الرواية المسافرة.. تحدّث مباشرة مع كاتبك المفضل

في زمن جائحة كورونا وفي شهر رمضان الكريم، ينظم أدباء مغاربة مجالس ثقافية عبر الإنترنت لمناقشة أحد الكتاب والحديث عن طقوس الكتابة والحركة الأدبية واليوميات بعيداً عن الرسميات المعتادة.

الروائي المغربي أحمد اللويزي يرى أن كتّاب الروايات بحاجة إلى قراء فاعلين ونوعيين (الجزيرة)

عبد الغني بلوط-مراكش

في جو رمضاني غير مألوف زمن الحجر المنزلي، ينهمك أستاذ اللغة العربية خالد الخراز في إنهاء إعداد شريط تعريفي بروائي عربي ليقدمه ضمن حلقة جديدة من فقرة ثقافية افتراضية “كاتب يحضر بيننا”.

تقترب عقارب الساعة من العاشرة ليلا موعد اللقاء الذي يحمل الرقم 14، بينما يرسل عبر “الواتساب” إلى مجموعة تضم العشرات من محبي الأدب رسائل ترحيب استعدادا للقاء الروائي الجزائري المقيم في فرنسا واسيني الأعرج.

يقول خالد الخراز -أحد مسيري المجموعة الافتراضية إلى جانب ياسين كني وشكيب أريج- للجزيرة نت “في كل لقاء يميل الحديث إلى لغة البوح والمكاشفة، ويتم التطرق إلى طفولة المبدعين وعلاقتهم بالقراءة، وتجاربهم الإبداعية الأولى، وطقوس الكتابة وغير ذلك”.

روائي بيننا
يقود الخراز وزملاؤه من “عاشقي القراءة” منذ ثلاث سنوات، تجربة فريدة سموها “الرواية المسافرة” عبر مجموعة خاصة على موقع فيسبوك، هدفت إلى تقريب الرواية إلى قرائها بإرسالها عبر البريد لأعضاء المجموعة، للتعرف على روائيين وكتاب جدد واكتشاف إبداعاتهم.

وفي زمن كورونا، ومع توقف نشاطها اضطراريا، انتقلت المبادرة إلى شكل جديد من التواصل بين الروائيين وقرائهم، حيث يعقد لقاء على “الواتساب” يتم فيه طرح كل الأسئلة الممكنة.

ويؤكد أحد ضيوف المبادرة الأديب المغربي أحمد اللويزي للجزيرة نت أن “لحظة التواصل مع جمهور الرواية فسحة كريمة، وهدية شذّت بي عن لحظات الضغط القاسية والمملة التي ما فتئ يفرضها الحجر الصحي علينا”.

بداية
تبدأ الجلسة بتقديم شهادات حول الضيف، بأصوات شجية من القراء تغوص حينا في التجارب الإبداعية بكل مقوماتها الجمالية، وتذهب حينا آخر إلى النبش في الذكريات الجميلة أو المؤلمة للمبدعين الروائيين أو شخصياتهم.

من ينصت إلى تلك الشهادات التي يحررها نقاد أو روائيون شباب أو قراء عاديون، يكتشف ذلك الخيط الرفيع الذي يربط في خفاء بين كاتب مبدع وقارئ نهم يبحث عن تفاصيل مبدعة، ويسير النقاش إلى منتهاه في قضايا بحثية وأخرى أدبية.

يقول الروائي الشاب طارق بكاري للجزيرة نت “كانت الكثير من أسئلة القراء بالنسبة لي أجوبة، من خلالها لمست درجة تفاعلهم مع أعمالي، وتقييمهم لتجربتي الروائية، وقد ملأني تفاعلهم فخرا وبهجة”.

الأديب المغربي طارق بكاري اعتبر أن تجربة اللقاء الافتراضي تلغي الرسميات وتركز على المضمون (الجزيرة)

إدهاش
تتوالى الأسئلة وتتنوع، ويأتي الجواب وفق منطق التلقي بصوت قادم من ضفة أخرى منقول على أثير الافتراض، ليحصل الإدهاش بين السارد والمتلقي عبر الكلمة الصادقة النابعة من القلب.

يقول الأكاديمي والأديب الجزائري واسيني الأعرج إن “الجلسة اتسمت بالاحترام المتبادل وبسجال ثقافي عال، وامتدت حوالي ثلاث ساعات دون ملل ولا كلل”.

ويضيف مؤلف “طوق الياسمين” و”حكاية العربي الأخير” للجزيرة نت “كانت فرصة لطرح قضايا إبداعية مرة بنقاش ذي طابع مفاهيمي ونظري، أو بطابع أدبي وقرائي، إضافة إلى التيمات الكبرى لرواياتي المنشورة، والكتابة والآفاق المستقبلية”.

بدوره يبرز الروائي المغربي محمد النعمة بيروك أن “اللقاء جسر افتراضي يمنح الشعور بمجالسة الآخرين والتحدّث إليهم، والأجمل أنهم من طينتك، ومن صميم اهتمامك الأدبي، فهم نخبة من المثقفين المطّلعين على خبايا الأدب وقضاياه”.

حاجة
في كل بوح من هذا الطرف أو ذاك، يشعر المتتبع أن القارئ يحتاج إلى روائي يحمل همومه، يكشف خبايا مشاعره الإنسانية المتوازنة تارة والمتضاربة تارة أخرى، في حين ينتظر الروائي من القارئ التفاعل الواعي القادر على صياغة الأسئلة أكثر من البحث عن الأجوبة الجاهزة.

ويبرز الروائي أحمد اللويزي “قادني النقاش إلى التفكير في طريقة الإبداع الروائي، وما أحوج الكتّاب إلى قراء فاعلين ونوعيين”.

بل إن النقاش يتطرق إلى قضايا سياسية أساسية وحيوية تسكن القارئ كما المبدع. ويؤكد الروائي واسيني في هذا الصدد “أثيرت قضية العلاقة المغربية الجزائرية التي يفترض أن تكون مثل علاقة فرنسا وألمانيا، وتكون رأس القاطرة التي تقود إلى اتحاد مغاربي مأمول، في ظروف لا خيار إستراتيجيا لها غير ذلك”.

حجر منزلي
تشاء الصدف أن يكتب الشاعر والروائي المغربي محمد النعمة بيروك عن الحجر المنزلي قبل سنة من تفشي وباء كورونا في روايته “الأروقة السوداء”.

لم يكن سوى “حجر صحي” لطفل مصاب بداء القمر، و”حجر منزلي” تفرضه أمه على الجميع بتبريرات مختلفة، لكن من دهاء البعض أن ربط بين أحداث الرواية وما يجري الآن في العالم كله بسبب فيروس كورونا.

خلال اللقاء كان بيروك يجيب عن الأسئلة بكثير من العفوية، استطاع بها أن يفك عنه عزلة كورونية.

يقول هذا الأديب الصحراوي للجزيرة نت “في زمن الحجر الصحي، تشعر أنك تستضيف قراءك في بيتك وليس العكس، وقد تصبح هذه العزلة فرصة لإتمام مشاريع كتابية أو بدء أخرى، فالذاكرة المبدعة قادرة على استعمال الخيال لفعل ذلك”.

في روايته “النيل لا يضحك كثيرا” يتناول المغربي محمد النعمة بيروك قصة سفر طالب صحراوي إلى مصر (الجزيرة)


 

شغب
في ذلك السمر الليلي، لا ينتهي “شغب” القراء الجميل، تقابله مكاشفة لا تتوانى عن مزيد من البوح، ففي مرة يطلب من الأديب قراءة شعر أو قصة قصيرة، أو مقطعا مؤثرا من روايته، ويذهب البعض إلى السؤال عن طقوس الكتابة عند مبدع، ويوميات آخر في زمن كورونا.

يشرح الأديب بيروك بكثير من الفخر “من حميمية اللقاء أن بعض الأسئلة تجعلك فعلا تعيد النظر في ما تكتبه، أو توحي لك بتيمات جديدة، أو تلفت اهتمامك إلى جزئية ما فاتك أن تضمنها عملك”.

ويقول الأديب بكاري إن “تجربة اللقاء الافتراضي تلغي الرسميات التي تصاحب اللقاءات المباشرة، كما أن تركيز الضيف يكون على ما سيقوله فقط، ثم إنني شخصيا أديرُ حواراتي وفق منطق التلقي”.

رهان
في نهاية كل جلسة يقترح الضيف ضيفا جديدا يضيف إلى متعة مقتسمة دهشة جديدة، كما فعل واسيني نفسه حين أشار إلى الكاتب السوري نبيل سليمان، لتتخذ المبادرة أبعادا عربية أو أكثر من ذلك.

في جلسات ماضية، استقبلت المبادرة أيضا روائيين مغاربة مثل سلمى الغزاوي، وعبد الكريم الجويطي، وعبد المجيد سباطة، وعبد الكريم عباسي، ونبيلة عزوري.

يراهن الخراز وأصدقاؤه على تقوية فعل القراءة ورفع الوعي القرائي للرواية بواسطة نشاطهم في الفضاء الافتراضي، ويساهم ذلك -بحسب بكاري- في “تشبيب جمهور القراءة بالمغرب، والاحتفاء بالكاتب من خلال فتح نوافذ المحبة بينه وبين جمهوره”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *