‘);
}
الرثاء في الشعر الأندلسي
يعدّ الرثاء واحدًا من الأغراض الشعرية التي نالت حظًا وافرًا في شعر الشعراء على اختلاف العصور، وقد بدا واضحًا جدًا في العصر الأندلسي، ويقوم الشاعر فيه بكتابة قصيدة يتحدث فيها عن المتوفى من ذكر خصائصه ومحاسنه ومديحه وذكر مناقبه، وتخليد ذكراه، فهو أشبه ما يكون من التعزية أو التأبين، وندب للفقيد ولذويه.[١]
ولم يقتصر شعر الرثاء على الأشخاص فقط، بل تعدى ذلك إلى رثاء المدن والممالك، وغالبا ما يكون الشعر فيها أكثر عمقا وتركيزا من العاطفة، ويعبرون فيه عن الألم والبكاء والحسرة على الأمم التي ماتت.[١]
البداية والأنواع
بدأ شعر الرثاء في العصر الأندلسي كغيره من الأغراض الشعرية التي استدعت الحاجة إليه عند وفاة عزيز أو قريب، وقد اتبع الأندلسيون فيه أسلوب المشارقة في المعاني والبناء، وكانوا يبدأون مراثيهم بمقدمة تأملية يتحدثون فيها عن الحياة والموت.[٢]
‘);
}
ثم بعد ذلك ينتقلون إلى ذكر الميت وصفاته ومناقبه ومكارمه، وما يليق به من مكانة اجتماعية بين عائلته وقومه حسب منزلته التي كان عليها، ليصلوا بعد ذلك إلى التعزية التي تكون بالحث على الصبر والتحمل، ويختمون قصائدهم بالدعاء للميت والترحم عليه. وقد تنوعت أنواع الرثاء فمنها الرثاء الرسمي، ومنها رثاء الأهل والأقارب، ورثاء الغلمان، والرثاء المعنوي، ومنها رثاء المدن والممالك.[٣]
الرثاء الرسمي
أما عن الرثاء الرسمي فهو رثاء الخلفاء والأمراء وأصحاب السياسة في الدولة، ولكنه غالبا ما كان بتوجيه الخلفاء إلى الشعراء إذ كانوا يكلفون الشعراء برثاء آبائهم وأقاربهم، وعندها لم يكن هذا الرثاء نابعًا من العاطفة الحقيقية، وإنما بدافع الواجب، ويحرص فيه الشاعر على وصل المديح بالمدح، إذ لا بد له من مدح الخليفة اللاحق بعد رثاء الخليفة السابق، ومن الممكن أن يطغى المدح على الرثاء في هذه الحالة.[٤]
رثاء الأهل والأقارب
تميز أهل الرثاء والأقارب بالحسّ العاطفي الكبير، ويتميز بصدق العاطفة، والانفعال الشديد من شدة التحسر والتفجع، ومن أمثلة ذلك، رثاء أبو الوليد بن العفير الذي رثى أبناءه الذين اختطفهم الموت:
أودى ببعض ببني غائلة الردى
-
-
- ونأت ببعضهم على البلاد
-
ولا يقتصر هذا الرثاء على الأهل والأقارب فقط، بل تعداه إلى رثاء الأصدقاء من خلال التعبير الصادق والكبير عن رحيل الأصدقاء بما في ذلك عاطفة كبيرة ومعاني الحب والوفاء والإخلاص، وكيف أن الشاعر أصبح وحيدًا بعد فراق صديق، وقد عبر عن ذلك الشاعر ابن سهل في رثاء صديقه إذ قال:
أمسيت في الدنيا فريدًا بعده
-
-
- فكأنما إعمارها إقفار[٥]
-
إضافة إلى رثاء الزوجات، والجواري والذي كان واضحا في هذا الشعر.
رثاء الغلمان
ويشبه رثاء الغلمان رثاء الجواري، إذ يذكر الشاعر فيه محاسن غلامه، ويندب جماله ومحاسن أخلاقه وصفاته الجسدية وشبابه الضائع. وتجاوز الاندلسيون في رثائهم حتى وصلوا إلى رثاء العلماء، والحيوانات والدواب، والأثاث وغيره.[١]
رثاء المدن الأندلسية
ازدهر فن رثاء المدن الأندلسية بشكل كبير في الأندلس عن غيرها من المدن، ذلك أن الأندلس كانت تعاني من صراعات سياسية وتقلبات أكثر حدة وإيقاعًا، إضافة إلى طبيعة البيئة الأندلسية والطبيعة الخلابة التي لم يستطع الشعراء مفارقتها فجعلتهم يشعرون بانتمائهم الدائم لها، فكانت قريحتهم تجود بالوصف الذي يعبر عن انتمائهم الدائم لها.[١]
وعندما تعرضت الأندلس إلى السقوط في الممالك والمدن، هبّ الشعراء يجودون عليها بشعرهم يصفون ما حلّ بها، ومتألمين على ما آلت إليه المدن من ضياع ودمار، فهذا ابن خفاجة يصوّر ما آلت إليه بلنسية من خراب بعد دخول الإفرنجة قائلاً:
عاثت بساحتك العدا يا دار
-
-
- ومحا محاسنك البلا والنار
-
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها
-
-
- وتمخضت بخرابها الأديار[٦]
-
بنية قصيدة الرثاء
جاءت قصيدة الرثاء متبعة الأسلوب الشعري القديم من المطلع والمقدمة والمضمونوحسن التخلص والخاتمة، وقد أحسن الشعراء في ذلك، واتسمت القصيدة بالوحدة الموضوعية، وجاءت الألفاظ سهلة رشيقة متناسبة مع المعنى المطروحة والذي يكون أقرب إلى الناس عامة، ولاسيما في رثاء الأقارب.[١]
أما رثاء الملوك فكان متصلا بالمديح، وبالتالي اتسم بقوة الألفاظ وجزالتها. واستخدم الشعراء الأساليب البلاغية والإنشائية ولاسيما الاستفهام والنداء، إضافة إلى استخدام أسلوب التمني والحوار، والتكرار، والمبالغة، والتأثر بالموروث الديني والمشرقي، وأسلوب التضمين، واعتنوا بالصورة الفنية عناية عميقة كبيرة.[١]
المراجع
- ^أبتثجحياسمين صلاح (2-12-2021)، “الرثاء في الشعر الأندلسي”، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 2-2-2022. بتصرّف.
- ↑مهدي عواد الشموط، الرثاء في الشعر الأندلسي في عصري الموحدين والمرابطين، صفحة 200-219. بتصرّف.
- ↑فوزي عيسى، الشعر الأندلسي في عصر الموحدين، صفحة 168. بتصرّف.
- ↑الشعر الأندلسي في عصر الموحدين، فوزي عيسى، صفحة 170. بتصرّف.
- ↑فوزي عيسى، الشعر الأندلسي في عصر الموحدين، صفحة 171. بتصرّف.
- ↑مهدي عواد الشموط، الرثاء في الشعر الأندلسي في عصري المرابطين والموحدين، صفحة 170. بتصرّف.