الكذب

فيمكن أن يكون دافع الكذب هو النجاة سواء من العقاب أو من آثار قول أو إظهار الحقيقة.

والخداع أو التمويه هو شكل من الكذب وهو موجود عند الكثير من الكائنات الحية . ونحن نشاهد أمثلة كثيرة في عالم الكائنات الحية يستعمل فيها التمويه والتخفي وإعطاء دلالات غير صحيحة . فهو ليس خاص بالإنسان فقط . وكل أشكال التمويه والتخفي التي تمارسها الكائنات الحية , إن كانت حشرات أو حيوانات , من أجل حماية نفسها أو من أجل تحقيق دوافع ذاتية معينة مثل الصيد والافتراس هي شكل من الكذب , فهي تعطي دلالات أو معلومات غير صحيحة أو تخفي معلومات .
أما الكذب المتطور والذي يشمل الكثير من أشكال الكذب , فهو موجود لدى الإنسان . وهذا الكذب يعتمد بشكل أساسي ذكاء ومعارف الإنسان وذاكرته , وعلى اللغة المتطورة التي يملكها الإنسان فقط .
إن الجاسوسية والخداع في الصراعات والحروب هو نوع من الكذب , وفي السياسة الكذب كثيراً ما يكون مباح .
والأساطير والأديان القديمة غالباً ما تكون شكل من الكذب على النفس .
وعندما يضحك الإنسان على سقوطه أو فشله , يكون في هذا يكذب على نفسه عندما يضحك , لأن الضحك في أساسه يحدث عندما يفوز أو ينتصر الإنسان , وبضحك الإنسان على فشله أو سقوطه كأنما هو يكذب على نفسه ويعتبر نفسه ناجح , وهذا لكي يتكيف مع الفشل والهزيمة الذي يولد الإحباط واليأس ويلغي تأثيراتهم .
فالكذب له أسبابه وموجباته , أي أن الإنسان يكذب لسبب معين أو دافع معين , وهذا متعلق بصفات وخصائص هذا الإنسان , فللرجال دوافعهم للكذب وللنساء دوافعهم للكذب والتي هي في كثير من الأحيان مختلفة عن دوافع الرجال , والصغار غالباً ما يكذبون لأن لهم أسباب كثيرة تدفعهم للكذب .
وأهم العوامل و الأسباب التي تدفع الفرد إلى الكذب .
الخوف والحسد والانتقام والحقد وحب الاستطلاع والتخيل والأنانية والميول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمباهاة والغرور والخجل ، والضعف والعجز ، والشعور بالحقارة والرغبة في استعطاف الآخرين وجلب أنظارهم ، والمبالغة ، وسعة الآمال . .
 1 ـ الخوف من العقوبة : وهو من الدوافع التي تضطر الفرد إلى الكذب خوفاً من العقوبة ، وان هو صدق في قوله فلن يأمن المجازاة مما اقترف . فيضطر إلى الكذب للتملص من العقوبة والإفلات من قبضة المجازاة .
2 ـ كثرة الضغوط : قد يلجأ الفرد إلى الكذب في بعض الموارد حينما يشعر أن الصدق يجلب عليه الضغوط ؛ و يعمد إلى إخفاء الحقيقة أو تبديلها
3 ـ الضعف والعجز : فيضطر الفرد حينها إلى اختلاق الأعذار والأكاذيب كأن يدعي عدم وجود الوقت الكافي لديه أو انه لا يجيد إنجاز هذا العمل ، أو يتمارض ويتظاهر بالعجز وأمثال ذلك من الذرائع .
4ـ الحسد والتنافس : تنشأ بعض أكاذيب من الحسد والتنافس , فإذا لم تكن للفرد المواصفات الكافية في العمل ، أو فشل في مجاراة أقرانه في المنافسة فسيجد نفسه حينذاك مضطراً لانتهاج مسلك الكذب والتصنع .
 5 ـ لفت الأنظار : حينما يشعر الفرد بأنه وجود منسي ولا حساب له ، ويتصور أن لا مكانة له ولا وجود يستحق الاعتبار بين هذه الجماعة ، فيبادر إلى الحديث عن مسألة لا وجود لها في الواقع ويضفي عليها ألواناً براقة من التهويل والتعظيم من اجل جلب انتباههم ولفت أنظارهم
6 ـ الغرور والمباهاة : تظهر بعض التحقيقات بأن أكثر من 15 % من أنواع الكذب منشؤها المباهاة وصيانة الغرور . فيتحدث الفرد كذباً أمام الآخرين عن شخصيته والمنزلة الاجتماعية لعائلته ، وما تحظى به من الأهمية ، وذلك من اجل أن لا يستهين به الآخرون ، أو يقللون من شأنه ، فيقول إن أباه يحتل منصباً رفيعاً , هادفاً من كل ذلك إلى مكانته والاستحواذ على اهتمام الآخرين وإشباع أهوائه النفسية .
7 ـ التستر على الخطأ : حينما الفرد يقع في أي خطأ أو منزلق يشعر بأنه سيتعرض للمهانة الاجتماعية بسبب الطعن والتوبيخ الذي سيلقاه على أيدي الآخرين . فيبادر إلى معالجة الموقف بالكذب في سبيل التغطية على خطئه . ولأجل الإفلات مما قد يتعرض له من استهزاء واحتقار .
 8 ـ الآمال والأماني :وقد تعكس أكاذيب الفرد أحياناً ما يدور في مخيلته من آمال وأمنيات ، فيتحدث عن هذه الأمنية أحياناً وكأنها واقع قائم .
9 ـ الانتقام : ويمثل الكذب في بعض المواقف نوعاً من الانتقام .
و يختلف الناس عن بعضهم في قدراتهم على الكذب . والكذب ليس سهلاً إذا أريد له أن لا يظهر أنه كذب , فحبل الكذب قصير كما يقولون .
فلكي يكذب الإنسان يحتاج لقدرات ذهنية ( تفكير جيد وذاكرة قوية ومنطق متطور وخيال واسع وتبريرات جاهزة . .) وقدرات نفسية وانفعالية , مثل التحكم بمشاعره و تعابير وجهه وتصرفاته وتكييفها حسب الوضع الذي يخلقه عندما يكذب . وهذه القدرات اللازمة للكذب يجب أن ترافقها استعداد الشخص أخلاقياً وتربوياً للكذب .
وبشكل عام الضعيف والذي قدراته محدودة يكون لديه دوافع أكثر للكذب , بعكس القوي والذي يملك الكثير من القدرات تكون دوافعه للكذب أقل , وهذا ليس صحيح دوماً .
والكذب صفة لدى غالبية الأطفال , وإن كانت طبيعية في صغار السن نتيجة الغموض القائم في ذهنه وعدم التمييز بين الحقيقة والخيال .
وفي كيفية تطور الكذب عند الطفل يقول الخبراء: في عمر الثلاث أو أربع سنوات، يكتشف الولد أن هناك خياراً جديداً في الحياة ، وهو أنه يستطيع أن لا يقول كل شيء! بعدها يكتشف أنه بإمكانه أن يقول أشياء غير موجودة (مثل اختراع القصة).
إن الانتقال من الاكتشاف الأول إلى الاكتشاف الثاني مرتبط بشكل وثيق جداً بتطور النطق ، فالكذب عند الطفل هو تأكيد له أن عالمه الخيالي الداخلي يبقى له هو وملكه الشخصي ، من هنا تأتي رغبته بأن لا يقول كل شيء وأن يخفي بعض الأشياء عن الآخرين . وبما أن الطفل في هذه المرحلة، لا يملك القدرة الذهنية لتمييز العالم الحقيقي من العالم الخيالي ، آخذين بعين الاعتبار النمط السريع لتطور النطق المرافق لهذه المرحلة ، نفهم لماذا يستمتع الطفل باختراع وتأليف القصص أمام الآخرين.
لكن في عمر الست والسبع سنوات ، يبدأ الولد بالتمييز بوضوح بين الصح والخطأ في محيطه ، وهذا أمر طبيعي في مجرى التطور الأخلاقي عند الإنسان ، ففي مثل هذا العمر تترسخ الأخلاق والقيم الاجتماعية الصالحة بشكل وطيد ، وهكذا يتعلم الطفل من ناحية أن قول الحقيقة شيء مرغوب فيه اجتماعياً ، ومن ناحية أخرى يتعلم أن الكذب قد يساعده في الدفاع عن نفسه في ظروف معينة.
والطفل يتعلم الصدق من المحيطين به إذا كانوا يراعون الصدق في أقوالهم وأعمالهم ووعودهم ، والطفل الذي يعيش في بيت يكثر فيه الكذب لا شك أنه يتعلمه بسهولة ، خصوصًا إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية واللباقة وخصوبة الخيال ؛ لأن الطفل يقلد من حوله ، فيتعود منذ طفولته علي الكذب.
والكذب سلوك مكتسب، وليس سلوكًا موروثًا ، وهو عند الأطفال أنواع مختلفة تختلف باختلاف الأسباب الدافعة إليه، ومن هذه الأنواع:
أشكال الكذب لدى الأطفال:
1-كذب التقليد: يقوم الطفل بملاحظة وتقليد سلوك الوالدين أو المحيطين به..
2-كذب اللذة: يمارسه الطفل لتأكيد قدراته على الإيقاع بالآخرين والنيل منهم وهو شبيه بالكذب العدواني..
3-الكذب الكيدي: يلجأ إليه الطفل لمضايقة من حوله نتيجة مشاعر الغيرة أو إحساسه بالظلم والتفرقة..
4-الكذب العدواني السلبي: يتبنى الطفل أعذارا غير حقيقية أو مبالغا فيها ليواصل سلبيته عندما يطلب منه عمل ما..
5-كذب التفاخر: يلجأ الطفل لتعويض النقص الذي يشعر فيه بتضخيم ذاته ومكانته الاجتماعية وممتلكاته بين الآخرين..
6-الكذب الادعائي (المرضي): ادعاء الطفل بأنه مضطهد أو محروم أو يعاني من المرض بهدف الحصول على الرعاية والاهتمام والعطف..
7-كذب الانتباه: يلجأ إليه الطفل عندما يفقد اهتمام من حوله رغم سلوكياته الصادقة من اجل نيل الاهتمام والانتباه..
8-الكذب الخيالي: سعة خيال الطفل تدفعه لتحقيق مشاعر النجاح وتحقيق الذات من خلال أوهام ورغبات غير واقعية . فالطفل الصغير لا يميز بين الحقيقة والخيال، ومن هنا فإن كلامه يكون قريبًا من اللعب، فيتحدث وكأنه يلعب ويتسلى، ويكون حديثه نوعًا من التعبير عن أحلام طفولته أو ما يطلق عليه (أحلام اليقظة) التي تعبر عن رغباته وأمنياته التي يصعب التعبير عنها في الواقع.
وهذا النوع من الخيال لا يعتبر كذبًا، ولا ينذر بانحراف سلوكي أو اضطراب نفسي ، وقد يلفق طفل عمره أربع سنوات قصة خيالية، حيث تختلط الأفكار عنده فلا يفرق بين الصواب والخطأ، أو الحقيقة والخيال.. هذه القصة يجب ألا ينظر إليها علي أنها كذب مما نتعارف عليه، حيث إن خياله قادر علي أن يجعل من الأوهام حقيقة واقعة .
9-الكذب الدفاعي: يتخلص الطفل من الموقف عن طريق نسبه الى الآخرين ويعد من أكثر أنواع الكذب شيوعا بين الأطفال..
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر ما يدفع الطفل إلى الاستمرار في الكذب هو شعوره بنفعه.
 
وفي عالم الكبار إذا أردنا معرفة من يكذب أكثر النساء أم الرجال فيجب علينا أن نراعي كل ما ذكرنا . فطبيعة الشخص إن كان ذكر أم أنثى , من ناحية تقبله تربوياً وأخلاقياً للقيام بالكذب لها دور كبير . ومقدار دوافعه الكذب لها دورها . وقدراته ومهاراته بالكذب ومقدار نجاحه في الكذب لها دورها , فالذي يكذب ويظهر كذبه في كل مرة أي يفشل في الكذب سوف يقل مقدار كذبه , بعكس الذي ينجح في الكذب وهذا يجعله يزيد من استعمال الكذب .
فإذا راعينا كل هذه العوامل ( بشكل عام ) نرى أن النساء أكثر ميلاً واستعداداً للكذب من الرجال .
 
في أي الأوضاع يكون الكذب فيها ضار وغير مفيد
إن هذه الأوضاع تظهر عندما عاشت الكائنات الحية جماعات وصارت تتواصل مع بعضها وتتناقل المعلومات . فهذا يستدعي عدم الكذب في نقل الدلالات أو المعلومات .
فعندما ينذر أحد الكائنات الحية رفاقه بخطر وشيك أو يعلم رفاقه عن مكان طعام أو ماء , أو يعلم صغير أمه عن مكانه . . , في هذه الأوضاع نجد كافة الكائنات الحية لا تكذب بتاتاً . فالنحلة التي تدل رفاقها بالخلية بالرقص عن مكان وكمية الغذاء الذي وجدته لا تكذب فهي تعطي دلالات صحيحة .
وبالنسبة لنا نحن البشر وبما أننا نعيش حياة اجتماعية متطورة جداً , نجد أن هناك كثير من الأوضاع التي يكون الكذب فيها ضار للجماعة مع أنه يمكن أن يكون مفيداً للفرد أو لمجموعة صغيرة .
وكافة المجتمعات تدعوا للصدق في تناقل المعلومات فيما بينها و تحارب الكذب . فالكذب في هذه الحالة يعقد ويصعب معرفة حقيقة الأوضاع .
والكذب يؤدي إلى عدم الثقة لضياع الحقيقة , فالثقة بأن ليس هناك كذب ضرورية جداً في كافة العلاقات البشرية إن كانت تجارية أو اجتماعية أو صناعية . . . 
وفي المعارف العلمية يجب أن لا يحدث الكذب أبداً فهذا له نتائج سيئة جداً , ومع هذا شاهدنا بعض الحالات التي كان بعض العلماء يكذبوا فيها , وقد أحدث هذا تأثير سلبي كبير على مصداقية العلم والمعارف العلمية .
 
والسؤال المهم هو: كيف نفرق بين المواقف التي يُعد فيها الكذب مرفوضا وذلك النوع من الكذب المسموح به شرعا أو المقبول اجتماعياً ؟
وهو سؤال كبير ، لكن بما أن التساؤلات مشروعة والإجابات مفتوحة ، أي لا نهاية للسؤال ولا للجواب في عالم متغير سريع .
فهناك الكذب من أجل الفائدة أو لأنه يظن أنه الأفضل , فيمكن أن يكذب الأب أو الأم على ابنهم في بعض الأمور بهدف حمايته أو إفادته حسب ما يظنون , وكذلك يمكن أن تكذب القادة أو الرؤساء أو الحكومات على الأفراد بهدف حمايتهم أو إفادتهم , ولأن هذا هو الأفضل للجميع حسب رأيهم .
ويمكن أن يكذب على المريض في بعض الحالات لأن هذا أفضل له .
وهناك كذب المجاملة والدبلوماسية , وكل هذا نشاهد أمثلة كثيرة عليه
وفي كافة الصراعات بين الفرقاء إن كانوا أفراد أو جماعات أو شركات أو عقائد أو دولاً , يمكن أن يستخدم الكذب كوسيلة ضد الفريق الأخر . فالكذب يستعمل كسلاح ضد الفريق الآخر
وفي النهاية نجد أن الكذب أو الصدق في نقل المعلومات, يمكن أن يكون أحدهما مفيد أو ضار , وذلك حسب الوضع وحسب المرجع , هل هو الفرد أم الجماعة , وهل هو الصديق أم العدو .
وبشكل عام الصدق غالباً هو الأفضل .
 

المصدر: موقع نبيل الحاجي

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *