القاهرة – ما بين شرم الشيخ والعقبة والنقب، كثفت مصر تحركاتها السياسية والدبلوماسية، في ظل ترتيبات إقليمية يراها البعض مناوئة لإيران، في حين يراها آخرون سعيا وراء مصالح مصرية متنوعة، كان آخرها محاولة إحياء مشروع الشام الجديد وذلك في قمة العقبة.
وكانت المملكة الأردنية قد استضافت الجمعة الماضية قمة رباعية جمعت قادة مصر والأردن والعراق والإمارات، جاءت في سياق تعزيز آليات التعاون في إطار ما يعرف بإحياء مشروع الشام الجديد.
والشام الجديد مشروع تحالف إقليمي ناشئ يجمع مصر والأردن والعراق، ويبدو وفق مراقبين أن له هدفا سياسيا يتمثل في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق، بترحيب من قادة عرب وواشنطن، من خلال تعزيز الروابط الاقتصادية وزيادة التعاون الأمني، وربط الدول الثلاث من خلال بنية تحتية واسعة النطاق للطاقة.
وفي حين فضلت البيانات الرسمية عن مخرجات قمة العقبة توصيفه باللقاء التشاوري وتبادل وجهات النظر دون الخوض في تفاصيله، أشارت صحيفة الأهرام المصرية الرسمية إلى أنه يمثل ترجمة لتفعيل المجلس التنسيقي المصري الأردني العراقي على مدى السنوات الثلاث الماضية، بينما أطلق عليه الشام الجديد أو المشرق الجديد.
وثمة خيط مشترك يربط بين اجتماعات التحالف الثلاثي الذي يضم للمرة الأولى الإمارات، والاجتماعات التي عقدت وتعقد هذه الأيام في المنطقة، حيث جاءت قبيل جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة تشمل إسرائيل والضفة الغربية والمغرب والجزائر.
كما جاءت قمة العقبة بعد أيام قليلة على لقاء ثلاثي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ.
وأول أمس الأحد وللمرة الأولى، استضافت إسرائيل في النقب وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، والتي وصفها مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي بأنها “قمة الأمل”، متوقعا تحولها إلى منتدى دائم مع الولايات المتحدة.
قمة العقبة والشام الجديد
وفق بيان للرئاسة المصرية، ناقش لقاء العقبة تعزيز علاقات التعاون المشترك بين الدول الأربع في المجالات التجارية والاقتصادية، إضافة إلى تبادل وجهات النظر فيما يتعلق بمواجهة تداعيات الظروف العالمية الحالية على قطاعات الأمن الغذائي والطاقة والتجارة، بما يحافظ على الاستقرار الإقليمي وأمن الطاقة.
بدورها، ذكرت صحيفة الأهرام، الأحد أن قمة العقبة تمثل ترجمة لمشروع الشام الجديد، الذي يستند إلى تفاهمات سياسية وأبعاد ومصالح اقتصادية، خاصة ملفات الطاقة والاستثمار، من خلال المزايا النسبية التي تتمتع بها كدول، والاستفادة من الإمكانات التي يعززها التواصل الجغرافي فيما بينها.
ولعل حضور كل من الإمارات والسعودية يعكس الحرص على توسيع آلية التشاور العربي وتفعيل آليات الشراكة الإستراتيجية المتعددة والحرص على ترتيب شؤون دول المنطقة من خلال دول المنطقة ذاتها وامتصاص أي ضغوط قد تمارسها القوى الدولية، وفق الافتتاحية الرسمية لصحيفة الأهرام الحكومية.
وفي السنوات الثلاث الأخيرة عقدت اجتماعات ثلاثية بين القاهرة وبغداد وعمان بهدف تنفيذ صفقات للبنية التحتية، وتوفير الطاقة وتعزيز العلاقات التجارية.
وتعود جذور المشروع إلى دراسة سابقة أعدها البنك الدولي في مارس/ آذار 2014، وطبقا للدراسة يشمل كلا من سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تركيا والعراق ومصر، لكنه بقي مجرد دراسة نظرية.
ومع بداية عام 2019 بدأ المشروع يتلمس طريقه إلى النور، بعد أن عقدت مصر والأردن والعراق عدة اجتماعات على مستوى القادة أو وزراء الخارجية لمجابهة تغير المناخ الجيوسياسي في المنطقة.
ويقوم المشروع على أساس التفاهمات الاقتصادية والسياسية بين البلدان الثلاثة، ويعمل هذا على استقطاب الاستثمارات إلى العراق، وتعزيز الربط الكهربائي وتبادل الطاقة، وربط شبكات نقل الغاز، وإتاحة منافذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة).
هل تحيي قمة العقبة مشروع الشام الجديد؟
وتعقيبا على هذا السؤال، أكد المحلل السياسي المصري مختار غباشي، نائب رئيس مركز الفارابي للدراسات، على أن القمة الرباعية بالعقبة جاءت بالتأكيد في إطار تعزيز مشروع الشام الجديد.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال غباشي إن هناك ولادة للمشروع الذي يضم مصر والأردن والعراق، مشيرا إلى أنه بدأ يأخذ طريقه عبر خطوات مضمونها تدشين طريق بري بين الدول الثلاث، وخط نفط يخرج من بغداد مرورًا بالعقبة وصولا إلى شبه جزيرة سيناء.
وأشار إلى أن المشروع يمثل أحد أشكال التكامل بين الثلاثي العربي، خصوصا فيما يتعلق بمشاريع الربط الكهربائي، وإنشاء منطقة جمركية خالصة بين العراق والأردن.
وحول أهداف الإمارات من المشاركة في المشروع وتداعيات انضمامها، أوضح المحلل السياسي المصري أن وجود أبو ظبي سيدفع إلى تفعيل وتقوية المشروع، خاصة من الجهة التمويلية لتحقيق أغراضه وأهدافه الاقتصادية.
وأضاف أنه لم يكن الغرض من المشروع في بدايته التحالف الثلاثي بين مصر والأردن والعراق فحسب، بل أن يشمل دولا عربية أخرى، منها لبنان وسوريا في مرحلة مقبلة، خاصة إذا استتبت الأوضاع واستعادت دمشق مقعدها في الجامعة العربية.
ورأى أن الإمارات تحبذ الانضمام للمشروع ونجاحه وضم حلفاء عرب آخرين، وهو ما تبين خلال لقاء الرئيس السوري بشار الأسد ومحمد بن زايد مؤخرا.
العقبة والترتيبات الإقليمية
وفي سياق الجولات واللقاءات المكوكية الأخيرة، توقع غباشي عدم ممانعة واشنطن لمشروع الشام الجديد، مشددا على أن الإدارة الأميركية تحبذ المشروع لأنها بشكل أو بآخر تريد سحب العراق من العباءة الإيرانية، وإن كان من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك على أرض الواقع.
كما استبعد المحلل السياسي المصري وجود علاقة بين القمة الرباعية في العقبة واللقاء الثلاثي الأخير في شرم الشيخ، أو القمة الوزارية التي تحتضنها إسرائيل وتجمع لأول مرة وزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين والولايات المتحدة.
وأوضح غباشي أن كل لقاء من هذه اللقاءات له غرض ما وله أبعاده المختلفة، لكن استدرك بالقول إن في النهاية إسرائيل تبقى طامعة في وجود ما وصفه بـ”ناتو عربي” لمواجهة إيران بتحريض دول خليجية، في ظل المخاوف المحتملة من تداعيات المفاوضات الغربية الراهنة مع طهران فيما يتعلق ببرنامجها النووي، مع تحفيز مصر والأردن وانضمام البلدين لهذا التحالف الأمني الموسع، بما قد يكتب نهاية وختاما للقضية الفلسطينية.
معادلة جديدة
بدوره، ذهب الأكاديمي العراقي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والأمن الدولي فراس إلياس، إلى القول إن مشروع الشام الجديد جاء ليعيد ترتيب المعادلة الإقليمية، عبر تحويل التشابك الإقليمي من بعده الأمني إلى بعد اقتصادي جديد، إلا أن الظروف التي جاء بوفقها المشروع في المرحلة الماضية ما زالت تفرض إيقاعها في الوقت الحاضر.
وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف إلياس أن نجاح قمة العقبة في إعادة إحياء المشروع لا يتوقف على ظروف القمة بحد ذاتها، وإنما على مدى نجاح رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته الكاظمي في العودة من جديد، كونه الراعي الرسمي للمشروع، ومن غير المتوقع أن يسير أي رئيس وزراء جديد على نهجه، نظرا للتعقيد السياسي الذي يعيشه العراق بعد نتائج الانتخابات.
وفيما يتعلق بالدور الإماراتي، رأى إلياس أن الإمارات تحاول إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية قبل وصول إيران إلى أي صفقة نووية مع الولايات المتحدة، وذلك عبر إشراك أكثر من قوة إقليمية في معادلتها الأمنية، إذ لا يقتصر الأمر على مصر والأردن والعراق، وإنما إسرائيل وتركيا أيضا.
وأضاف الأكاديمي العراقي أن ما حصل هو تحرك إماراتي وقائي قبل أن تكون المنطقة أمام استحقاقات سياسية وأمنية جديدة في غير مصلحتها، على حد قوله.
ولم يستبعد كذلك وجود خيط مشترك بين قمة العقبة والحراك الدبلوماسي المتزايد مؤخرا لمواجهة إيران، خاصة الاجتماع الوزاري السداسي الذي احتضنته إسرائيل في النقب.
وأوضح أن أحد أبرز المشتركات السياسية التي جمعت الدول المشاركة في قمة العقبة، هو التهديدات الإيرانية المتصاعدة في المنطقة، فهي تأتي مترافقة مع تصاعد الهجمات الحوثية على السعودية وقبلها الإمارات، كما أنها تأتي مترافقة مع إمكانية تحرك أميركي نحو رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية، وبالتالي فإن القمة تأتي في أحد جوانبها للتعامل مع الاستحقاقات الجديدة والمتوقعة.