الشخوص والجمادات خارج حدود لوحات السوري وليد نظامي
[wpcc-script type=”15d8186432ef744a2ea877a4-text/javascript”]
لطالما كان الخيال الجامح زاداً لا ينضبُ للفنانين، والإبهار بالزَّخارف والمنمنمات واستخدام التَّفاصيل الملوّنة وسيلةً لكسر الجدار الزُّجاجي ما بين الحقيقة والفن، إلا ان الفنان السُّوري (وليد نظامي) استطاع بجرأته النّادرة ان يصوّر لنا من خلال رسومه ما يرى لا ما يجب ان يكون، فكما يرى الجَمال يرسمه ويمسك بيدنا لفنٍ صرف خالٍ من المجاملات اللونيّة والشكليّة والاجتماعيّة.
فعندما تتأمل عملاً من أعماله تشعر وكأنك تدخل لأحد أحلامه، فأحداث اللوحة تدور على سطح القمر تارةً وعلى طاولة الطعام تارة أخرى، عالمٌ مُصاغٌ من مفرداتٍ بسيطة من محيطنا اليومي يصّور عبرها تفاصيل حياتنا وصولاً إلى أكثر الأمور تعقيداً وتجريداً كالموت، يستطيع (وليد نظامي) بهدوء جَعل الحقيقة الرَّاسخة في خياله وخيال لوحاته تصفعُ الإنسان الكاذب في داخلنا.
بخطوط قاسية مغلقة ، ببدايات ونهايات واضحة- تحبس الشخوص والجمادات عن الهرب خارج حدود اللوحة – خطوط تشبه إلى حد ما رسوم الإنسان القديم على جدران الكهوف ، وبألوان قليلة لا تشكّل عبئا على رشاقة الخط الذي يحتاج عادةً إلى لون بسيط ومساحات واسعة بأقل قدرٍ من المحاكاة للواقع، ألوان تحمل شفافيّة عالية تجعل المواد في اللوحة حقيقية وواقعيّة تنطقُ بالحياة. من هذه العناصر يصنع (وليد نظامي) عالمه في محاولة منه لتعويض النقص الذي يحمله على حدّ قوله (في الرّسم أبحث عن الرّسم نفسه وربما عني أنا أيضاً، أنا كائنٌ ناقص وتلك الموهبة، التي تُدعى الرَّسم، هي ميّزة رُكِّبت لي على عجل بعد خلقي.. عليّ ان أبحث، عليّ ان أجد الخلل في كوني شخصاً ناقصاً). المرأةُ حاضرة في أغلب أعماله، ليستَ تعويذةً جماليّةً فقط، وليست آلهةً وليست أي شيء سوى كائن طبيعيّ يراه وليد نظامي بعينه من دون حشو وزخارف ودون ادعاء بالإحاطة بجوانبها كاملة. الايروتيك حاضرٌ معها في بعض أعماله وهذا النوع من الفن ينطوي عادةً على معان متعددة الأشكال، فهو يكشف الكثير عن حضارة عصره وثقافته وسيكولوجيته فقد يكون جميلاً أو عدوانياً، مهدِّئاً أو طيباً، جامحاً أو مجنوناً….. إلخ .
الإيروتيك عند الفنان نظامي نوعٌ من التّوْق الجارف للتّحرّر من ثقلِ المكبوت التّاريخيِّ الرّاسخ على فِكر المرأةِ والرّجل معًا، ورغبته بتسليط الضّوء على هذا الكبت واضحةٌ من خلال العبث بأحجام شخوص لوحاته بغيّة التَّركيز على غرائز معيّنة تحكمهم في علاقاتهم مع الجسد وهنا في الفن لا توجد حالة تصل إلى مرحلة الإشباع فنياً، فالاستسلامُ الكلّيُّ للجسدِ الشبقيِّ وفتنتِه وغوايتِه القاتلةِ، يُقدّم للفنّان والمجتمع كما يرى بعض النُّقاد قليلاً من الدّفء والاحتماء الوجوديّ، ويوفّر الأمان والإحساس بالحياة الحقيقيّة مصوّراً إياها بشخصيّات سويّة تعي واجباتها وحقوقَها في إعادة التّوازن للواقع بعيداً عن الفضيلة المزيَّفة ، في محاولةٍ للتخلص من شروط المجتمع بالإضافة إلى التّحرّر من بعض الشُّروط الفنيّة القاسية يلجأ (وليد نظامي) في معظم لوحاته إلى أسلوب (الكوميك ستوري) لإيصال أفكاره ورؤاه بشكلٍ بسيط وعميق في ان واحد.
خطوطٌ رشيقةٌ سوداء أو بيضاء لا مكان للحياد الرّمادي في خطوطه، ألوان متقشفة آتيةٌ من بيئةٍ صحراوية نشأ في أحضانها حيث الغبار يغطي كلَّ شيء، مساحات من الجرأة والتَّفاصيل اليوميّة وأحلام كثيرة تسكن لوحاته وتمنحنا عيناً جديدة نرى من خلالها الحياة كما يراها الفنان (وليد نظامي).
ناقدة سورية
بسمة شيخو