تفجيرا مطار كابل يعيدان تنظيم الدولة إلى المشهد.. ما الخطأ الذي ارتكبته طالبان وقد تندم عليه مستقبلا؟

أثار تنفيذ “تنظيم الدولة-ولاية خراسان” تفجيري مطار كابل تساؤلات كبيرة بشأن مدى قوة التنظيم وقدرته على إعادة تشكيل نفسه في ظل حكم طالبان التي تناصبه العداء، إلا أنها قد تكون ارتكبت خطأ أسهم في تقويته.
حافظ سعيد مسؤول ولاية خراسان في تنظيم الدولة (الجزيرة)

كابل- لم يكن ما جرى في محيط مطار كابل خارج سياق التوقعات؛ فقبله بأيام توالت التحذيرات من جانب وكالات استخبارات عالمية من خطر وشيك يهدد عملية إجلاء القوات الأجنبية، ومن يمكنه اللحاق بها، ولا شك أن الحادثة أعادت خلط الأوراق في أفغانستان.

وقُتل عشرات المدنيين الأفغان، كما قتل 13 جنديا أميركيا في تفجيرين مزدوجين نفذهما “تنظيم الدولة-ولاية خراسان” الخميس الماضي عند البوابة الشرقية لمطار كابل الدولي وسط العاصمة الأفغانية.

وجاء التفجيران بعد ساعات من تحذير القوات الأميركية والبريطانية من أن الوضع في محيط المطار حساس للغاية، وأن على الأفغان والأجانب الابتعاد عن المطار.

وبدأت الولايات المتحدة ودول أخرى إجلاء رعاياها وأعداد كبيرة من الأفغان بالتزامن مع دخول مسلحي طالبان العاصمة كابل في 15 أغسطس/آب الجاري، وبعد مرور ساعات صار المطار محط أنظار العالم وعدسات المصورين.

كل من عمل مع الولايات المتحدة طيلة عقدين من حضورها في أفغانستان كان يحق له مغادرة الأراضي الأفغانية عبر طائرات عسكرية أميركية، ويقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت إنه كان بإمكان الولايات المتحدة أن بدء عملية إجلاء المتعاقدين معها منذ 6 أشهر، وبطريقة حضارية لأنها تملك قوائم كل من دخل إلى قواعدها، فما بالك بمن عمل معها في أفغانستان.

ويضيف جليل أن سبب الفوضى أمام بوابات المطار هو دعوة الولايات المتحدة والسفارات الأجنبية رعاياها إلى مغادرة أفغانستان، وكل من سمع هذه الدعوة وأخبار إجلاء بعض الأفغان توافد على المطار حتى وصل الأمر إلى درجة كان من الصعب على القوات الأميركية ومسلحي طالبان السيطرة على الوضع.

عودة تنظيم الدولة

ورغم إعلان الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية السابقة وحركة طالبان دحر تنظيم الدولة في معقله الرئيسي في ولاية ننغرهار (شرقي البلاد)، فإنه أطل برأسه بعد الإعلان عن بدء انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان في كابل، وكذلك بولاية ننغرهار.

وتمكنت القوات الأفغانية من اعتقال عدد كبير من مسلحي التنظيم، إضافة إلى مقتل 4 من زعماء التنظيم واعتقال الخامس وهو أسلم فاروقي في عملية وصفتها آنذاك المخابرات الأفغانية بالنوعية.

ويشير حكمت جليل إلى أن حركة طالبان أخطأت في إطلاق سراح المعتقلين بعد سيطرتها على الولايات الأفغانية والعاصمة كابل. وقال “نعرف أن الحكومة السابقة تمكنت من اعتقال أكثر من ألفين من مسلحي تنظيم الدولة، ومعظمهم مقاتلون أجانب، ويوم دخول طالبان العاصمة خرج من سجن المخابرات الأفغانية أكثر من 500 معتقل، معظمهم من التنظيم، وهربوا إلى معقلهم الرئيسي في ولاية ننغرهار، والغارة الأميركية الأخيرة على منزل في مدينة جلال آباد دليل على عودة التنظيم إلى المشهد مرة أخرى”.

وانتقد تنظيم الدولة بشدة اتفاق الولايات المتحدة وحركة طالبان في فبراير/شباط 2019، الذي ينص على انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، متهما الحركة “بالتراجع عن القضية الجهادية”.

وبعد دخول طالبان العاصمة كابل والاستيلاء على السلطة في 15 أغسطس/آب الجاري، تلقت طالبان تهنئة من العديد من الجماعات الموصوفة “بالجهادية”، ولم يكن بينها تنظيم الدولة.

محاولة هنا وهناك

ويرى خبراء أنه ليس كل شيء مرتبطا مباشرة بالانسحاب الأميركي، لكن انتصار طالبان قد يوفر متنفسا لتنظيم الدولة.

ويقول الأستاذ الجامعي أسد الله وحيدي للجزيرة نت “أعتقد أن تنظيم الدولة لا يشكل تهديدا جديا لأفغانستان، لأن الظروف ليست مساعدة لذلك، ولا يملك حاضنة، وكذلك أفكاره ومعتقداته لا تجد قبولا لدى الشعب الأفغاني، وكان يستغل وجود القوات الأجنبية والحرب مبررا لوجوده”.

ويضيف “والآن انتهت الحرب فعليا، وتنسحب القوات الأجنبية، ولا يمكن له أن يقف أمام حركة طالبان، وحتى تشكيل حكومة قوية ربما يحاول تنظيم الدولة هنا وهناك لإثبات حضوره فقط”.

طالبان أطلقت سراح مئات المعتقلين من السجون بعد سيطرتها على الولايات الأفغانية (الأناضول)

وحسب أرقام رسمية، فإن عدد مقاتلي تنظيم الدولة في أفغانستان يتراوح بين 500 و1500، وبعد العمليات العسكرية التي شنتها القوات الأفغانية والأميركية ضده دُمر معقله الرئيسي في ولاية ننغرهار، وتحول عدد منهم -خاصة الذين ينتمون إلى دول آسيا الوسطى- إلى شمال أفغانستان، وتصدت لهم طالبان أيضا.

ويقول وحيدي بخصوص موقف طالبان من التنظيم إن الضمانات التي قدمتها طالبان في اتفاق الدوحة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تنص على أنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضد الآخرين، ولن تسمح بتواجد للجماعات الإرهابية في أفغانستان، وبالتالي ستكون الحركة جادة في الوقوف ضد تنظيم الدولة.

استبعاد عودة قوية للتنظيم

ويواجه تنظيم الدولة تراجعا في الأفراد، إذ تكبد خسائر فادحة خلال العامين الماضيين، والآن هو في مرحلة التجنيد في المناطق النائية من أفغانستان، إلا أن هذه العملية معقدة وتواجه عوائق كثيرة.

ويقول عن ذلك الأستاذ الجامعي فهيم سادات للجزيرة نت إن حركة طالبان تعتمد في عملية التجنيد على العامل القبلي، أما تنظيم الدولة فيجند أتباعه أو مقاتليه من الجامعات والمؤسسات التعليمية في المدن الرئيسية وحوالي 80% من مقاتليه أجانب، لذا يقومون بعمليات معقدة للحصول على عناصر جدد.

ويرى الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية مشتاق رحيم أنه في حال تمكنت حركة طالبان من تشكيل حكومة تشاركية مع كافة القوى السياسية، ولاقت قبولا من الشعب الأفغاني سيكون صعبا على تنظيم الدولة أن يجد موضع قدم له في الأراضي الأفغانية.

ويعيد رحيم رأيه لسببين: الأول أن حركة طالبان سيطرت على أفغانستان من دون مقاومة تذكر من قبل القوات الأفغانية، وأن الأخيرة تجنبت القتال مع الحركة بسبب معاناة الناس من انعدام الأمن، أما السبب الثاني فإنه منذ عام 2014 والشعب الأفغاني لم يقبل ظاهرة مستوردة مثل تنظيم الدولة.

ويضيف الباحث رحيم أنه عند مقارنة زعماء حركة طالبان وتنظيم الدولة يلاحظ أن زعماء طالبان كلهم من أفغانستان، على عكس التنظيم؛ إذ إن جميع قادته أجانب، وقتل 4 منهم في غارات جوية على الحدود مع باكستان.

وطالب شيرمحمد ستانكزاي نائب رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان من عناصر القوات الأفغانية والجيش العودة إلى عملهم، وهي خطوة إستراتيجية تحسب لطالبان، حيث تقطع الطريق على الجماعات التي تحاول تجنيد ما تبقى من القوات الأفغانية، وفق ما ذكره الباحث السياسي والأكاديمي عبد الله أواب.

ويقول أواب للجزيرة نت إن لجنة الدعوة والإرشاد في حركة طالبان قامت بتسجيل معظم القوات الأفغانية التي استسلمت وألقت السلاح ووزعت عليها بطاقة خاصة لكي تستدعيها عند الضرورة، والهدف من ذلك استيعاب الدماء الجديدة عندما يقومون بتشكيل قوات جديدة، لأن مسلحي طالبان لا يتجاوز عددهم 50 ألف مقاتل.

التاريخ يعيد نفسه

بعد توقيع الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية اتفاقا أمنيا في اليوم الثاني من وصول الرئيس أشرف غني إلى السلطة، انحسر دور القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان من المشاركة في القتال إلى التدريب وتقديم المشورة للجيش الأفغاني، وبعد تقدم طالبان على الأرض كانت القوات الأميركية تقدم مساعدة جوية فقط لتتراجع خسائر القوات الأميركية، إذ لم يقتل جندي أميركي منذ بدء المفاوضات بين الطرفين في الدوحة، إلا أنه وقبيل أيام من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان خسرت 13 جنديا في تفجيري مطار حامد كرزاي الدولي في كابل.

وعلق مصدر في حركة طالبان للجزيرة نت على الأمر قائلا “صحيح أخذنا التحذيرات التي أصدرتها الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن الوضع الأمني في محيط المطار على محمل الجد، بيد أننا لم نفكر أن يكون الأمر بهذه الخطورة، حيث قتل 13 جنديا أميركيا و28 من مسلحي طالبان وعشرات المدنيين، إلا أنه بعد ساعة تقريبا وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم الدولة”.

وأضاف المصدر أن هذا الموقف “يذكّر بموقف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الذي اتهم تنظيم القاعدة بالوقوف وراء هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهاجم أفغانستان من دون أن ينتظر نتائج التحقيق بشأن الهجمات، الآن يساورني القلق حول مخطط الولايات المتحدة، ولا أعتقد أن يكون التنظيم يملك قدرات كبيرة وبهذا الحجم”، وفق تعبيره.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *