لندن – وكأن قدر اللاجئين السوريين أن تلاحقهم المعاناة أينما حلوا وارتحلوا، فما كاد عدد من طالبي اللجوء السوريين في بريطانيا، يستشعرون أمان الوصول لبلد يقيهم شرور الحرب وأهوالها، حتى عاجلتهم الحكومة البريطانية بقرار أحدث حالة من الخوف والصدمة في صفوفهم.
فمباشرة بعد تمرير الحكومة البريطانية لخطة ترحيل طالبي اللجوء من غير المتزوجين إلى رواندا، ظهر أن أول فئة سوف يتم ترحيلها هي مجموعة من السوريين، رغم كل اللغط الحقوقي والقانوني حول هذه الخطة.
ولأسابيع ظلت علامات استفهام كثيرة حول الأشخاص الذين ستطالهم خطة الترحيل إلى رواندا، وتاريخ انطلاق عملية الترحيل، وقد بدأت تدريجيا معطيات كثيرة تظهر حول هذه الخطة المثيرة للجدل.
أول الضحايا
وفق المعطيات التي حصلت عليها الجزيرة نت من مصادر برلمانية تتابع ملف ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، فإن أول دفعة سيتم ترحيلها ستكون من طالبي اللجوء السوريين وعددهم حوالي 15 شخصا كلهم وصلوا للبلاد بمفردهم وليس رفقة أسرهم.
نفس المصادر التي تحدثت للجزيرة أكدت أن عملية الترحيل ستتم الأسبوع المقبل في رحلة من بريطانيا إلى رواندا وتحديدا في 14 يونيو/حزيران الجاري، وهناك تبدأ عملية دراسة طلبات لجوئهم وبعدها يمكن لهم الحصول على حق البقاء والعيش في رواندا.
أما عن أسباب اختيار اللاجئين السوريين دون غيرهم، ليكونوا أول المرحلين، فقد عبرت المصادر عن دهشتها لهذا الاختيار، “لأننا كنا نعتقد أن آخر من ستفكر الحكومة في ترحيلهم هم اللاجئون السوريون”.
صدمة وخوف
وبنبرة لا تخلو من إحباط تحدث عثمان مقبل رئيس مؤسسة “سوريا للإغاثة” (SYRIA RELIEF) في بريطانيا، للجزيرة نت، معبرا عن خوفه من أن يكون لطالبي اللجوء السوريين حصة الأسد من عملية الترحيل هذه.
وأكد عثمان مقبل أن مؤسسته رفقة عدد كبير من المؤسسات تحاول الترافع لمنع ترحيل اللاجئين، “لكن الحكومة البريطانية تتعامل بمنطق أصم ولا ترد على أحد لأنها تعلم أن لديها أغلبية مطلقة في البرلمان”.
ووصف عثمان مقبل الأجواء في صفوف عدد من طالبي اللجوء بكونها “أجواء خوف وصدمة، وهذا أمر طبيعي، فبعد رحلة شاقة للوصول إلى بر الأمان تجد نفسك مهددا بالترحيل إلى رواندا من جديد”.
ووصف الناشط الإنساني طالبي اللجوء السوريين بأنهم “الحلقة الأضعف وهناك رسالة تريد الحكومة الغربية إيصالها لهم وهي العودة إلى سوريا تحت مبرر أنها باتت آمنة”، مؤكدا أن الشهادات التي حصل عليها من السوريين “تؤكد أن كل من يعود إلى دمشق يختفي”.
قلق وإحباط
وكشف كلير موزلي، المدير المؤسس لمؤسسة “كير فور كاليه” (Care4calais) المدافعة عن حقوق اللاجئين، أن مؤسسته تحدثت لأكثر من 100 شخص من طالبي اللجوء، تم إخبارهم بتحضير أنفسهم للترحيل إلى رواندا رغم رفضهم لهذا الأمر.
وأكد الناشط الإنساني البريطاني في تصريحه للجزيرة نت، أن الشعور السائد بين هؤلاء “هو الخوف والصدمة والإحباط”، مضيفا أن طالبي اللجوء كانوا يؤمنون أن “المملكة المتحدة ستكون مكانا أفضل للعيش وبأنها ستتعامل معهم بشكل أكثر عدلا وإنصافا من الأماكن التي فروا منها”.
وشدد كلير موزلي على موقف العديد من المؤسسات الحقوقية البريطانية التي ترى في خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا بأنها “خطة لا تحترم القانون ونتمنى أن تتفق المحكمة العليا مع هذا الطرح”.
اللجوء للقضاء
دخلت الجمعيات الحقوقية التي تعنى بقضية اللاجئين في بريطانيا، في سباق مع الزمن، من أجل إيقاف خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وبعد أن أغلقت الحكومة كل أبواب الحوار، لم يعد من خيار إلا طرق باب المحكمة العليا، لأخذ رأيها في هذه الخطة، وهل تحترم حقوق الإنسان والقوانين البريطانية أم لا.
وأعلنت 3 مؤسسات وهي “نقابة الخدمات العمومية والتجارية” (PCS) ومؤسسة “كير فور كاليه” (Care4Calais) ومؤسسة “إجراءات الاحتجاز” (Detention Action)، عن مساندتها لـ4 من طالبي اللجوء سيتم ترحيلهم الأسبوع المقبل، من أجل رفع تظلمهم للمحكمة العليا التي لها الصلاحية لإلغاء قرار وزارة الداخلية البريطانية ومنع ترحليهم.
وتم توكيل مكتب محاماة شهير في لندن من أجل متابعة هذه القضية المستعجلة، وسوف تركز مرافعة هيئة الدفاع على عدد من الأسانيد، من بينها أن وزارة الداخلية لا يجب أن تكون لديها الصلاحية المطلقة لترحيل اللاجئين، ثم كذلك، دحض وصف رواندا بأنها بلد آمن ولن يتعرض فيها اللاجئون لأي خطر على حياتهم، وكذلك الوضع الحقوقي للبلاد هناك والوضع الصحي أيضا، للوصول إلى خلاصة أن ترحيل طالبي اللجوء هناك سيعرض حياتهم للخطر.
ومن المتوقع أن تباشر المحكمة العليا النظر في هذا الملف خلال هذا الأسبوع، لأنه طلب مستعجل لإيقاف عملية الترحيل التي ستنطلق الأسبوع المقبل، وفي حال قضت المحكمة العليا ببطلان ترحيل طالبي اللجوء ستكون ضربة موجعة لحكومة بوريس جونسون.