ولكنَّ السؤال الذي يجدر طرحه: هل من الممكن أن يؤدي هذا إلى تركيز اهتمامنا على التحديات وذلك على حساب التركيز على الجوانب الأكثر إيجابية في مجال الصحة والسبل التي من شأنها أن تؤدي إلى حياة سعيدة؟
لذا يجدر بنا أن نقف برهة لمناقشة الطريقة التي تستطيع بها الصحة العامة أن تحسِّن نقطة تركيزها لتوضيح الجانب الإيجابي من الصحة العامة، والذي يُعدُّ أصل عملها.
وقد لا يرى الناس هذه الإيجابية في بعض الأحيان؛ وذلك لأنَّه يُساء فهمها؛ إذ تسعى بعض الرسائل إلى كبح السلوكات التي قد تؤدي إلى المرض ومنع الأذى، وتتضمَّن هذه الرسائل بيانات تبدأ بعبارة: “ينبغي ألا تفعل كذا”؛ مثل: “ينبغي ألا تشرب الكحول وينبغي ألا تدخن أو ينبغي ألا تأكل حد التخمة”.
والمقصد من مثل هذه العبارات هو تقديم أنموذج للسلوك الذي يدعم حياة صحية طويلة؛ ومع ذلك فمن الممكن رؤيتها على أنَّها محظورات تمنع المتعة والبهجة والسرور والتي تُعد جوهر الحياة.
قد يرفض بعضهم هذه المسألة ويعدُّها مسألة ثانوية وهناك أولويات أكثر أهمية منها، ولكن قد تكون هناك مخاطرة عند استخدام النبرة الخاطئة بإبعاد الجمهور الذي من المفترض خدمته، وبذلك تضعف فاعلية الصحة العامة.
وبعد ما شهدناه خلال جائحة كورونا، فإنَّ التهديد الذي شكَّلته بيَّن أنَّ الناس كانوا يتقبَّلون رسائل الصحة العامة خلال العام المنصرم كما لم يحدث من قبل، ولكن حتى في ظل هذه الظروف فلا تزال هناك مقاومة للصحة العامة، وهذا يدل على أنَّها تُعد بالنسبة إلى بعضهم محاولةً للحد من الحريات والاستمتاع، حتى في خضم الجائحة، وأنَّه ينبغي مقاومتها.
وتكمن المفارقة في أنَّ الحد من الحريات والاستمتاع عكس ما تتطلع إليه الصحة العامة تماماً؛ حيث إنَّ المقصد الفعلي ضمانُ أن يعيش أكبر عدد ممكن من الناس حياة طويلة مفعمة بالحرية والأنشطة ومشاركتهم في تفاعلات تجلب السعادة لهم، ولكن لا يمكن عيش حياة كهذه إلا إذا كنا أصحَّاء، وذلك عبر الوقاية من المرض الذي يقف حائلاً بيننا وبين سعينا نحو حياة سعيدة.
إذاً هل هناك طريق أفضل يمكن للصحة العامة أن تسلكه؟ وهل يمكن أن تغيِّر صورتها، بحيث تتوافق مع مهمَّتها لتعزيز السعادة وتلبية الاحتياجات البشرية؟
بالطبع؛ وذلك عن طريق تبنِّي ثلاث أفكار:
الأولى: يمكن أن تقدِّم تعريفاً عن الصحة بحيث يكون إيجابياً بشكل أساسي؛ وهذا يعني توضيح فكرة أنَّ النصائح التي تقدِّمها الصحة العامة تهدف في جوهرها إلى الاستمتاع، وليس الحد منه.
ولتوضيح ذلك؛ يمكن أن نقارن بين النصائح التي تقدِّمها الصحة العامة وتلك التي تقدِّمها إشارات السلامة في المسابح: حيث تذكر الأخيرة عبارات مثل: “لا تشرب مياه المسبح” أو “لا تسبح بمفردك” أو “تجنَّب الغوص في الأماكن الضحلة”.
قد تكون هذه المحظورات ضرورية وواقعية إلا أنَّ طريقة عرضها على شكل سلسلة من التصريحات الصارمة؛ يجعل من السهل تجاهلها كما يفعل معظم الناس.
تخيَّل الفارق الذي يمكن أن يحدثه إدراج طلب ودي في قائمة المحظورات، والذي يمثِّل جوهر السبب وراء تجمُّع الناس في المقام الأول؟ كإضافة عبارة لطيفة مثل: “استمتع في الماء” دون إزالة أي من تحذيراتها الهامة الأخرى ومن ثم يمكن أن تؤدي إلى ضمان ملاحظة تلك العلامة والالتزام بالتحذيرات التي تصبُّ في النهاية في مصلحة جميع السباحين.
بوسعنا تعزيز الصحة العامة التي تشبه إلى حد كبير تلك العلامة، والمحافظة على الرسائل الأساسية التي تحاول إيصالها، ولكن مع إدراج عناصر إيجابية توضِّح السبب الجوهري لاهتمامنا بالصحة؛ وذلك لنعيش متعة أكبر في الحياة.
وهذا يؤدي إلى فكرة ثانية: يتعيَّن علينا أن نعزز الصحة ليس كغاية في حد ذاتها؛ إنَّما وسيلة لعيش حياة سعيدة، فعندما نتحدَّث عن الصحة على أنَّها وقاية من الأمراض فقط؛ فهذا يعني أنَّ المرض هو الأمر الذي يسيطر على أحاديثنا عن الصحة وعندما لا نعدُّ الصحة غاية بل نعدُّها خطوة ضرورية في الرحلة نحو عيش حياة كاملة؛ عندها يصبح الحديث حول الصحة يرتبط بجميع العوامل الإيجابية التي تثري هذه الحياة.
ومن شأن الحديث عن الصحة بهذه الطريقة أن يمثِّل خروجاً كبيراً عن الطريقة التي يناقش بها معظم الناس الصحة؛ وذلك لأنَّ استثماراتنا الكبيرة في الأطباء والأدوية في الولايات المتحدة تعكس القيمة الكبيرة التي نمنحها للصحة على أنَّها غاية في حد ذاتها حيث لا تُقدَّر بثمن.
إنَّ تغيير المسار يعني تحوُّلاً جوهرياً فيما نتحدَّث عنه عندما نتحدَّث عن الصحة وسيكون مفتاح إحداث هذا التغيير في سرد القصص كوسيلة لتوسيع نطاق مخيلتنا عن ماهية الصحة.
وقد يكون في كثير من الأحيان استخدام تشبيه الاستثمار في سيارة أمراً جيداً لتوضيح الفكرة، فتخيَّل شراء سيارة رائعة وإنفاق الكثير من المال في صيانتها وضمان أنَّها يمكن أن تعمل بسلاسة ثم الاحتفاظ بها إلى الأبد مركونة في المرآب.
وتعدُّ هذه السيارة مثل صحتنا حيث إنَّنا نسعى جاهدين إلى الحفاظ على السيارة في حالة جيدة، ولكن ننسى أنَّ الغرض من وجودها التنقُّل، ومن ثم فإنَّ الصحة العامة تهدف – إذا ما استخدمنا التشبيه ذاته – إلى الحفاظ على السيارة في حالة جيدة، وبناء طرق جيدة ومناظر جميلة في الوقت ذاته، وبذل كل ما في وسعها ليس للحصول على سيارة رائعة فحسب؛ إنَّما الاستمتاع برحلة جميلة أيضاً، وبذلك تكون هذه هي القصة الإيجابية التي يجب أن نرويها لكي نتعامل أفضل معاملة مع الجمهور.
شاهد بالفديو: 10 طرق لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/lI27-NfIrcY?rel=0&hd=0″]
وأخيراً، يمكننا أن نعيد النظر في طبيعة اللغة التي تعبِّر عن تدابير الصحة العامة لكي نركز أكثر على الجانب الإيجابي للصحة كوسيلة لعيش حياة طويلة وسعيدة.
وفيما يلي تصوُّر لمعنى مصطلح معدل السنة الحياتية للإعاقة (DALY)، وهو مصطلح شائع في مجال الصحة العامة، ويُعرَّف بأنَّه عدد السنوات الضائعة من العمر بسبب وجود شكل من أشكال المرض أو الإصابة، والسنوات التي قضاها المرء في العيش مصاباً بإعاقة أو تدهور صحته نتيجة لهذه الظروف.
كما يعدُّ أداةً قويةً لحساب آثار مختلف التحديات الصحية، إلا أنَّ تركيزه ينصب أيضاً على المرض الذي نهدف إلى الوقاية منه على حساب البهجة والمتعة التي نأمل إتاحتها؛ وثمة نقطة مقابلة مفيدة تتمثَّل في قياس عدد السنوات المحتملة المكتسبة من العمر، وعدد السنوات التي تقضيها في أوج صحتك نتيجة الالتزام بتعليمات الصحة العامة.
وهذا يمكن أن يحوِّل اهتمامنا من التركيز على الموت والمرض إلى التركيز أيضاً على الجوانب الإيجابية للحياة التي نأمل أن ندعمها من خلال عملنا.
تخاطِر الصحة العامة، عندما تركِّز على الوقاية من الأمراض، بدلاً من تعزيز المتعة والبهجة، بأن يقتنع الناس بأنَّها تسعى إلى حرمانهم من الأنشطة التي تجلب المتعة والمرح.
وفي مجال الوقاية من الأمراض، ينبغي ألا يغيب عن بالنا حقيقة أنَّ المتعة من حق كل شخص، وينبغي أن يكون الاحتفال بالمتعة في صميم عمل الصحة العامة، وهذا التركيز الإيجابي ضروري للتفاعل بفاعلية أكبر مع الناس الذين تخدمهم.
من خلال الموازنة بين تركيز الصحة العامة على منع الأمراض والتركيز على تعزيز مشاعر البهجة، يمكنها أن تصبح أفضل في القيام بكليهما معاً، حتى تتمكَّن من اتخاذ التدابير المناسبة لتحقيق هدف دعم الصحة.
المصدر