جمان أبوعرفة-القدس المحتلة
“رمضان حلو”.. جملة ذات وجهين يتداولها المقدسيون للإشارة إلى شهر رمضان وبهجته، وللإقرار بأن الحلويات عنصر أساسي فيه.
وكما تتجهز حواري وأزقة البلدة القديمة في القدس بالزينة والأضواء استقبالا للشهر الفضيل، تعرض محلات الحلويات بضاعتها التي تزيد المكان والزمان حلاوة.
لكن هذه الحلاوة تقلصت بشكل كبير في رمضان الحالي بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي ألقى بظلاله على المدينة المقدسة والعالم بأسره.
ولم تتأثر القدس بإجراءات إغلاق المحال وتقييد الحركة بقدر تأثرها بإغلاق المسجد الأقصى المبارك الذي كان على الدوام عنصرا جاذبا للزوار ومنعشا للبلدة القديمة ومحال الحلويات فيها.
“الرجل تدب مطرح ما تحب”.. يستشهد الفنان المقدسي حسام أبوعيشة بهذا المثل المصري للإشارة إلى تأثير المسجد الأقصى في إنعاش المكان بأسره.
ويروي للجزيرة نت أثناء تجواله بين حواري القدس “لا شيء يشبه ما كان عليه، ما دام الأقصى مغلقا برمضان فلا حياة بالقدس، في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت تعمل محال الحلويات على مدار الساعة لتلبية الطلب الكبير، أما اليوم فالعرض والطلب مقلصان جدا”.
في رمضان وغيره، يُبدع المقدسيون في صناعة الحلويات “الطرية” هذا المصطلح الشعبي الذي يطلق على الحلويات المحشوة بالجبنة والقشطة والمسقاة بالقطر كالكنافة والنمورة والقطايف.
ويقول أبوعيشة إنه عمل منذ صغره في محل للحلويات بالبلدة القديمة وقد أتقن صناعة الكنافة والبقلاوة، حتى غدت جزءا من شخصيته وتربيته الثقافية.
وحددت بلدية الاحتلال بالقدس أوقات عمل المحال التجارية بين الثالثة فجرا والسادسة مساء، حيث تُمنع الحركة والتجارة بعد ذلك الوقت ويتعرض المخالفون لغرامات مالية. وعلى إثر ذلك فقدت القدس ساعات الذروة الشرائية في رمضان.
قبل وبعد كورونا
يصف أبوعيشة حال حلويات رمضان قبل كورونا فيقول “سابقا كان الزائر يدخل من باب العامود قاصدا صلاة الظهر بالأقصى فيرى أصناف الحلويات التي امتدت على الجانبين طوال السوق، حيث كان يضطر لحجز طلبه مسبقا لكثرة الزبائن”.
ويضيف “ثم يخرج الزائر بعد صلاة العصر عائدا من ذات الطريق فيبتاع لنفسه وأهل بيته ولمن أوصاه من أقاربه وأصدقائه ويصل بيته مع أذان المغرب وضرب المدفع، ويعود ليتحلّى بعد صلاة التراويح من صواني الحلويات التي أعدت لضيوف الرحمن مجانا على أعتاب الأقصى”.
أما اليوم، فلا أحد يقصد البلدة القديمة إلا أهلها الذين يشتري كل منهم حسب حاجة بيته، فلا ولائم أو اجتماعات عائلية، ولا حاجة لينتظر طويلا أمام محل الحلويات التي تقلص زبائنها وعاملوها.
ويؤكد أبوعيشة أن أصحاب المحلات يفتحون ظهرا بعد أن كانوا يتجهزون فجرا، ويتوجسون على الدوام من كساد بضاعتهم.
مشروبات رمضان
ولا تقتصر الحلويات الرمضانية على المأكولة منها، بل توازيها طلبا المشروبات الرمضانية كالتمر الهندي والخروب واللوز، والتي تأثرت أيضا بفعل كورونا.
ويؤكد بائع المشروبات أشرف الحلواني للجزيرة نت أن تجارة المشروبات لم تشهد تراجعا هكذا في رمضان منذ عهد جده أبو نافذ الحلواني الذي ورث هذه الصنعة لأبنائه من بعده.
“عايشت الانتفاضة وحرب الخليج، لم أر القدس فارغة وبائسة هكذا، لا بهجة لرمضان والأقصى مغلق”.. هكذا يصف الحلواني الظروف التي قلصت مبيعاته إلى أقل من ربع الكمية مقارنة برمضان الماضي.
ويضيف أنه كان يجهز المشروبات فجرا بمعاونة ثمانية عمال، لكنه اليوم لا يحتاج إلا إلى ثلاثة ليبيع بالكاد ما صنعوه على عربته المتنقلة قبالة باب الساهرة ثم يغادر مع حلول السادسة.
من جهته عاش المقدسي عهدي الجعبري سبع سنوات في سوريا، عاد بعدها إلى القدس ليحضر لأهلها حلويات شامية ويتخصص بالكنافة النابلسية والإسطنبولية في محله بطريق الواد بالبلدة القديمة.
جهز قبيل رمضان إضافات جديدة كالغريبة والكوكتيل السوري بالقشطة وقطايف على الفحم، كما خطط لشراء آلة “الدق السورية” من تركيا، لكن تفشي كورونا أبطل مخططاته تلك. ومنذ بداية رمضان ينزل ظهرا إلى محله ليتفقد أعداد الناس ويقدّر وفقها كمية الحلويات التي سيحضرها.
بديل الشراء
يبيّن الجعبري للجزيرة نت أن ذروة الحركة الشرائية تكون ليلا بعد الإفطار والتراويح، والتي حُرم منها رمضان الحالي، كما أنه اليوم يكتفي بمعاونة ابنه له في المحل، بعد أن كان يحتاج عدة عمال ليلحق الطلبات الكثيرة.
ويضيف أن ظروف الإغلاق وتراجع القدرة الشرائية دفع كثيرين لصناعة الحلويات والمشروبات الرمضانية في المنزل.
نزهة تنشر وصفات حلوياتها على منصات التواصل الاجتماعي (الجزيرة) |
استبدلت نزهة الحموري شراء الحلويات بصنعها في رمضان، وساعدها على ذلك حبها للطبخ وصنع الحلويات واحترافها منذ ست سنوات، كما تقوم بنشر الوصفات على حساباتها الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن منشورات الوصفات لاقت رواجا وتفاعلا لافتا بعد أزمة كورونا.
وتضيف للجزيرة نت “مع أن الظرف مؤلم فإن كورونا أظهر مواهب ربات البيوت في المطبخ، كل الوصفات صعبة حتى تُجرّب، لا شيء مستحيل، كما أن هناك العديد من الوصفات غير المكلفة اقتصاديا وتتوافر مكوناتها في معظم البيوت كالقطايف مثلا”.