التصورات الجمالية والفلسفية في منحوتات المغربي عبد الحفيظ تاقرايت
[wpcc-script type=”264e576440ac006b9111d9b8-text/javascript”]

■ تنتصر المادة النحتية بأبهتها في منجز النحات عبد الحفيظ تاقرايت؛ إذ تتسم أعماله النحتية بقوة إيحائية، وتتنوع بين الأشكال النحتية التجريدية المستهدفة للحس، والأشكال المجسمة التي تستهدف صناعة المعنى الواقعي، وتستهدف كذلك الرؤية البصرية، لطرح المادة النحتية تحت سلطة التأمل، لما تتوفر عليه من غنى جمالي وشكلي، مليء بالإيحاء، يضمر الدلالات المختلفة والمغازي المتنوعة.
ولا شك في أن المبدع يسخر جهازا مضامينيا ينطلق منه لتوليد الأشكال النحتية المتنوعة، وفق رؤية جمالية متفردة، ووفق أبعاد فنية تخضع لتمثيل المجسمات من مواقع مختلفة، باحترام للمسافات النسبية، وبتوظيف قوي للرتق بين القطع في الشكل الواحد، وبتركيبة جمالية، وبتقنيات عالية تخول للمادة المنحوتة الثلاثية الأبعاد التمظهر بنعومة وجمال مبهج.
وإذا كانت منحوتات عبد الحفيظ تاقرايت، تستند إلى خشب الأشجار وجذوعها بانتقاء مدروس؛ فإن الطابع الفني يستحوذ على مجمل مجسداته بجماليات فاتنة، إذ يخضعها المبدع لغنى الأشكال الثلاثية الأبعاد ولثراء المادة التعبيرية، ما يمنحها وضعا يستدعي التفكير بقدر ما تثيره في الإحساس من معنى، جراء جمالية التكوين والصقل، وختم الملمس وقيم السطح، فتصبح منحوتاته لغة تجسيدية تنطق بالعديد من المفاهيم المختزلة في الضربات السّكّينية المثيرة، التي تشكل الحجوم الكبيرة في الفراغ، فينشئ أشكالا على قدر وافر من الحسن والبهاء، متصلة ومنفصلة، حابلة بالتأويلات القوية.

ولا شك في أن جماليات التكوين تأخذ حيزا في منجزات المبدع، وهي تَشي بما له من قدرة على الابتكار في الرتق الحسن، والتصويب الأمثل، والتقدير الأبلغ للمسافة، والطرق الدقيق، والتنسيق المركز، والتشذيب المحكم، والتهذيب والعناية بقيم السطح. وبذلك تشد أعماله البصر بحسن مَوضَعَتها وتركيبتها الجمالية التي توحي بالحركة، فالمبدع يستهدف مجموعة من القيم، بروح شفافة ترصد كل مقومات الوجود المترامي الأطراف، ما يجعل أعماله النحتية انعكاسا جماليا يختزل جملة من المعالم، ويُصوّر مجموعة من القيم الجمالية في الطبيعة الخشبية بتقنيات عالية، ويمثل أصنافا من حياة الأشجار التي تتحول إلى معنى إضافي، بانسيابية، وبنوع من الدقة الفنية، والموازنة الشكلية، لينتج قوة تعبيرية بصناعة شكلية ذات جزئيات فنية منزوية، في أشكال متنوعة ذات إيقاع واتزان؛ تُحرك الكتلة الخشبية من وضع ساكن إلى وضع متحرك، بشكل يمتح بعضا من الخيال، وبعضا من الواقع، فيجعل المادة ككل في طاقة حركية، تنتج دلالات متعددة. ولعل هذا البناء يبرز جانبا كبيرا من التفاعل الجدلي بين المكونات التحولية للخشب في مشاهد إمتاعية، قوامها التوظيف الإبداعي المتفرد، يعتمد تدفق الشكل المعاصر في حجوم كبيرة، ذات صياغات فنية متنوعة ومحاورات طليقة. إنه اكتشاف للبعد التقني والجمالي لدى الفنان عبد الحفيظ تاقرايت، الذي يغذي تجربته الغنية بوجود علائقي مكثف بالعناصر الفنية المتجددة، يكشف ذلك طرائق التوظيف، ومعالجات المادة الخشبية في نطاق مناورات جمالية ناطقة بأحاسيس إنسانية عميقة، وبتعبيرات قيمية محسوسة، تتحرك بثقل فني يوحي بمعاني تعبيرية، ويقرب القارئ أكثر من المادة التشكيلية النحتية.
وبذلك يتجه أسلوب المبدع عبد الحفيظ تاقرايت نحو مجموعة من المسالك التحاورية، والأدوات التحولية، والأشكال التعبيرية، والاستعمالات الشكلية المنسجمة، حيث يتوق إلى صنع مجال فني يستفز المكان والسكون، يقوم على أبعاد رؤيوية وتصورات جمالية وفلسفية، تدعم المجال التعبيري في النحت المعاصر. تؤكد ذلك إنشائياته النصبية ومجسماته الطبيعية، بأسلوبه التعبيري المتنوع المضامين، الذي يعكس بشكل جلي ثقافته الفنية والجمالية، وهو ما يخول له الارتقاء بالمادة النحتية عاليا، والابتكار فيها على نحو من الجدة والإبداع، خاصة أن المبدع يشتغل وفق طقوس ومفردات نحتية ذات مقومات فنية مبنية على أسس جمالية تفاعلية، فاصلة بين المادة النحتية المعاصرة في أبهتها، والرؤية البصرية للقارئ. إنه بذلك يثبت حضوره البهي في ساحة النحت المعاصر.
٭ كاتب مغربي
