شخوصٌ مسرحيّة ترقص في لوحات السعودية دنيا الصالح
[wpcc-script type=”8463a226f9090a4eab0acfae-text/javascript”]
من قال أن وجود الشخوص المسرحيّة حِكرٌ على خشبة المسرح فحسب، وأن السينوغرافيا بتفاصيلها الدقيقة لا تُخلق إلا بين ذراعي المسرح وعلى أحضانه، ها هم الممثلون والراقصون يعيشون على بياض لوحات الفنانة السعودية (دنيا الصالح) فقد استحضرتهم من الواقع ليكونوا أرواحاً تتنقّل على إيقاعات ألوانها ما بين الحار المشتعل والبارد الحالم بتتابعهما الحركي المتدفق بتناغمٍ لافت، فاتحين الباب على مصراعيه للخيال من خلال جمال حركتهم وسحرها.
عالمٌ كامل التفاصيل تخلقه (دنيا الصالح) على خشبة لوحاتها وتسدل عليه ستاراً من مفرداتٍ تؤلف من خلالها قصصاً وحكايات معتمدةً على صيغةٍ سرديّةٍ ممتعة تجعل لوحاتها قابلةً للقراءة كأي نصٍ أدبي، فيستقبل المتلقي الإيحاءات الراقصة تعبيرياً والأشخاص المصوَرين تجريديّاً ضمن تصوّرات ذهنيّة تفرضها اللوحة من خلال تصوّير المكان بجمالياته والزمان بمتاهاته، عبر تناسق وانسجام الألوان تارةً وتضادها تارةً أخرى، وعبر جدليّة النور (ما بين الضوء والظل)، والحوار بين الإيحاءات الأمامية والخلفية التي تعطي عمقاً للوحة بالإضافة إلى الرشاقة التي تمنحها إياها الخطوط الأنثويّة الليّنة المنسابةُ بخفةِ راقصة باليه تمشي على حبال الروح، متناغمةً مع موسيقى اللوحة وانعكاسات الإضاءة بين جنباتها، لتحملَ الكثير من الدلالات عن واقع المرأة، مسلّطةً الضوء على سلبياته وعيوبه، فهذه المرة اللوحة تنتظر من روح (دنيا) قبل ريشتها أن تمسح على جبين النساء وتزرع البسمة على وجوههن، فأحاسيسها الواضحةٌ في اللوحة ضمن الوجوه والأجسام السرياليّة تمنح أعمالها ذاتيّةً ومصداقيّة في حديثها مع المتأمل والمتفكر، فهي تناقش ثنائية الذكر والأنثى، الواقع والخيال، اللون والحركة، والعلاقات بين كلٍّ منهما، والقدرة على مزج الروح مع الجسد عبر أشكال متماهيّة مع المحيط لتكون أكثر قدرة على بثّ الجمال وملامسة الحواس.
مساحاتٌ واضحةٌ أحياناً ووهميّة وشفافة في أحيانٍ أخرى، تحمل إيقاعات وخلجات النفس البشريّة، بألوانٍ تتلوّن حسيّاً وفق انحناءات الأنوثة في اللوحة في انسجامٍ تام بين نغم كل لون والآخر، لتتألف سيمفونيّة تحرّك مشاعر المتلقي فينبهر لقدرة اللون على التأثير السيكولوجي الذي ينقله لروح الفنانة وعالمها الداخلي، تبدأ هذه المساحات من نقطة التقاء عيوننا باللوحة لتنتهي بنا في اللا نهاية حيث تدور الأبعاد الفلسفية المنسوجة بدقةٍ شديدة مع روحانية الفن التي خلقتها التعبيرية ضمن دوائر ومدارات رسمتها خطوط (دنيا الصالح) في فراغاتٍ مدروسة لتمنح الفكرةَ صيغاً جماليّة، وتكسوها بدلالات ورموز التجريد الذي يمنح أعمالها المعنى الإيمائي المستوحى من جمالية التكوين الإنساني.
كما أن التأثيرات الضوئية التي مزجتها الفنانة مع الألوان والخطوط تؤثر بصريّا على الإمتاع الحسي فيزيولوجيا، لتتباهى بالأنثى وجمالياتها، مما يخلق تكيّفاً حسيّاً يؤدي إلى إبصار كافة مستويات الضوء والظل، اللون، النقطة، الخط ،المساحة والفراغ، والأبعاد الزمنية الشعورية واللا شعورية السابحة ذهنيا في فضاءات تخيلية تنعكس على مفاهيم الفرح، والانتشاء الكوني، والجمال.
فرحٌ مقبل من الصحراء تحمله الفنانةٌ الشابة (دنيا الصالح) وتقدّمه لنا لوحاتٍ من الجمال الصرف يشبع جوعنا للحلم.
تشكيلية سورية
بسمة شيخو