حذّر نشطاء وإعلاميون تونسيون وعرب من أن الانقلاب الذي نفذه الرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور الذي أتى به للحكم، ستكون له تداعيات إقليمية ودولية على تونس وعلى المنطقة.
جاء ذلك في ندوة فكرية وسياسية نظمتها صحيفة “عربي21″، اليوم السبت، وأدارها الزميل عادل الحامدي، وشارك فيها كل من أنور الغربي مستشار الشؤون الدولية للرئيس التونسي السابق، ومحمد العربي زيتوت الديبلوماسي الجزائري السابق، وجورج صبرا القيادي في المعارضة السورية، والطيب الغيلوفي الكاتب والإعلامي التونسي، ونور الدين لشهب الكاتب والإعلامي المغربي.
وأجمع المشاركون في الندوة على اعتبار أن ما قام به الرئيس التونسي قيس سعيد، كان انقلابا كامل الأركان على الدستور وعلى إرادة الشعب في تونس.
وأكد أنور الغربي، أن “الفصل 80 من الدستور لا يتيح للرئيس قيس سعيد أن يقوم بما قام به من إجراءات، وأن غالبية خبراء القانون الدستوري في تونس صنفوا ما جرى بأنه انقلاب”.
وأشار إلى وجود قلق كبير في أوساط النخب السياسية والحقوقية العالمية إزاء ما يجري في تونس، وتحدث عن وجود ملفات حقوقية بدأت في الوصول إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي تتحدث عن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان جرت، ولا تزال تجري في تونس منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية، في 25 تموز (يوليو) الماضي.
وذكر الغربي، أن “تونس تحولت بفعل قرارات فردية يتخذها الرئيس قيس سعيد بمفرده، إلى سجن كبير في وجه عشرات البرلمانيين والإعلاميين والنشطاء والسياسيين ورجال الأعمال”، معتبرا أن ذلك ستكون له تداعيات سلبية على سمعة تونس التي قال بأنها اعتمدت بعد الثورة على الديبلوماسية القائمة على حقوق الإنسان.
من جهته أكد الديبلوماسي الجزائري السابق محمد العربي زيتوت، أن “انقلاب قيس سعيد على التجربة الديمقراطية، ما كان له أن ينجح لولا وجود تواطؤ من النظام الجزائري وقبول خفي به”.
واعتبر زيتوت ما جرى في تونس، بأنه مرحلة من مراحل نجاح الثورات المضادة في وأد لرياح الربيع العربي، لكنه أكد كذلك بأن مصيره إلى الفشل، لأن ما ينتظره التونسيون كبقية الشعوب العربية هو العمل والتنمية مع الكرامة، وليس فقط الشعارات الجوفاء.
ولفت زيتوت الانتباه إلى أن النخبة السياسية في تونس تتحمل جزءا من مسؤولية ما جرى من ردة، وذلك بسبب تساهلها في التعامل مع رموز الثورة المضادة، الذين كشفوا عن وجوههم منذ مطلع الثورة، لكنه أكد أيضا، أن فرنسا لعبت دورا مركزيا، ولا تزال، ضد حق الشعوب المغاربية في تقرير مصيرها.
وأضاف: “في كل الأحوال هذه محطة من محطات التدافع التي تقودها شعوبنا ضد الاستبداد والقوى الاستعمارية الداعمة له، ربما ستحتاج منا إلى المزيد من الإبداع من أجل إتمامها وإنجاز الحرية المطلوبة”، وفق تعبيره.
أما القيادي في المعارضة السورية جورج صبرا، فقد أكد أن “القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد وحله للبرلمان والحكومة وتوليه للنيابة العامة وظهوره وهو إلى جانب القيادات العسكرية تذكره بالبيانات رقم واحد والانقلابات العسكرية في سوريا”.
وقال: “لقد حملت الثورة التونسية أحلام السوريين والعرب جميعا، ونحن بالفعل نضع أيدينا على قلوبنا مع هذا الغموض الذي يلف الساحة التونسية، ومع إصرار الرئيس قيس سعيد على قيادة البلاد بعيدا عن الدستور وعن البرلمان”.
وأضاف: “نشعر بألم شديد لما يجري في تونس، ونأمل أن يتمكن الديمقراطيون في تونس، وهم كثيرون، أن يعيدوا القطار إلى السكة، لأنني فعلا مستغرب كيف يتحول برلمان منتخب من الشعب إلى خطر داهم على الشعب الذي انتخبه.. هذا فعلا مؤشر خطير، وهو أمر لا يقدم عليه إلا المستبدون”، على حد تعبيره.
أما الطيب الغيلوفي، الكاتب والإعلامي التونسي فأكد أن “تونس تعيش في ظل وضع غامض للغاية، لكن هذا الوضع ما كان له أن يحصل لولا وجود تأييد إقليمي ودولي له، في إشارة إلى المواقف الجزائرية والفرنسية والإماراتية والمصرية”.
وأضاف: “لكن مع ذلك أعتقد أن الرئيس يسير في طريق مسدود، وأنه لا يستطيع أن يقود تونس بمفرده، وأن يواجه التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وأنه أخطأ في الإساءة إلى دول جارة مثل ليبيا وصديقة مثل تركيا وقطر خدمة لأجندة إقليمية ودولية”، على حد تعبيره.
من جهته اعتبر نور الدين لشهب الكاتب والإعلامي المغربي، أن “ما جرى في تونس هو مزيج من انقلاب مصر الناجح وتركيا الفاشل، وأن مفاعيله ستكون على دول الجوار كذلك، لا سيما في المغرب، الذي يستعد للانتخابات التشريعية مطلع الشهر المقبل”.
ورأى أن “حظوظ إسلاميي المغرب تتراجع في الانتخابات المقبلة بالنظر إلى ما جرى في تونس، حيث بدا هناك شعور بأن قوس مشاركة الإسلاميين في إدارة الشأن العام بدأ يقترب من نهايته”، كما قال.
وفي 25 يوليو/ تموز الماضي، قرر سعيد تجميد البرلمان، لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية، بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
وفي 23 أغسطس/ آب الجاري، أعلن الرئيس تمديد تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه “حتى إشعار آخر”.
ورفضت غالبية الأحزاب التونسية قرارات سعيد الاستثنائية، واعتبرها البعض “انقلابا على الدستور”، بينما أيدتها أخرى رأت فيها “تصحيحا للمسار”، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
[wpcc-iframe width=”560″ height=”315″ src=”https://www.youtube.com/embed/R5K5PLEufjI” title=”YouTube video player” frameborder=”0″ allow=”accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture”]