آسيا العتروس
تونس اسيا العتروس عالم بدون فيسبوك.. هل هذا ممكن؟ وهل يمكن أن يكون أفضل؟ الأكيد أن انقطاع فايسبوك قد أعاد إلى السطح أكثر من نقطة استفهام حول ما يمكن أن يكون عليه عالم ما بعد فايسبوك وهل يمكن لثورة تكنولوجيا المعلومات مستقبلا أن تحملنا إلى عالم مختلف قد يكون التواصل بمقتضاه أكثر اقترابا وتماثلا من الواقع.. صحيح انه لا حدود للخيال العلمي ولا حدود لما يمكن للعقل البشري تحقيقه عندما يستثمر في هذا المجال ولكن الواضح ان حياة البشر ومصير الشعوب بات أكثر ارتباطا وارتهانا بالتكنولوجيا وإذا كانت الأمم والشعوب المصنعة والمروجة للتكنولوجيا الحديثة أكثر حرية في خياراتها وتوجهاتها فان غيرها من الشعوب التي تعيش بما تستورده من الآخرين تظل معلقة في حريتها واستقلاليتها.. والخوف كل الخوف إذا حدث وتعطلت الانترنت أو انقطعت وانقطعت معها الخدمات الأساسية..
لم يستمر انقطاع أو توقف المواقع الاجتماعية فايسبوك والميسنجر والوات ساب أول أمس أكثر من ست ساعات هذه المرة ولكن تكاليفها على صاحبها زوكربرغ كانت خيالية إذ يبدو أنها تجاوزت حتى الآن سبعة مليار دولار وربما كانت الخسائر اكبر لو امتد الانقطاع أكثر بعد ان شمل ملايين المشتركين عبر العالم وفسح المجال وبسرعة للمنافسين للاستفادة من الحادثة.. بلغة الأرقام فان العطب المفاجئ كلف شركة فيسبوك حوالي 164 ألف دولار من الخسائر في الدقيقة الواحدة، أي ما يقارب من 60 مليون دولار إجمالا، إضافة الى ما سجلته أسهم الشركة من انخفاض قدر بأكثر من 40 مليار دولار من قيمتها في الأسواق المالية.. الأكيد ان الحدث شغل العالم كيف لا ونحن نعيش زمن الفايسبوك وزمن المواقع الاجتماعية وزمن التواصل الالكتروني الذي مهما اختلفنا في تقييمه فانه يسقط كل الحواجز الجغرافية والزمنية ويتجاوز كل الجدران الفاصلة ويقرب من كان بعيدا من الأهل والأصدقاء ويساعد في عقد الصفقات والاجتماعات واللقاءات التي ثبت دورها في زمن الكوفيد.. كل ذلك بفضل لوحة رقمية تتنقل معنا أينما نكون حتى صرنا اقرب للعبيد لها بعد ان ارتبطت بها حياة الجميع من أفقر دولالعالم واقلها تقدما وحداثة إلى أكثرها تطورا وإنتاجا للتكنولوجيا الحديثة مع فارق مهم وخطير سيتعين التوقف عنده و هو طبعا انه لا يمكن ان يستوي مصنع ومصدر التكنولوجيا ومروجها بمستهلك التكنولوجيا الذي سيجد نفسه يعود إلى عزلته بمجرد ان ينقطع عنه الرابط ..
لا خلاف ان عالم اليوم هو عالم ديموقراطية التكنولوجيا وعالم فايسبوكي بامتياز سواء كان هذا الاستخدام فيه ضرر أو فيه منفعة.. ولاشك أن فضاءات التواصل الاجتماعي منحت النشطاء والشباب فرصة التخاطب والتعبير بحرية مطلقة حتى ان القيود التي وضعتها إدارة فايسبوك لتعقب خطاب العنف والتحريض لم تكن دوما حازمة… الأكيد أيضا ان المواقع الاجتماعية فرضت معها نوعا من المساواة بين كل الفايسبوكيين لاسيما فيما يتعلق بسرعة انتشار المعلومة التي باتت متاحة للجميع من أقصى نقطة في العالم إلى أدنى نقطة فيه ولم يعد بإمكان كل القيود والصنصرة عندما يتعلق الأمر بأخبار الحكام والسياسيين وصناع القرار أو كذلك بالفضائح السياسية والملفات التي باتت على صفحات المواقع الاجتماعية.. ومع ذلك فان حالة الشلل التي أصابت عالم الفايسبوك خلال الساعات القليلة الماضية كان يفترض ان تطرح البدائل المتاحة ماذا لو استمر الأمر أكثر من ذلك وماذا لو انقطعت كليا هذه المواقع؟
أكثر التبريرات التي قدمتها شركة فايسبوك حول تعطل خدماتها المفاجئ سوقت لخلل في المنصة.. المثير ان
الانقطاع تزامن مع تسريب وثائق داخلية من موظفة سابقة حول التأثير المضر لـفايسبوك وإنستغرام على المجتمع وخاصة على المشاكل النفسية للمراهقين وعلى انتشار الخطاب التحريضي على الفضاءات والمواقع الاجتماعية وهي حقائق متداولة ولكن لا احد يتوقف عندها أو يهتم بها.. بل من المفارقات أن مجلس إدارة فايسبوك الذي يعد عشرين عضوا من شخصيات سياسية وأخرى حائزة على جائزة نوبل يتقاضون أجورا خيالية من اجل خمسة عشرة ساعة عمل في الأسبوع من اجل رصد الخروقات الفايسبوكية.. وفي ذلك ما يكفي لكشف الوجه الآخر لعملاق الشبكات الاجتماعية وكشف أيضا سلطة ومصداقية وتأثير الصحافة الالكترونية ..
كاتبة تونسية
Source: Raialyoum.com