القدس المحتلة- في ذكرى مرور 55 عاما على حرب يونيو/حزيران 1967، والاحتلال الإسرائيلي لباقي الأراضي الفلسطينية بما فيها شرقي القدس، يستحضر سياسيون ومفكرون إسرائيليون مضمون كتاب “لو خسرت إسرائيل الحرب”، للكاتبين الأميركيين إدوارد كلاين وروبرت ليتيل.
ويتناول الكتاب سيناريو ما كان سيحدث لو خسرت إسرائيل “حرب الأيام الستة” (حرب يونيو/حزيران 1967)، وهي الهواجس ذاتها التي تعيشها دولة الاحتلال خشية حرب متعددة الجبهات في المستقبل، وخصوصا مع احتدام صراعاتها الداخلية.
يلامس الكتاب -الذي صدر عام 1969- التحديات التي تواجهها إسرائيل اليوم أيضا على ضوء المتغيرات والتحولات الإقليمية، والخوف من تخلي الحليف الأميركي عن دعمها، مع تعزّز عقدة ولعنة “العقد الثامن” التي تنذر بزوال الدولة العبرية.
وتروّج إسرائيل، ابنة الـ74 عاما، بأنها تمتلك واحدا من أقوى الجيوش وأكثرها تطورا في العالم، وبأن لديها اقتصادا قويا وصناعات دفاعية ذات شهرة عالمية، رغم الصراعات الداخلية بين تياراتها اليهودية المتباينة التي تنذر بتفككها، وكذلك صراعها على الثقافة والهوية المستقبلية للدولة العبرية.
الحاجة إلى رواية جديدة
يقول مفكرون وكتاب إسرائيليون إنه على “دولة إسرائيل” أن تسأل نفسها في “يوم الاستقلال” إذا ما كانت ستتخطى العقد الثامن، بسبب الصراعات الداخلية واحتدام الصراع مع الأعداء على أكثر من جبهة، وعما إذا كانت المساعدة الأميركية لا تزال عاملا يعزز مرونتها أم أنها أصبحت بالفعل عبئا يقيّد ويمنع علاقاتها مع الدول الأخرى.
ويستعرض الباحث بمركز “بيغن- السادات” للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية، اللواء احتياط جرشون هكوهين، المخاوف الإسرائيلية من خلال ما يسمى “تدمير الهيكل الثالث”، الذي يشير إلى دولة إسرائيل في فلسطين التاريخية.
ولتبديد مشاعر الخوف من الهزيمة في أي حرب مستقبلية، يعتقد الباحث أنه يجب على إسرائيل أن تؤسس وتصيغ رواية يهودية جديدة تتكيف مع التحديات المستقبلية، وهو ما يقتضي وجود “قيادة سياسية صهيونية ذات مكانة روحية عُليا”، على حد تعبيره.
قلق وجودي
يقول هكوهين إن كثيرا من المفكرين اليهود وبعض القيادات السياسية والعسكرية أيضا حذّرت من “خطر العقد الثامن” على دولة إسرائيل، حسب وصف وزير الأمن السابق إيهود باراك، في مقال بمناسبة “الذكرى الـ74 لاستقلال إسرائيل”.
والقلق بشأن مستقبل إسرائيل -يقول هكوهين- “هو أولا وأخيرا يهودي بسبب المصير الفظيع المتوقع لليهود الإسرائيليين في هذا السيناريو الوجودي المفزع. صحيح أن سكان أم الفحم أيضا أو الطيبة (من فلسطينيي الداخل) سيفقدون في مثل هذا الوضع مظلة دولة إسرائيل، لكن استمرار إقامتهم في أماكن سكناهم في أحضان العائلة الأوسع لا يخضع للتهديد”.
من هذا المنظور، يقول الباحث إن “القلق من زوال إسرائيل هو يهودي بامتياز، وهذا القلق يؤسس لمكون أساسي في جذور هوية إسرائيل وهدف وجودها كدولة يهودية. بهذه الروح، كرر بن غوريون التأكيد أن دولة إسرائيل ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما وسيلة لتحقيق الهدف الأبدي وهو فداء إسرائيل، وتجمع اليهود المشتتين والاستقلال الوطني”.
عقدة الدولة الثالثة
ويشير هكوهين إلى أن التاريخ أثبت أن “مملكة داود وسليمان”، وهي الدولة الأولى لليهود، لم تصمد أكثر من 80 عاما، وكذلك “مملكة الحشمونائيم”، وهي الدولة الثانية لهم التي انتهت في عقدها الثامن، في حين أن إسرائيل وهي “الدولة الثالثة” تزحف بجيل 74 عاما نحو العقد الثامن.
وعن عقدة “العقد الثامن” والمخاطر المحدقة بإسرائيل، كتب باراك في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن “إسرائيل في عامها الـ74، وهي بالعقد الثامن من حياتها لم تعد طفلة ويلزمها حساب ذاتي واستخلاص العبر من تجارب الماضي، لقد ولدنا هنا قبل نحو 3500 سنة. لكن طوال الطريق، فقط في فترتين قصيرتين، قامت للشعب اليهودي سيادة كاملة في أرضه؛ مملكة سلالة داود وسليمان ومملكة الحشمونائيم”.
وأضاف باراك، الذي شغل سابقا منصب وزير الأمن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، أن “العقد الثامن بشّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة. في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعا لروما حتى خراب الهيكل الثاني”.
وتابع باراك “المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ.. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية”.
ممزقة ومصابة
وهذا الطرح أيضا تبناه الكاتب الصحفي آري شافيت، الذي استعرض -في كتابه “البيت الثالث” بالإشارة إلى “دولة إسرائيل”- كيف أصبح الإسرائيليون “العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من استقلال الدولة العبرية”، قائلا “يمكن مواجهة التحديات الأمنية، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه”.
وتساءل بشأن ما وصفه بـ”المعجزة الإسرائيلية” وما الذي يفسر استمرار وجودها لعقود، وما التهديد الوجودي الجديد الذي تواجهه الدولة العبرية، مشيرا إلى أن إسرائيل تشهد حالة تفكك داخلي ومحاولات من أجل إعادة تجميعها، قائلا “لن يكون هناك بيت رابع. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي”.
ويقول شافيت “بالنسبة لي، إن إسرائيل معجزة من صنع الإنسان؛ فلم يقم أي بلد في العالم بما فعلناه. لم تحقق أي دولة ديمقراطية ازدهارا مثل دولتنا في مثل هذه البيئة المعادية. رغم كل الأعداء والحروب والمتاعب والفشل والأخطاء، فتحقق الحلم الصهيوني”.
ويضيف “لكن في السنوات الأخيرة، شعرنا جميعا أن شيئا ما قد حدث بشكل خاطئ. فعلى الرغم من أن إسرائيل قصة نجاح نادرة، فإنها ممزقة ومصابة وتتألم وتنزف. لقد فقدت طريقها وضلّت البوصلة”.
وقّعت شهادة زوالها
وفي قراءة لفقدان البوصلة هذه، يعتقد الكاتب والمحلل الإسرائيلي روغل ألفر أن إسرائيل وقعت على شهادة زوالها، وعزا ذلك إلى أسباب عدة منها حرب متعددة الجبهات، إضافة إلى تفكك داخلي، وتفشي الفساد، والصراعات الداخلية بين التيارات اليهودية، والصراعات الثقافية في المجتمع الإسرائيلي.
وكتب ألفر -في صحيفة “هآرتس”- أنه “في الحرب المقبلة لإسرائيل مع الأعداء، سيتلقى السكان اليهود في البلاد الأوامر بالانتحار”.
واستذكر أنه عندما انتصر الجيش المصري واحتل بلدة “نيتسانيم” خلال حرب عام 1948 “في جنوب الدولة العبريّة”، أصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك الأوامر للجنود والضباط اليهود بالقتال حتى الموت. وكذلك قتل الضباط والجنود اليهود الذين يقررون الاستسلام “للعدو”.
يقول الكاتب الإسرائيلي أنه منذ ذلك الحين تبلورت في إسرائيل “ثقافة الموت والفداء من أجل الوطن”، بمعنى أن اليهود لا يستسلِمون خلال الحرب، و”بسبب ترسيخ هذه الثقافة، يعيش اليهود منذ عقود في حالة توحي لهم جديا أن الآلاف منهم سيموتون في حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات”.
وأكد أن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتعمد الترويج للسكان في الدولة أن الحرب المقبلة -التي سيسقط فيها آلاف الصواريخ من لبنان وإيران وقطاع غزة على العمق الإسرائيلي، وسيقتل فيها آلاف السكان- هي مجرد مسألة وقت ليس إلا”.