الرسام الفرنسي بيير سولاج: لا أهتم بموتي طالما أن لوحاتي حية
[wpcc-script type=”07ff02244ab4b464226d7b6e-text/javascript”]

يعيش الفنان الفرنس بييير سولاج في منزله على ارتفاعات سييت (Sète) الذي يرجع تاريخه بنائه إلى عام 1960، القريب من المقبرة البحرية، حيث يستريح بول فاليري وجان فيلار. احتفل بمؤيته مؤخرا، يعتبر من أهم رسامي فرنسا المعاصرين. تم اكتشافه بعد الحرب على يد الفنان التشكيلي العالمي فرانسيس بيكابيا، وقد ظل دائمًا بعيدًا عن حركات المدارس التشكيلية المعاصرة أو القديمة. عرّفه بيير إنكريف، الناقد الفرنسي الذي توفي مؤخرا، المختص في أعماله بأنه يمثل «رسومات صبغية تتميز بتنوع لوني». بمعنى آخر، يمكنه أن يعكس كل الأنوار التي يتلقاها. مع العلم أن الكمية تغير الجودة، ما يفسر حجم اللوحات التي يصل عرضها إلى 5 أمتار. وقد قال الرسام غوغان بالمعنى نفسه: «كيلو من اللون الأخضر أكثر خضرة من مئة غرام من اللون الأخضر نفسه. في بعض الأحيان، أحتاج أو أرغب بمساحات كبيرة من الأسود بدلاً من الصغيرة. لا لأعبر، ولكن لكي أشعر بالشيء نفسه». يقام له معرض في متحف اللوفر في القاعة المربعة حاليا يمتد حتى مارس/آذار2020.
البداية
عندما كنت طفلا لطخت بخطوط سوداء صفحة من صفحات دفتري المدرسي. وحين سألتني أمي: «وماذا تمثل هذه الخطوط؟» أجبتها قائلا: «ثلج». وفيما راحت الأم تتامل في ذهول تلك الصورة (التي لا تشبه الثلج في شيء) راح سولاج يشرح لها بكلمات طفل سن العاشرة: «إن ابيض الصفحة يلمع بفعل اللون الأسود، الذي يحدث تأثير السطوع»، الكل ضحك عليّ، كانت أول صدمة جمالية في حياتي.
الرسم والريادة
لقد فعلت ما يهمني فقط، أنا لست غير حساس لما يحدث في الساحة الفنية. لكنني أفضل أن أثق بغريزتي، ما يحدث عندما تكون لديّ فرشاة في يدي، في النهاية، الأمر لم يكن كما كنت أتوقع…. بعض الناس يقولون إنني أحدثت ثورة في الرسم، لكنني لم أفكر في الأمر على هذا النحو: الثورة/ الاستمرارية… أفعل ما أعتقد أنني يجب أن أقوم به، وهو ما يناسبني تمامًا. وإذا كان هذا يتعارض مع بقية الآخرين… هذا ما هو عليه أنا الآن. أفكر دائمًا في ما سأفعله غدًا. وإذا كان لديّ أي نصيحة للأشخاص الذين يرغبون في التقدم في السن بقدر ما أفعل، فستكون لا تنقطعوا عن الشغل الذي تحبون.
ما وراء الأسود
خضع «لثورة» في نظرته الجمالية في عام 1979، في ليلة غريبة، بعد معاناة كبيرة. لم أستطيع إنجاز لوحة ناجحة. في غرفة النوم المجاورة لورشة الرسم، بعدما أخذته غفوة. في تلك الليلة وقعت له حادثة غريبة، يقول عنها «عندما استيقظت، اكتشفت بالدهشة أن حالات الضوء الأسود تعكس النور أو الضوء أو الضياء. وحينما انتقل بالغرفة من اليسار إلى اليمين، لاحظت تغيير التركيبة اللونية، فتبينت انعكاسات نحاسية أو زرقاء أو خضراء. كان هذا التنوع اللوني بمثابة كشف فني بالنسبة لي».
وهكذا تجلى ما أسميه، «ما وراء الأسود»، كما تعني كلمة «ما وارء البحار» من معنى أرض بعيدة. كان عليه تقديم عمل فني فلسفي قائم على فلسفة الأسود بعيدا عن الاتجاهات التشكيلية القديمة. من خلال الأدوات التي يصنعها بنفسه (مثل الفرشاة الكبيرة والمكانس الكبيرة)، لا يتوقف عن تجريب أعمال بحجم كبير، بألوان قشور الجوز والقطران، ملساء، متناصة، مخدوشة، أو غير متساوية على السطح، لالتقاط الضوء بشكل مختلف. بخلق السطور، يضيء النتوءات الداكنة، فيدخل إلى عالم من الثراء غير المحدد. وقع أعماله الفنية التجريدية يبدو أنها تنتمي إلى عالم صوفي، فلاسفة فرنسيون سألوه عن علاقته بالدين»، لا. كنت متحمساً للغاية عندما كنت طفلاً. أختي، أستاذة للفلسفة، كانت مؤمنة. ولكن كانت لديّ شكوك في عمر 12 و13 سنة. فكرت بنفسي، ما الغاية من فكرة الله؟ أعتقد إنها فكرة إنسانية، فريدة من نوعها بما نحن عليه! اكتشاف مجسم للغاية، ما يشبه مفهوم الاب، أو الرئيس، الذي يفعل كل شيء. هذا غير ممكن! الشيء الوحيد الذي أثق به هو أنني لا أعرف. الإيمان لم يمسني أو يغريني منذ ذلك الحين، لكنني ما زلت ثقافيًا مسيحيًا، وأنا معجب جدًا بجون دولاكروا الصوفي. كل الملحدين الذين قابلتهم بحياتي، يشاركونني، علاوة على ذلك، هذه الثقافة المسيحية».
الرجل هو الكائن الحي الوحيد الذي يرسم. تغني الطيور، يستلهم الموسيقيون أغانيهم منها، تظهر الحيوانات فرحتها بالإيماءات، وأحيانا حتى بالرقصات. يبلغ عمر كهوف «ألتاميرا» في إسبانيا في سانتيانا ديل مار بالقرب من سانتاندير (كانتابريا) 180 عامًا.
العمل بالضوء
المسألة هي الضوء. أنا لا أعمل مع الأسود. أنا أعمل مع الضوء. لا يوجد شيء أكثر ثراء من الضوء. إنه أغنى بكثير من الألوان، إنه عكس اللون الأحادي.. اللون الأسود هو اللون الوحيد الذي يتميز بغياب أضواء أخرى. الأبيض هو اجتماع جميع الأضواء، ولكن الأسود هو الغياب التام. الآن، أجد أنه من الممتع الإشارة إلى أنه منذ 340 قرنا، في كهف «شوفيت»، قبل 160، 180 قرناً في كهف «لاسكو»، لم يتوقف الرجال القدامى عن الرسم باللون الأسود، في أحلك الأماكن. نزلوا في الظلام الكامل للكهوف ليطلوا الجدران باللون الأسود. إنه لون ساحق، سبق الضوء.. فالعالم كان في ظلمة كثيفة قبل أن يظهر الضوء الذي أنار العالم، وظهرت معه الألوان الأخرى التي عرفها الإنسان. نحن في الأخير نأتي من الظلام، ألا نقول دوما للطفل المولود أنه قادم لنور الحياة.
الاختلاف
لقد كنت مهتما بأصول الرسم وأنا في سن 18 عامًا.. الرجل هو الكائن الحي الوحيد الذي يرسم. تغني الطيور، يستلهم الموسيقيون أغانيهم منها، تظهر الحيوانات فرحتها بالإيماءات، وأحيانا حتى بالرقصات. يبلغ عمر كهوف «ألتاميرا» في إسبانيا في سانتيانا ديل مار بالقرب من سانتاندير (كانتابريا) 180 عامًا. مع مغارات «شوفيت»، نصل الآن إلى 360 قرنا من التواجد، حتى لو عدنا إلى الإغريق القدامى، فإن الأمر لا يتجاوز 26 قرنًا.. كيف يمكننا أن نكتفي بتاريخنا القصير؟ نصبح ذرة في الكون مرة أخرى. كما قالها باسكال بالفعل.
علبة الألوان
لأنني أحببت هذه الألوان، التي لم تكن تكلف شيئًا على الإطلاق في السياق الاقتصادي الصعب بعد الحرب. كان النجارون الذين استخدموا قشور الجوز، يعدونه بأنفسهم. أحببت هذا السائل البني لأنه سمح لي بالشفافية والتعتيم، قشر لديه سيولة مثيرة للاهتمام، كانت له فوائد الرسم الزيتي نفسها. اللوحة التقليدية لم تهمني. أحب رسومات الكهوف، لقد شقت طريقها إلى أعماقي مبكرا.. كان استخدام قشر الجوز ثوريًا، ومباشرًا وفوريًا، ورسمًا متعمدًا. حلمت بعد ذلك بلوحات ما قبل التاريخ. اللوحات غير المقروءة، البدائية، كما هو الحال في كهف «بيش ميرل «Pech-Merle، الذي يشهد على براعة معينة، يشبه إلى حد ما اعمال الفنان ديفي. في الواقع، سمحت لي قشور الجوز بالتوجه نحو رغباتي الدفينة.
في عام 1979، وهو عام عيد ميلاده الستين، اخترع الفنان «ماوراء الأسود»، وهي تقنية جديدة تستند إلى الضوء، التي ظل مخلصًا لها لمدة 40 عامًا، والتي أثبتت له بشكل قاطع أنه مبدع كبير. تتم تغطية القماش لأول مرة بالكامل مع أسود أكريليك. فتصبح اللوحة متكونة من عدة أنسجة، ملساء، ليفية، هادئة، متوترة أو مضطربة، تلتقط النور أو ترفضه، فتولّد ألوانا سوداء رمادية أو عميقة. فتكشف لونها الأسود، مثل البحر يتغير لونه، من الرمادي الفاتح إلى الغامق جداً، اعتمادًا على الإضاءة الطبيعية. أكثر بكثير من مجرد اكتشاف. «هذا الضوء الآخر الذي يأتي من اللوحة نفسها، وهو متعدد، بلا حدود تقريبًا، يمس أحيانًا طبقات عميقة مما يعيش فينا، بدون علمنا به، هذا هو ما أسميه «ماوراء الأسود» بالمناسبة».
صدمة الضوء
محب للا منتهي، متحمس للثقوب السوداء، لديه أصدقاء فيزيائيون مشهورون، يقول: «إذا فكرنا في الكون، بما هو عليه، ندرك أن الضوء هو حادث. الفضاء مظلم، وكذلك ما قبل التاريخ مظلم. تقول اللوحات التي تعود إلى ما قبل التاريخ للكهوف أكثر عن الإنسان من اللوحات الحديثة. عصر النهضة لم يخترقني أبدًا. عندما رأيت تماثيل يونانية، وجدت أنها رائعة الدقة والمهنية، يا لها من جودة، لكنني، هؤلاء الرجال الأوائل الذين حاولوا بألم، وبصعوبة إعطاء حياة لوجه إنساني، أثاروني أكثر من فناني اليونان أجمعهم. أعود دائما إلى رسومات الكهوف عدة مرات، كما لو أنني أشعر بارتباط وثيق بهؤلاء الفنانين الأوائل، لما قبل التاريخ.. «لماذا كان هناك، منذ بدايات البشرية، كائن، ربما نوع من القردة العظيمة، التي رسمت أشكالًا على صخرة، سوداء في مكان آخر؟ هذا سؤال طرحته على نفسي وكنت صغيرا جدا».
النقد الفني
من يومنا هذا، كان الحكم القيمي على الرسم نفسه (هذا العنصر غير القابل للتكاثر) دائماً جزءاً مما يسمى «النقد الفني». أعتقد، أنه من العدل أن نقول إن الحكم على القيمة يقع خارج مجال النقد الفني بالكامل. ولا يمكن أن يرتبط الحكم على القيمة بعنصر اللوحة الذي لا يمكن استنساخه. الشيء الوحيد الذي يقر من طرف الجميع، المشاهد، وكذلك الناقد الفني، هو على وجه التحديد حقيقة الرسم «هنا يبدأ الشعر». يتوقف المشاهد، وتتوقف الانتقادات: يبدأ الشعر.
بعبارة أخرى، تنتهي الكلمات عندما يتم الإبلاغ عن رمزية التلقي.
اللوحة المفضلة
تلك التي سأرسمها غدا، لأن حقيقة العمل ليست في مادته، إنما في النظرة التي نلقيها عليه.
الرغبة:
الورشة جزء من منزلي. أنا أعيش مع اللوحة. أرسم بالرغبة، والرغبة لا تزال في دواخلي .
الاحتفال بالمئوية
لا أستطيع أن أقول إن هذا السن لم يغير شيئا في دواخلي. أشعر بالطريقة نفسها التي شعرت بها منذ عشر سنوات، وأنا مندهش لأن الكثير من الناس يعتبرون أن 100 عام مهمة للغاية.
٭ ناقد مغربي
