
الإرشاد والتوجيه أمر مهم يحتاجه الأفراد كما تحتاجه المؤسسات وفي كل المجالات، وذلك من أجل علاج بعض الأمور والرقي بالمستوى إلى الأفضل، الأمر الذي يعود بالنفع للجميع، ويرقى بمستوى المؤسسات والأفراد في الأداء، فيحققون النجاح المطلوب.
ولعل الإرشاد في الجانب النفسي تبرز أهميته أكثر نتيجة التغيرات والمستجدات الحاصلة على الصعيد المحلي والخارجي، مما نتج عن ذلك كثرة الحالات النفسية من القلق والاكتئاب والخوف وغيرها.
ويسرنا في هذا الحوار أن يكون ضيفنا أحد أولئك المرشدين حتى نقف معه على بعض الأمور في هذا الميدان:
* وفي البداية نود من ضيفنا الكريم التعريف بنفسه؟size=3>
د.العربي عطا الله الأخصائي في الإرشاد النفسي بالهيئة الوطنية للصحة – دولة قطر ، حاصل على بكالوريوس في علم نفس من جامعة الجزائر، وماجستير في علم نفس”الطفل والمراهق” الجامعة العالمية، والدكتوراه في علم النفس الإرشادي من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، إضافة إلى دراستي في الدعوة والإعلام من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .size=3>size=3>size=3>
* هل لك أن تحدثنا عن طبيعة عملك بالهيئة؟size=3>
أخصائي علم نفس إرشادي، في قسم الأمراض غير الانتقالية بالهيئة الوطنية للصحة ، حيث نقوم بعمل مقابلات شخصية للمصابين بالسكري والكلسترول والسمنة وغيرها من الأمراض غير المعدية ، وعمل جلسات إرشادية متعددة للمدخنين بهدف إقناعهم في ترك الدخان وتوضيح مخاطر التبغ بجميع أشكاله ، وكذلك لنا جلسات في الإرشاد الأسري ، والتي تتعلق بالمشاكل الأسرية ، بالإضافة عمل جلسات إرشادية مع طلبة المدارس حول مشكلة التأخر المدرسي ، ضعف التحصيل ، عدم التركيز ، الخوف والقلق ، ونقوم بعمل دورات وورش عمل ومحاضرات في المدارس للمدرسين والطلاب من اجل تثقيفهم وإرشادهم ، وكذلك عمل دراسات وأبحاث.
*نود أن تبين لنا أهمية مثل هذا العمل في المؤسسات؟size=3>
الإرشاد النفسي أو ما يسمى ( بالعلاج السلوكي ) أمر مطلوب في كل المؤسسات، وكذلك من أجل معرفة مدى تجاوب الإنسان مع طبيعة عمله ، ومن أجل التخفيف من حدة القلق والخوف التي تصيب الإنسان أثناء العمل، إضافة إلى معرفة مهارات التعامل مع الآخرين وإتقانها.
*هل ترى أن الحالات والأمراض النفسية في أزياد؟ وما أسباب ذلك؟size=3>
نعم هي في تزايد مستمر والعالم يعج بمثل هذه الحالات، ومن أهم أسباب ذلك هو ضعف الإيمان والبعد عن وسائل زيادة الإيمان وتقويته، والبعد عن الله عموما، والوقوع في المعاصي؛ ولذلك نحن نركز على هذا الجانب في علاجنا للكثير من الحالات، فالارتباط بالله عز وجل وطاعته حل للكثير من الحالات، ووسيلة للإحساس بالأمن والراحة وعدم القلق، ووسيلة عظيمة لتحمل الصدمات، والصبر عند الأزمات، ونحاول دائما في مقابلتنا مع الأشخاص أن نركز على الجانب الإيجابي لدى الشخص ونعززه ، ونبعد عنه الأفكار السلبية الانهزامية .
*ما مدى العلاقة بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية؟size=3>
لا شك أن هناك علاقة قوية ، فالاضطرابات العصابية ، والاضطرابات الذهانية ، إدمان الكحوليات والمخدرات والتدخين ، الانحرافات الجنسية ، الضعف العقلي وغيرها من الأمراض النفسية لها تأثير كبير في أعضاء الجسم، بل أن بعضها تكون مصدر لأمراض عضوية، فالعلاقة متلازمة ومتينة، والإنسان مركب من نفس وجسد كل يؤثر في الآخر، ولا يمكن أن نفصل جانب عن جانب فإذا تأثر الجسد تأثرت النفس ، وإذا تأثرت النفس سيتأثر الجسد ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
* دكتور بالنسبة للأمراض العضوية الجسدية لا فرق في علاجها غالبا بين الطبيب المسلم وغير المسلم، فهل مسألة الأمراض النفسية كذلك؟size=3>
هنا لا بد أن نفرق بين العلاج الجسدي والعلاج النفسي ، فالعلاج الجسدي يستطيع أن يقوم أي شخص بإعطاء الوصفة والعلاج وتحديد المرض ، أما بالنسبة للعلاج النفسي ، قد يقول قائل بأن العلاج النفسي قد يشخصه لك طبيب غير مسلم ، ولكن أقول أن العلاج من الناحية النفسية يحتاج إلى تقوية الجانب الإيماني سواء لدى الطبيب أو المريض فكل منهما محتاج إلى الزاد الإيماني ، لأن النفس والروح متعلقة بطاعة الله أو عصيانه ، وهذا مصداقا لقول الله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)size=3> (طـه:124). فالمعيشة الضنكة تكمن في الحالات المرضية النفسية ، ولا يمكن لطبيب أو أخصائي يجهل أمور الدين والإيمان أن يعالج هذه الحالات ، ولهذا أنت ترى وتسمع وتقرأ كثرة الانتحار في بلاد الغرب ، وذلك بسبب البعد عن طريق الله تعالى وعدم وجود الغذاء الروحي ، بخصوص الجانب النفسي لا بد من العامل الإيماني، ولذلك نرى حتى الأطباء الغربيين ينصحون بالعلاج الروحاني، وطبعا هم لهم منطلقاتهم ومفاهيمهم التي يبنون عليها، فهم لا يعرفون القرآن والسنة والهدي النبوي العظيم في هذا الجانب؛ حتى أن بعضهم قال: بحثت في كل كتب الطب الغربي فلم أجد فيها شيئا يتكلم عن الجانب الإيماني ، ولهذا تجده يوجه مرضاه إلى الرجوع للكنيسة، طبعا ظنا منه أنهم سيجدون بغيتهم فيها، أما نحن المسلمين فعندنا الشفاء والعلاج في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً)size=3> (الاسراء:82) ، وقوله تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)size=3> (يونس:58).
* هل مرت بكم حالات معينة تقف عندها؟size=3>
نعم تأتينا كثير من الحالات النفسية التي يشتكي أصحابها فنسأل الشخص: كيف أنت مع الصلاة والقرآن والطاعة؟ فتكون إجابته بأنه لا يصلي ولا صلة له بالقرآن ولا بطاعة الرحمن، فيكون أول توجيه وعلاج له أن يتوب إلى الله ويبدأ بالصلاة والطاعة والذكر، فذلك مصدر الراحة والسعادة والأمن والأنس، ونذكره بقول الله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)size=3> (البقرة:45) ومن خلال التواصل نجد التحسن في حالة المريض.
* لو أردنا التعرف على أكثر شرائح المجتمع التي تتعرض لمثل هذه الحالات النفسية وتقومون بإرشادها وتوجيهها، هل هي فئة الشباب أم الكبار، رجال أم نساء؟ وما نصيحتكم لهم بالذات؟size=3>
أكثر الفئات هي شريحة المراهقين، وهذا شيء طبيعي فهي فترة انتقالية بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرجولة، فيها يلاقي الشخص تغير فسيولوجي ونفسي وجسدي، فهنا تحدث المشاكل والانحرافات.
ولذلك نصيحتي للشباب والشابات جميعا بالرجوع إلى الله والارتباط بالطاعة وخاصة في مثل هذه المرحلة الحرجة، حتى تتحقق لهم الراحة والسعادة، كما أنصحهم بالعلم النافع ، وهذه المرحلة العمرية تحتاج إلى فن ومهارة في التعامل معها ، وهذه نصيحة إلى الآباء والأمهات أن يكون لديهما علم ودراية في التعامل مع أولادهما في هذه المرحلة ، حتى لا يضيع الأبناء من أيديهما ويخسرا شيئا عظيما .
* في نظركم ما هي الصفات التي يتصف بها المرشد النفسي ؟size=3>
لا شك أن الأخصائي في مجال الإرشاد النفسي لا بد أن يتصف بصفات منها :
– الصدق والإخلاص الذي يمثل حجر الأساس الذي تتكئ عليه أعماله الإرشادية .
– الإنصات الإيجابي ، والذي يمكن من خلاله بناء جسور الأخوة معه واكتساب ثقته وتشعره بأنك تنصت له وتتعاطف معه ، وتريد بصدق أن تساعده .
– العلم : لا بد أن يعمل من خلال خلفية علمية تساعده على معرفة الأشخاص الذين يتعامل معهم وطبيعة نموهم ومشكلاتهم وطبيعة الانحرافات وأسبابها .
– المهارات : فالطبيب يحتاج إلى أن يتدرب على مهارات مختلفة .
– الرفق : لا بد أن يتخذ الرفق شعارا له في كل خطوات عمله ، والرفق هو المفتاح إلى القلوب .
* هل هناك أشخاص توصي بهم في هذا المجال من أجل الاستفادة؟ أو كتب تنصح بها؟size=3>
طبعا لا شك هناك الكثير من العلماء القدماء و المعاصرين الذين أبدعوا في مجال علم النفس ، والإرشاد النفسي والأسري ، أما بالنسبة للقدماء فمنهم : العلامة ابن قيم الجوزية، وأبو حامد الغزالي ، والماوردي.
أما المعاصرين فمنهم : الشيخ / محمد قطب ، والدكتور ميسرة طاهر ، والأستاذ الدكتور/ طارق الحبيب ، والبرفسور/ الزبير بشير طه ، والدكتور / محمد عثمان نجاتي ، والدكتور / حامد عبد السلام زهران وغيرهم …..
أما بالنسبة للكتب فمجال علم النفس واسع وتخصصاته متشبعة ولا يتسع المجال هنا لذكر عناوين الكتب .
* هل من نصيحة في نهاية هذا الحوار؟size=3>
يجب أن نعلم أن الإسلام كله جاء نورا وهداية يبدد ظلام العقول والقلوب ، ويضع عن الناس إصرهم وأغلالهم التي تكبل أنفسهم لينطلقوا إلى غاية خلقهم ، ووظيفة حياتهم عبادة الله وحده والخلافة في الأرض ، وما الظلمات إلا أمراض للنفس تحيط بالعقل فيزيغ عن العقيدة وتحيط بالمشاعر فلا يحس الإنسان بإنسانيته وإنما ينطلق وراء دوافعه وحاجاته .
فالإسلام كله علاج لا يقاربه علاج ، فعقيدة المسلم الصحيحة هي قمة العلاج ، لأنها قمة الهداية، وعباداته كلها شفاء ونور قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)size=3> (الأنعام:122) وبالله التوفيق .
