يقول الله تبارك وتعالى: “لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ”، فما هو إذن حكم اليمين الغموس ، هذا ما نتناوله في هذا المحتوى من خلال الموسوعة، فيعرف يمين الغموس في علوم الفقه بأنه الحلف على الشيء كذبا، ويقال الحنث في اليمين، والحنث هو مخالفه ما حلف عليه، ومن هنا نتناول تفصيليا كل ما يتعلق بمخالفة الحلف واليمين من خلال آراء علماء الفقه والسنة، والحكم في اليمين الغموس والكفارة التي يستحقها، ومن ذلك يقول الله عز وجل: “إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.
حكم اليمين الغموس
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واللهِ لَأَنْ يَلَجَّ أحَدُكم بِيَمينِه في أهلِه: آثَمُ له عندَ اللهِ مِن أن يُعطِيَ كفَّارتَه التي افتَرَضَ اللهُ عليه)، ويقول الله تبارك وتعالى: ” وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ”، فلا حرج على المخطئ الغير متعمد.
- يمين الغموس هو الحلف الذي يتعمد صاحبه من خلال هذا الحلف على الكذب قصدا منه، وسمي هذا النوع من اليمين غموسا لأنه يعمل على غمس الحالف في الإثم والذنب، وقيل أيضا أنه يغمسه في النار، ومن هنا فأنسب كفارة لهذا اليمين هي التوبة، فهذا هو حكم يمين الغموس، ولا كفارة له كما ذهب مجموع العلماء كما نرى فيما يلي.
- فيمكننا القول إذن من خلال آراء علماء الفقه أن يمين الحنث يدخل تحت هذا اليمين المنعقدة أي إنه يكفر عنه صاحبه كما آتاه الله، أما بالنسبة إلى يمين الغموس فلا كفارة عليه.
- نوضح ذلك أكثر من خلال قول الإمام تب بطال: ( أن اليمين الغموس هو أن يحلف الرجل على الشيء وهو يعلم أنه كاذب ليقوم من خلال هذا اليمين بإرضاء أحدً، أو لكي يقتطع بها مالًا مثلا، وهى أعظم من أن يكفر، ولكن في الحقيقة أن جمهور العلماء لا يرى فيها الكفارة وهو يمين الغموس).
- وهو ما ذهب إليه كلا من الإمام النخعي والحسن البصرى ومالك ومن تبعه من أهل المدينة، والأوزاعي أيضا من أهل الشام، والثوري وجميع علماء أهل الكوفة، وأحمد وإسحاق وأبى ثور وأبى عبيد وأصحاب الحديث، وفيها قول ثانٍ روي عن الحكم بن عتيبة وعطاء: بأن اليمين الغموس فيها كفارة، ويقول أيضا عطاء: ولا يريد بالكفارة إلا خيرًا منها للاطمئنان ليس إلا وهو زيادة تقرب من الله تبارك وتعالى.
- فالكفارة هنا من خلال آراء الجمهور هي التوبة فقط، وما كان زيادة عن هذا ما هو إلا خيرا وكما ذكرنا إنه زيادة تفضل وتقربا من الله تبارك وتعالى.
- فيقول أيضا ابن بطال عن حكم يمين الغموس: فمن حلف على يمين كاذبًا وهو يعلم أنَّه كاذب فيجب عليه التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى ولا كفارة عليه، وهذا أيضا مذهب الجمهور ويوافق ابن بطال في ذلك أيضا حتى يعلم المذنب جرم ما اقترف.
آراء العلماء في حكم اليمين الغموس
في الحقيقة كما نعلم جيد أن علماء الدين من الفقه والسنة دائما ما يختلفون في الحكم، وقلما يتفقون ويسقرون على نفس الحكم، وهذا ما نتناوله فيما يلي آراء العلماء حول الحكم في يمين الغموس.
- ذهب جماعة من العلماء في الفقه ومنهم الجمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة، بأن يمين الغموس هو نوع من أنواع كبائر الذنوب التي لا تجب فيها الكفارة عنها.
- واتفق كلا من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن تكون الكفارة على إثم يمين الغموس هي التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى عن هذا الذنب الأعظم من وجهة نظرهم، فالتوبة تكون من خلال الشروط الخاصة بها كما آتانا الله عز وجل من فضله.
- أما بالنسبة للكفارة نفسها فذهب كلا من الشافعية وابن تيمية والحنابلة، على أنه من أراد أن يقوم بالتكفير عن هذا الذنب يكون من خلال كفارة ما على حسب مقدرته ( ولكن لا يشترط) إلى جانب التوبة وهو أمر واجب لكي يكفر الله تبارك وتعالى عن هذا الإثم.
كفارة اليمين الغموس عند الشافعية
كما ذكرنا مما سبق أن الكفارة عن يمين الغموس هي ليست واجبة، والواجب هو التوبة والرجوع إلى الله تعالى، فيقول الله عز وجل”إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “.
- فبالنسبة إلى كفارة اليمين الغموس عند الشافعية هي التوبة إلى الله تبارك وتعالى من جل الذنوب ولاسيما ذنب يمين الغموس الذي تعتبر الشافعية من الذنب الأكبر.
- وذهب أيضا الشافعية أن الكفارة في هذا الأمور وهو يمين الغموس تقتصر على التوبة فقط، ففي حالة إذا أراد العبد أن يتقرب من الله من خلال بطلان هذا الذنب فيمكن أن يقم بالتكفير عنه بإطعام مسكن أو عتق رقبة وما إلى ذلك.
- لكن يمكننا إذن أن نقول أنه لا تقبل هذه الكفارة من دون التوبة والرجوع إلى الله تعالى عن هذا الذنب لكي تقبل هذه الكفارة عن يمين الغموس.
أنواع اليمين الغموس
يقول الله تبارك وتعالى في سورة العمران الآية 77 : ”إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”، حيث تختلف وتتنوع أنواع يمين الغموس من خلال صيغتها والنية السابقة في هذا، ومن أنواع يمين الغموس هي:
- الشتائم وتكون من خلال أن تقول “لا” أو “نعم” مرارًا وتكرارًا، وفي هذه الحالة لا يوجد عقاب على هذا لإنك لم تقسم اليمين.
- أما بالنسبة إلى القسم وهو النوع الثاني من يمين الغموس، فالذي إلزام بفعل الشيء أو لا يفعله عن طريق القسم عن الشيء وهو يعلم إنه كاذب ويمينه باطلا، هنا تجب التوبة والكفارة عنه.
- والنوع الثالث من يمين الغموس هو الحلف من كبائر، وهو يكون ذنب وحلف بالله باطل وكذبا من الحالف.
كفارة يمين الغموس على المصحف
الكفارة عن اليمين أمر واجب على كل مسلم عاقل بالغ في حالته الطبيعية، والكفارة عن اليمين دائما ما تكون إما إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ، وهذا كما أمر الله تعالى فيما يتعلق بالكفارة عن الإثم.
- فيمين الغموس على المصحف من الكبائر التي نهي الله تبارك وتعالى عنها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا.
- فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امريء مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان).
- ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم عن الحكم في يمن الغموس: (من اقتطع حق امريء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال رجل وإن كان يسيرا قال وإن كان قضيبا من أراك).
- أما عن يمين الغموس على المصحف يقول: (وَكَلَامِ اللهِ وَكِتَابِهِ وَقُرْآنِهِ يَمِينٌ)، فيعد اليمين على المصحف أو من آيات القرآن الكريم يمين المنعقدة، ففي هذه الحالة تجب التوبة والكفارة أيضا.
- يقول ابن قدامة عن يمين الغموس على المصحف: (الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام الله، منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها).
- فتكون كفارة اليمين الغموس على المصحف من خلال ما أمر الله به وهو عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم الرجل أهله، أو كسوتهم، وفي حالة إنه لم يستطع يصوم ثلاثة أيام.
الفرق بين يمين الغموس ويمين المنعقدة
كما عرفنا أن يمين الغموس هو أن يتعمد صاحبه من خلال هذا الحلف على الكذب قصدا منه، وسمي هذا النوع من اليمين غموسا لأنه يعمل على غمس الحالف في الإثم والذنب، وقيل أيضا أنه يغمسه في النار، ومن هنا فأنسب كفارة لهذا اليمين هي التوبة، فهذا هو حكم يمين الغموس، ولا كفارة له كما ذهب مجموع العلماء.
- يعتبر يمين الغمون نع من أنواع يمين اللغو، ولا تجب فيه الكفارة وما يجب ما هو إلا التوبة والرجوع إلى الله تعالى.
- أما يمين المنعقدة هو كل يمين لا يكن لغوا، ومن حلف هذا اليمين على أمر وحنث فيها أي خالف الحلف فيها، فيكون له كفارة ولا يقتصر الأمر على التوبة، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام.
وإلى هنا نكون قد توصلنا إلى معرفة ما هو حكم اليمين الغموس من خلال هذا المحتوى، بالإضافة إلى معرفة الفرق بين يمين الغموس ويمين المنعقدة، وشروط وجوب الكفارة في كلا منهما.