الشاعر المغربي محمد عريج: القراءات المتصلبة لتراثنا الديني أهم بواعث الكتابة الروحية

يعد محمد عريج من أبرز الأصوات الشعرية الشبابية في المغرب العربي، شارك في عدة أمسيات شعرية ومهرجانات، وملتقيات ثقافية في المغرب وخارجه. كما حاز عددا من الجوائز والشهادات التقديرية في عدة محافل وطنية وعربية. صدر له ديوان «كنتُ معي»، وديوان «تركنا نوافذنا للطيور» الذي فازَ بجائزة أثير للشعر العربي. أيضا فازت مجموعته الشعرية المخصصة للأطفال […]

الشاعر المغربي محمد عريج: القراءات المتصلبة لتراثنا الديني أهم بواعث الكتابة الروحية

[wpcc-script type=”86dcd973b85a42f9569d9312-text/javascript”]

يعد محمد عريج من أبرز الأصوات الشعرية الشبابية في المغرب العربي، شارك في عدة أمسيات شعرية ومهرجانات، وملتقيات ثقافية في المغرب وخارجه. كما حاز عددا من الجوائز والشهادات التقديرية في عدة محافل وطنية وعربية. صدر له ديوان «كنتُ معي»، وديوان «تركنا نوافذنا للطيور» الذي فازَ بجائزة أثير للشعر العربي. أيضا فازت مجموعته الشعرية المخصصة للأطفال «في بيتنا غيمة» بجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها العشرين. التقته «القدس العربي» عقب حفل إعلان الفائزين بجائزة كتارا لشاعر الرسول في الدوحة:

■ ماذا يعني لك الفوزبجائزة شاعر الرسول؟
□ جائزة كتارا لشاعر الرسول ترفع أمام الشعراء تحديا كبيرا، كون أن شخصية النبي كانت موضوعا لقصائد لا حصر لها منذ حسان بن ثابت إلى اليوم. والدخول إلى هذه المنطقة يجعل الشاعر يشعر بثقل هذه القصائد على ذاكرته، إذ كيف يمكن أن ينسى كل ما قرأ ليكتب متخففا وحرا من شرك المعاني القديمة، ومنتصرا للحداثة التي يؤمن بها. هذا التحدي هو الذي يجعل للدخول إلى هذه المسابقة لذة الشعر الحقيقية، ولهذا كان نيل هذه الجائزة بالنسبة إليّ حدثا شعريا عاليا ينتصر للروحيّ والجماليّ معا دفعة واحدة في النص الذي أحلم بكتابته، ويحلم بكتابته كل الشعراء الذين شاركوا معي في هذه المسابقة، وقد قرأت من النصوص ما يؤكد لي عبر هذه الجائزة أن المديح النبويّ يمكن أن يجدد نفسه في كل مرة، مع تجدد أدوات الكتابة الشعرية، وأيضا مع تطور قراءة النص الديني والسيرة النبوية عبر القيم الكونية التي يتغنى بها العالم كله.
■ يُرجع بلقاسم بوعزاوي ازدهار المدائح النبوية في الشعر المغاربي إلى باعثين: ذاتي يتعلق بنفسية الشاعر ومحبته للمصطفى، وموضوعي يتجلى في عنصري الزمان والمكان بحكم بعد الشاعر المغربي عن الحرمين، ولهفته لزيارتهما، فمن أي الباعثين جاءت نصوصك في المديح النبوي؟
□ أعتقد أن هذين الباعثين يفسران تلك الحرارة الصادقة التي نلمسها في نصوص المديح النبوي التي كتبت هنا في المغرب الكبير، ولكن الآن يمكن أن نبحث عن بواعث جديدة مشتركة بين جميع الشعراء مهما كان موقعهم زمانيا ومكانيا من الرسول صلى الله عليه وسلم. وبالنظر إلى النص الذي حاولت أن أكتبه، تداعيت مع جوانب كثيرة من شخصية الرسول، حيث حاولت التعبير عن قدرته العظيمة في التأمل وقراءة الواقع من حوله، ونشر قيم التسامح والمحبة في العالم، وكيف استطاع أن يتغلغل في أعماق البسطاء من الناس مشكلا كل تلك الطاقة من الطمأنينة والسكينة. ثمة كثير من الورد دفن تحت الرمال، في قراءات متصلبة لتراثنا الديني، وأحد بواعث الكتابة في المديح النبوي الآن، أو التداعي مع شخصية الرسول شعرا، هو الحفر في أكوام الرمل تلك من أجل إيصال الهواء إلى شعب كامل من الورد مدفون تحتها.
■ بحكم دراستك وتدريسك للرياضيات، ما الذي تعلمته منها، وماذا أضافت لتجربتك كشاعر؟
□ الرياضيات ليست غريبة عن الشعر، بل هي وجه من وجوهه العديدة. ذلك أن عالم الرياضيات يقف أمام الكون محاولا تفسيره بلغة رياضية، والشاعر يقف الوقفة نفسها ليقدم تفسيره الشعريّ. الرياضيات تعلم خلق التوليفات والمعادلات للتوفيق بين العناصر، وتعطي قدرة عالية على التجريد، وطبعا هذه القدرة يمكن توظيفها شعريا. الشاعر أحيانا قد ينتج معنى مجردا ومتعاليا، ويبقى لديه الاختيار في أن يسقط هذا المعنى على الواقع بنفسه أو أن يترك هذه المهمة للنقاد.

إذا أردنا أن نحاكم العملية الإبداعية بمنطق السوق القائم على العرض والطلب، فيمكن أن نفهم انتقال مجموعة من الشعراء إلى الكتابة الروائية على هذا الأساس.

■ ما الذي يمكن أن تقدمه القصيدة الموزونة من إضافة أمام الاجتراحات المعاصرة في الإبداع الشعري؟
□ لا أتفق مع هذه الاتهامات التي توجه دائما للنص الموزون، والتشكيك في قدرته على مسايرة الاجتراحات المعاصرة في الإبداع الشعري. فبالنسبة إليّ يكفي إلقاء نظرة محايدة إلى المشهد الشعري برمته لنكتشف مدى قدرة القصائد الموزونة على خلق عوالم جديدة، وابتكار أدوات شعرية جديدة تلائم متطلبات القارئ الجديد. وشخصيا ما زلت أتساءل: ما الذي تحقق في النص غير الموزون وفشلت القصائد الموزونة في تحقيقه؟ أعتقد أن تبادل الاتهامات بين خياري الكتابة الشعرية المتاحين، لن يفيدنا كثيرا، فنحن مع روح الشعر الحقيقية أينما تجلت، سواء في نص موزون، أم في نص نثري. ومما يساء فهمه في النصوص الشعرية الموزونة، أن الموسيقى تعتبر من أدوات الشاعر التي يضعها أمامه حين يريد الكتابة. في حين أن الموسيقى أداة لا توضع على الطاولة لأنه متى كان استخدامها واعيا كانت بمثابة عبء على مستخدمها. الموسيقى تلتحم بشكل تلقائي مع الفكرة في رأس الشاعر، الذي يثبّت عينيه في عيني المعنى مباشرة كما يفعل شعراء قصيدة النثر تماما. وإذا كان من شيء عظيم تحققه قصيدة الوزن اليوم، فهو أن من أولوياتها أن تقنع قارئها بأنها لا وزن فيها، وأن تأخذ بكلتا يديه إلى الشعر الصافي الذي تعده به. أما الموسيقى فيتم تشغيلها في النص كخلفية بعيدة تتغلغل في الأعماق، بدون ان نشعر بوجودها.
■ وبم تفسر الانتقال نحو السرد في تجارب كثير من الشعراء وهل فكرت في كتابة الرواية؟
□ إذا أردنا أن نحاكم العملية الإبداعية بمنطق السوق القائم على العرض والطلب، فيمكن أن نفهم انتقال مجموعة من الشعراء إلى الكتابة الروائية على هذا الأساس. فمعظم القراء الآن يبحثون في المكتبات عن الرواية وليس عن الشعر، وبحكم أن الكاتب أيا كان نوعه يبحث عن مقروئية تضمن له استمرار جيناته الإبداعية في القراء، وخصوصا من يتحولون منهم إلى كتاب، فإن ذلك سيتحقق له أكثر عن طريق الرواية لا القصيدة. ازدهار السينما عالميا والمسلسلات خلق لنا قارئا يحقق وجوده ومتعته من خلال نوع خاص من الدراما لن يتحقق له إلا في الرواية، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها. ثم إن خاصية السرد هي طبيعة بشرية مشتركة، وعنصر يوظفه الشاعر في قصائده، فإذا فاض عن الحدود الممكنة للكتابة الشعرية أخذ الشاعر إلى كتابة السرد المحض وفق أدواته وشروطه. وبالنسبة إليّ لا أدري متى يستيقظ هذا الشعور بالرغبة في كتابة عمل روائي، فلحدود هذه اللحظة ما زلت مخلصا للشعر وحده.
■ يقال «إن من يكتب للطفل يجب أن يكون عايش الطفولة عن قرب، أي أن يكون مربيا» فهل تؤيد هذا القول من خلال تجربة كتابتك للأطفال؟
□ عندما أشاهد رجلا يلعب بصدق كبير مع طفل، أشك كثيرا في كونه يفعل ذلك فقط من أجل تسلية الطفل، بل إنني أذهب إلى الإيمان بأن هذا الرجل يتخذ الطفل ذريعة لتحصيل متعة شخصية له في اللعب، أو لنقل لإيقاظ الطفل النائم فيه بكل غرائزه التي يمنعه من إبدائها منطق الرزانة المفروض توفره في الكبار مجتمعيا. والكتابة للأطفال عندي تشبه هذه الحيلة تماما. إنه الانتصار للطفل داخلي الذي يحب اللعب تحت المطر والرقص في الوحل والفرح بكل الأشياء البسيطة الموجودة في العالم. ومن جهة أخرى هي دخول في حوار مباشر مع الأطفال باللغة التي يحبونها ويفهمونها، فليس من السهل أبدا أن تثير انتباه طفل نحو موضوع ما وهو المشغول باكتشاف كل المواضيع من حوله. وبهذا الشكل فالرغبة في الكتابة للأطفال ليس مأتاها من الدور التربوي الذي أقوم به كمدرس، بل من الرغبة القوية التي تخلقها الكتابة لدى كل شاعر، أن يفهم نفسه، واستعارة عيني طفل وقلبه لا شك أنها تضيء الكثير من الزوايا المعتمة في النفس.
■ كيف تقيم دور المؤسسات الثقافية المغربية من حيث الاهتمام بالشعراء الشباب؟
□ هذا جرح غائر لا أحب الخوض فيه كثيرا، لكن باختصار لا أعتقد أن مؤسساتنا الثقافية تهتم حقا بالشعراء الشباب كما يجب، ولا ألمس وجود مشاريع حقيقية في هذا الاتجاه. ولعل سبب شعوري هذا أن كل أصدقائي من الشعراء الشباب في المغرب لا يحظون بأي اهتمام من طرف هذه المؤسسات.
■ ما هي أهم التحديات التي تواجه الشاعر العربي الآن؟
□ في الزحام دائما تقف على أرض يملكها الكثير من الناس، وتضطر أن تسير في الوجهة نفسها وبالسرعة نفسها، وتكثر الاصطدامات والاحتكاكات، وهذا في حالة الشعر أسوأ ما يمكن أن يعاني منه شاعر يريد أن يكون له صوته الخاص ولغته الخاصة. على الشاعر دائما أن يقف من تجارب الآخرين بمسافة كافية تجعله يرى ظله كاملا وبوضوح، وتقيه من الألم الذي يسبب عبور الآخرين على هذا الظل. الطرق كثيرة. علينا فقط أن نعثر عليها. وفي ديواني الثاني «تركنا نوافذنا للطيور» ورد هذا المقطع الذي يلخص ما تحدثت عنه هنا:
«دائما أتخيل الشعر نهرا بعيدا
وسط غابة كثيفة ومتشابكة
الطرق السهلة مزدحمة بالخطى
ونحن الذين نختار هذه الطرق غالبا
نشرب من المنطقة نفسها من النهر
المنطقة التي هجرتها الأسماك
وامتلأت بالغرقى»

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *