تصحيح أو حتى تأديب الموظفين الذين يغفلون عن مبادئ مكان العمل في بيئة تستخدم أساليب تدريب متعددة.

إنَّ الانفتاح على المبادرات الجديدة، بدءاً من الاهتمامات البيئية ووصولاً إلى مقترحات المساواة بين الجنسين، وبين كافة الأعراق، جزء من دور القائد التنظيمي، ويُعدُّ توفير الأدوات اللازمة لرفع مستوى القوى العاملة إلى مستويات جديدة من الوعي والعمل المجتمعي دوراً أساسياً لمبادرات التدريب والتطوير.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!