الشخصية المتسلطة شخصية جامدة وباردة، تقودها الرغبة الدائمة نحو جعل الآخرين مسخرين لتحقيق أهدافها الذاتية و لا تعترف بالرأي الآخر وغير مستعدة بالأصل لسماعه أو لأخذه بعين الاعتبار. والشخص المتسلط هو الشخص الذي يريد تشكيل العالم على هواه وغير مستعد للتنازل عن أفكاره وآراءه حتى لو كانت غير متناسبة مع المنطق والواقع. يحبون دائماً أن تدور الأشياء في فلكهم ومستعدون لعمل أي شيء في سبيل أن تظل الأشياء تدور في فلكهم وتحت سيطرتهم. إنها شخصية تبدو باردة انفعالياً للخارج، لا تتأثر بالأشياء الخارجية إلا بمقدار ما تمسها ذاتياً.
ما هي سمات النمط التسلطي في التربية؟
يتصف النمط التسلطي في التربية أو أسلوب التربية المتسلط من خلال الإخضاع الدائم للآخرين و الأوامر الناهية والنقد غير البناء للآخرين والعتاب أو اللوم المستمر وعدم الاعتراف بإنجازات الآخرين والتقليل من قيمتها وتبخيسها. الأمر الذي يفقد الآخرين الثقة بأنفسهم وبما يستطيعون إنجازه، وقد يصل بهم الأمر إلى العجز المتعلم، أي يفقدون القدرة على المبادأة ويستسلمون ولا يعودون يقدمون الإنجازات والأفكار طالما أن نتيجة عملهم معروفة لهم مسبقاً، أي طالما يعرفون أن نتيجة عملهم لن تحقق لهم الاعتراف والنتيجة الاجتماعية والمادية المرغوبة.
كيف تؤثر على المحيطين (الأبناء)؟
الأسلوب التسلطي في التربية هو أسلوب قمعي وجامد، يفقد الأبناء القدرة على التفكير الحر وعلى اكتساب الخبرة الحياتية المهمة من أجل النمو، ويجعل الأبناء عاجزون عن تقرير ما يرونه مناسباً في الأوقات الحرجة لأنهم لم يتعلموا كيفية التعامل مع المشكلات الحياتية، إذ كان هناك دائماً من يقرر عنهم بغض النظر عن رغباتهم وإمكاناتهم وقدراتهم الذاتية. كما ويقود إلى نمو شخصيات باردة انفعالياً، لا تأخذ مصالح الآخرين بعين الاعتبار، وغير قادرة على فهم وجهات النظر الأخرى وعاجزة عن إدراك أن الحياة ليست سوداء دائماً ولا بيضاء دائماً وأن الناس ليسوا أشراراً بشكل مطلق ولا أخيار بشكل مطلق.
التربية المتسلطة تقود إلى فقدان الثقة بالنفس وتقود إلى الطاعة العمياء دون إعمال العقل بالتصرفات والخضوع الكامل والخوف الدائم والإحساس بالنقص والقصور والرعب تجاه كل ما يرمز للسلطة، وبالتالي يظل مثل هؤلاء الأشخاص عاجزون عن التعبير عن حاجاتهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة، ويتقبلون الرأي الصادر عن مصدر السلطة كالمدير في العمل مثلاً دون نقاش وبغض النظر عن منطقيته أم لا، ولكنهم في لا شعورهم يظلون كارهين للسلطة وكل ما يرمز لها. وعن هذا النمط من التربية يخرج التطرف بكافة أشكاله الديني منه أم السياسي والعنف كحل متطرف للمشكلات الحياتية، كنوع من الرفض العلني أو المغطى للقمع الأساسي في التربية.
ما الفرق بين الشخصية المتسلطة والشخصية القوية؟
الشخصية المتسلطة شخصية غير مرنة وضعيفة في أعماقها تتستر خلف جمودها وسلطويتها من أجل قمع الآخرين وعدم إظهار ضعفها، إنها شخصية عاجزة عن النقاش المرن والديمقراطي وعاجزة عن تقبل الآخرين وتقبل الحقائق كما هي. إنها تعيش في قوقعة تحمي نفسها منها. أما الشخصية القوية بالمعنى الذي نفهمه فليس لها علاقة بالشخصية المتسلطة. الشخصية القوية هي الشخصية الواثقة من نفسها وتتعامل مع الأحداث والناس بمرونة، قادرة على تقبل آراء الآخرين وطرح وجهة نظرها وتناقشها من حيث منطقيتها وفائدتها وقادرة على تقبل الآخرين حتى وإن كانوا مختلفين عنها، وتتقبل أن لكل إنسان طريق يختاره. الشخص الذي يتمتع بشخصية قوية قادر على قيادة الناس بالإقناع وليس بالقهر والقوة. الشخصية القوية ليست بحاجة لإخفاء ضعفها من خلال تسلطها. إنها تحترم إمكانات الآخرين وتفسح لهم المجال للإبداع والإنجاز وإن فشلوا فهي لا تبخسهم حقهم وإنما تحثهم وتشجعهم على الإنجاز والمحاولة مرة أخرى.
هل الشخصية المتسلطة شخصية مريضة تحتاج إلى علاج؟
الشخصية المتسلطة شخصية تحمل في خصائصها سمات مرضية، وعلاجها صعب لأن اضطرابات الشخصية بشكل عام عبارة عن اضطرابات لا يشعر بها صاحبها بأنها غريبة عنه، إنها جزء من سماته…جزء من أناه وبالتالي فإن العلاج لهذه الحالات مختلف عن علاج الأشكال الأخرى من الاضطرابات النفسية المعروفة.
ما هو دور الوراثة والمحيط في تكوينها؟
نمط الشخصية، أي شخصية، عبارة عن نمط مكتسب من خلال التربية، فالإنسان لا يولد متسلطاً أو ديموقراطياً أو متسامحاً. والشخصية المتسلطة شخصية تعرضت في طفولتها إلى تربية صارمة وقسرية ولم تتعلم في طفولتها النمط المتسامح والدافئ والمتعاطف من التربية، ربيت على الصرامة والقسوة والعنف.
سامـر جميـل رضـوان
أستاذ قسم الصحة النفسية- كلية التربية- جامعة دمشق