خالد زكري: النزوع السلطوي في الدول العربية أثر سلبا في الثقافة والاقتصاد

خالد زكري أستاذ التعليم العالي في جامعة مولاي إسماعيل ورئيس جمعية «تفكير» متخصص في الآداب المغاربية الافريقية والدراسات المقارنة والثقافية. زار العديد من المؤسـسات الجامعـية الغـربية، جامعة ليبزيغ في ألمانيا، مركز الأبحاث الفرنكوفونية ومعهد الدراسات الشرقية، جامعة إيكس لاشابيل، معهد الدراسات الرومانية وجامعة باريس الشمالية، فضلا عن هيئات أكاديمية هندية. من بين إصداراته، «تخييلات الواقع»، […]

خالد زكري: النزوع السلطوي في الدول العربية أثر سلبا في الثقافة والاقتصاد

[wpcc-script type=”d8d84e50f3237bd448b59645-text/javascript”]

خالد زكري أستاذ التعليم العالي في جامعة مولاي إسماعيل ورئيس جمعية «تفكير» متخصص في الآداب المغاربية الافريقية والدراسات المقارنة والثقافية. زار العديد من المؤسـسات الجامعـية الغـربية، جامعة ليبزيغ في ألمانيا، مركز الأبحاث الفرنكوفونية ومعهد الدراسات الشرقية، جامعة إيكس لاشابيل، معهد الدراسات الرومانية وجامعة باريس الشمالية، فضلا عن هيئات أكاديمية هندية. من بين إصداراته، «تخييلات الواقع»، «سرديات الجسد في المغرب واليابان»، «إعادة التفكير في المغرب الكبير وأوروبا»، «الحداثات العربية: من الحداثة إلى العولمة» و»الهجنة والتوترات السردية في المغرب الكبير وافريقيا جنوب الصحراء» والعديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في كتب مشتركة ومجلات دولية محكمة.
يعري كتاب «الحداثات العربية: من الحداثة إلى العولمة» الحائز جائزة المغرب للكتاب في العلوم الاجتماعية سنة 2019، الجذور الأولى للحداثة في العالم العربي، وانعكاساتها على التحولات الكبرى التي عرفتها علاقة العالم العربي بالاستعمار الغربي منذ غزو الإسبان لهنود أمريكا، مرورا بحملات التبشير المسيحي واستعمار الإمبراطوريات الأوروبية للبلدان غير الأوروبية. كتاب يكشف عن المستور وراء أقنعة النزعة الإنسانية الغربية، والوجه الآخر لبريق الأنوار.

■ من أين أتتك فكرة تأليف هذا الكتاب؟
□ جاءتني فكرة تأليف هذا الكتاب، من ملاحظة واضحة إلى حد ما: إننا نعيش تحولات على مستويات شتى في هذه الجغرافيا الشاسعة وغير المتجانسة للعالم العربي، من الشرق العربي إلى المغرب الأقصى، وهذه التحولات والتمزقات نجد دائما صعوبة في تسميتها لأنها في الوقت نفسه امتداد «مُغاير» لماضينا، وتكييف «مُحَرَّف» للثقافة الغربية الحديثة. فالمصطلحان الموضوعان بين علامات الاقتباس لم يتم استخدامهما بالمعنى السلبي، لأن حركة التاريخ تتم بفعل تحولات وتَقَطُّعَات حتمية.
■ لماذا تحديدا موضوع الحداثات العربية؟
□ إن هذه الحداثة متعددة لأنها تستمد مصادرها من ثقافات مختلفة، بين ثقافات غربية وأخرى أورو آسيوية. فمن ناحية، نحن في حاجة إلى تغيير رؤيتنا لأنماط عيشنا بتجنب التفكير في واقعنا، حسب ملاءمته أو عدم ملاءمته مع موروثنا الثقافي. إن البحث عن هذا التلاؤم مع الماضي يحمل اسم الأصالة عند المحافظين أو الرجعيين. ومن ناحية أخرى مع الحداثة الأوروبية التي نُقِلَت إلينا في سياق الغزوات الاستعمارية. تحتل تركيا مكانة كبيرة من حيث المخيال في هذه الحداثة المتعددة، خاصة من خلال القيم التي تنقلها المسلسلات التلفزيونية والأفلام. وقد حددتُ هذه الحداثة ذات المشارب المتعددة باستعمال لفظة «حداثة انفكاكية» لأنها نتيجة لتحولات متعاقبة في تراثنا الثقافي وفي الوقت نفسه تكييف (إشكالي) للقيم المستمدة من الحداثة الغربية التي استطاعت أن تفرض معاييرها بمختلف آليات الهيمنة.
■ هل يمكننا الحديث مجددا عن الحداثة بعد فشل الربيع العربي؟
□ إن التمرد ليس ثورة، ولا يرتبط الاثنان بالضرورة بالحداثة. كانت هناك دائما تمردات وثورات، التي يمكن أن تحمل أسماء مختلفة وفقاً لكل حقبة زمنية، في تاريخ الإنسانية لأسباب مختلفة. إن السمة المميزة للحدث الثوري تتمثل في القطيعة مع مسار الأشياء، من خلال طرح احتمالات سياسية جديدة. والحال هنا مختلف عن الربيع العربي. إن الصيغة الإعلامية السياسية «الربيع العربي» تذكرنا بـ»ربيع الشعوب» الذي اشتعل في أوروبا في عام 1848، و»ربيع براغ» القصير جدا، والذي انتهى في السنة نفسها التي بدأ فيها، بتدخل قوات حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا في أغسطس/آب 1968 وحتى الاسم الذي يحدد إرادة التحرر هو عبارة عن محاكاة لتسمية أوروبية. نحن مجرَّدون حتى من قدرة تسمية الأشياء. يتعلق الأمر هنا أيضا بتأثير المحاكاة في علاقتنا بالعالم الغربي.

هناك انجذاب إلى العالم الغربي ونفور منه في آن. ومن ناحية أخرى، فالمحاكاة تعد من العوامل الأساسية التي كثيرا ما تمنعنا من إيجاد إشكاليات خاصة بمجتمعاتنا. فكثيراً ما نفكر بالوكالة في مجالات مختلفة.

■ ما هي خصائص هذه الحداثة؟
□ إن الأفراد في المجتمعات العربية يبحثون على نحو متزايد عن الاستقلال الذاتي (مفهوم قد تكون له آثار سلبية على التضامن الاجتماعي)، ولكنهم في كثير من الأحيان يواجهون الإكراه المجتمعي. فمختلف قطاعات الحياة الاقتصادية والإدارية تتم عقلنتها، ولكن يتم تجاوزها أيضا بمواقف وقرارات غير عقلانية. وكثيرا ما يرتبط السبب بالأولوية المعطاة للحفاظ على السلطة بين أيدي من يتحكمون بها. فالمجال السياسي يخضع لقوانين غير مستقلة خارجة عن المجتمع نفسه. فضلاً عن ذلك، فإن إحدى سمات هذه الحداثة الانفكاكية هي من ناحية، التناقض الوجداني الذي يميز علاقة الثقافات العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار بالعالم الغربي. هناك انجذاب إلى العالم الغربي ونفور منه في آن. ومن ناحية أخرى، فالمحاكاة تعد من العوامل الأساسية التي كثيرا ما تمنعنا من إيجاد إشكاليات خاصة بمجتمعاتنا. فكثيراً ما نفكر بالوكالة في مجالات مختلفة. إن إصلاحاتنا على سبيل المثال ضرورية، لكنها تظل نسخا باهتة وبعيدة عن الأهداف المتوخاة منها. فهي عموما إصلاحات تفرضها القوى الغربية.
■ كيف تفسر أزمة الثقافة في العالم العربي اليوم؟
□ ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال في بضع جمل. وقد أعطى جيل عبد الله العروي ومحمد عابد الجبري وهشام جعيط وأدونيس، من بين مثقفين آخرين، بعض الإجابات عن هذا السؤال، ولكن يجب البحث عن الإجابات اليوم على نطاق عالمي. ولم يعد بوسعنا أن ننحصر في تاريخنا المحلي من دون ربطه بالتاريخ العالمي. إن الإصلاحات الاستعجالية التي غالبا ما تفرض علينا لجعل مجتمعاتنا تتطور وتصبح حداثية، ترتبط بقروض موافق عليها من طرف البنوك والمنظمات المالية العالمية. إن الرغبة في الحفاظ على السلطة بأي ثمن تمنع دائما الأنظمة السياسية العربية من خلق فضاء عام حقيقي، قادر على إبراز نقاش حر مبني على مبدء التعارض، لا استعمل هنا هذه الكلمة في المعنى المتداول في علم أصول الفقه، بل في معناها السياسي. أضف إلى ذلك أننا لا نتمتع بحرية التفكير، وليست لدينا الميزانية الكافية للبحث العلمي والتعليم. إن وظيفة تعبئة الفضاء العام، بالمعنى السياسي للمصطلح، تتم محاربتها، أو على الأقل معارضتها باستمرار من جانب الدولة في المجتمعات العربية. كثيراً ما نقارن بين مظهر الحرية الذي بات قائماً اليوم، والقمع الهائل الذي ساد في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. لقد أدى سقوط الأنظمة الشيوعية إلى تغيير في هذا الوضع وبدأ الناس في التعبير عن أنفسهم أكثر من ذي قبل. وهذا ما خلق نوعا من الوهم للأفراد بأن أزمنة حرة ستنفتح أمامهم. والواقع أن نهاية الحرب الباردة كانت أيضاً مرادفاً لنهاية الحماية، التي كان يتمتع بها الحكام المستبدون الذين خدموا جبهة على حساب أخرى. إن استبداد الدولة في إدارة المجتمعات العربية كانت له عواقب وخيمة على الثقافة والاقتصاد.
■ هل الكتابة بالنسبة لك، مجال بَحثٍ حيث تمارس مهنتك، أو ملجأ رمزيا تمارس فيه حريتك في التفكير؟
□ بالنسبة لي، الكتابة ليست ملجأ ولا يمكن أن تكون كذلك. في ما يخص المقالات أو الأعمال الأكاديمية، تعد الكتابة مكانًا للتفكير والتحليل يسمح لنا بالتقدم نوعا ما في فهم العالم المحيط بنا، وتقديم اقتراحات للقراء المحتملين. ومن الواضح أن مهنة التدريس الجامعي والبحث الأكاديمي تسمح لنا بتكريس جزء من وقتنا للكتابة والتأمل. صحيح أيضا أن الكتابة تعطي شعوراً بالحرية، إلا أنه يظل دائما نسبيا. إن اعتبار الكتابة كفضاء يتم اللجوء اليه هي طريقة للتهرب من واجب المقاومة ضد الظلم الاجتماعي والتعسف في استعمال السلطة.
■ هل تؤمن بسلطة الكتابة؟
□ في الواقع، هذه السلطة من الممكن أن تُوجد في المجتمعات، حيث القراءة عمل اجتماعي، وبالتالي متاحة لأكبر عدد. فهي تستطيع أن تنافس سلطة المهيمنين، خاصة عندما تنفلت من سيطرتهم. ولكن في المجتمعات التي يكون أفرادها في الغالب أميين، غير متعلمين، بالمعنى الاجتماعي- اللغوي للمصطلح، لا تختفي سلطة الكتابة، لكنها تظل أقل فعالية. إن سلطة التعبير الشفاهي هي التي تأخذ غالبا المكان الأعظم.
■ ما نوع العلاقة التي تجمعك بالأدب؟
□ علاقة قارئ وأستاذ وباحث جامعي. ولكن يجب أن أقول إن القراءات التي قمت بها بطريقة تلقائية و»ساذجة»، بدون أي التزام مهني، قد تركت فيّ أثرا كبيرا. إنها تجربة عاطفية وإنسانية بحتة.
■ ما هو النص الأدبي بالنسبة لك؟
□ وهذا سؤال آخر ليس من السهل الإجابة عنه، لأننا قد نجازف في الوقوع في تعريف معياري؛ وهو عكس ما يمكن أن يُعرَّف به النص الأدبي. ولكن بوسعي توخي الحذر والقول إنه في النص الأدبي، هناك حس معين للنظم والحبك السردي، وبناء حي وموثوق للشخصيات، وحس اللغة كفضاء للإبداع والقدرة على خلق عوالم ومناخات فريدة من نوعها. لا يقتصر النص الأدبي على المحاكاة البسيطة، أو إعادة إنتاج صيغة جاهزة… كما أنه لا يقتصر على بنية شكلية وأسلوبية محضة. ينقل النص الأدبي للقارئ القيم والعواطف وتعدد الخبرات وأشكال الحياة.
■ في ظل الحجر الصحي لمحاربة Covid-19 كيف يمكن للأدب ترجمة الأزمة الصحية؟
□ هناك بالفعل أفلام تمت أو تتم صناعتها حول هذا الوباء. وتقوم Netflix حاليا ببث سلسلة تلفزيونية عن هذا الموضوع. ويشتغل عليه بعض الكتاب على وجه السرعة عن طريق النشر في الصحافة. وعلى أي حال، فإن هذا ليس بالأمر الجديد. فهناك أدب عالمي واسع النطاق عن الأوبئة والأوبئة الفيروسية التي انتشرت عبر التاريخ البشري. أليساندرو مانزوني، دانيال فو، برام ستوكر، إدغار بو، ماري شيلي، جاك لندن، ألبرت كاموس، خوسيه ساراماغو، دين كونتز، أندريه شديد، أورهان باموك، دراغو جانكار، أمير تاج السر، هم مؤلفون كتبوا، بطرق متباينة، عن هذه الآفات. قبل قرابة الأربع سنوات، نشر الكاتب الافريقي الجنوبي ديون ماير رواية سابقة عن الفيروس التاجي، نشرت ترجمتها الفرنسية دار نشر Seuil في باريس تحت عنوان «عام الأسد»، وعنوانها الأصلي باللغة الافريقانية هو «الحمى»، هؤلاء الكتاب الذين أشرت إليهم يعالجون في نصوصهم الأدبية الحالة الوجودية للإنسان أثناء الأوبئة. وهذا الأدب هو مختبر حي لسبر الهشاشة ووصف التصرفات غير المتوقعة والعواقب الناتجة عن معاناة الإنسان خلال الأزمات الصحية.
■ كونك مثقفا، كيف تقضي فترة الحجر الصحي؟
□ ـ أفهم جيدا أن هذا الحجر الصحي إلزامي، بل ضار لبعض الأشخاص، خاصة الذين يعانون من وضعية هشة. بالنسبة لي، مكنني الحجر الصحي من الابتعاد عن الصخب والعمل في ظروف هادئة. وبما أن أبنائي أصبحوا الآن من الشباب الراشدين المستقلين، فأنا أقل تقيداً بالتزامات يومية معينة تتعلق بهم. لذا، فإنني أمضي وقتي بين القراءة والكتابة والموسيقى والأفلام، وفي النقاشات التافهة أحيانا (نحتاج إلى جرعة من التفاهة في الحياة) والمثيرة أحياناً أخرى. كما لاحظت أنني قد فقدت مفهوم الزمن في هذا الحجر؛ كعامة الناس على ما أعتقد.
■ كلمة للقارئ؟
□ القارئ العزيز، الكتب والحياة لا يتعارضان، بل يتكاملان. فلننظر إلى الماضي ليس من أجل العودة إليه، بل من أجل أن نعيش جيدا حاضرنا ونوجه أنفسنا نحو المستقبل الذي هو أكثر أهمية.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *