غاب حيا وحضر ميتا.. الرئيس المصري محمد نجيب من الظلم إلى التخليد

محمد نجيب الذي وُصف بـ”الرئيس المظلوم”، يعد علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث سياسيا وعسكريا، ومن التهميش إلى التخليد، اختلف تعامل ورؤية رؤساء مصر المتعاقبين مع تاريخه السياسي والعسكري.
الرئيس محمد نجيب في مكتب الفريق حسين فريد بعد الأستيلاء عليه
الرئيس محمد نجيب (يمين) يترأس اجتماعا مع الضباط الأحرار خلال الأيام الأولى لحركة الجيش عام 1952 (الجزيرة)

القاهرة- في 28 أغسطس/آب 1984 توفي اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد إعلان الجمهورية وإنهاء الحكم الملكي في 18 يونيو/حزيران 1953، حيث كان قائدا لحركة “الضباط الأحرار” التي مهدت للإطاحة بفاروق الأول آخر ملوك مصر في 23 يوليو/تموز 1952.

ونجيب الذي وُصف بـ”الرئيس المظلوم”، يعد علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث سياسيا وعسكريا، وقد ولد في 20 فبراير/شباط 1901، ولم يستمر في حكم مصر طويلا، إذ أجبر على ترك المنصب بعد خلاف مع “الضباط الأحرار” بقيادة جمال عبد الناصر عام 1954.

ومن التهميش إلى التخليد، اختلف تعامل ورؤية رؤساء مصر المتعاقبين مع نجيب وتاريخه السياسي والعسكري.

محطات الرئيس “المظلوم”

بحسب مصادر تاريخية منها الموقع الرسمي للرئاسة المصرية، وموقع محمد نجيب الصادر عن مكتبة الإسكندرية، ومذكراته الشخصية، فإن نجيب:

  • شارك في ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي، رغم مخالفة ذلك لقواعد الجيش.
  • أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي، وآخر في القانون الخاص.
  • كان ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936، (منحت مصر استقلالا شكليا عن الاحتلال البريطاني، وفق مصادر تاريخية).
  • قدمّ استقالته من الجيش نظرا لتدخل الإنجليز في شؤون مصر الداخلية، وذلك عقب حصار الدبابات البريطانية قصر الملك في 4 فبراير/شباط 1942 لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء أو التنازل عن العرش، لكن الملك رفض استقالته.
  • عُين عام 1944 حاكما إقليميا لسيناء.
  • شارك في حرب فلسطين عام 1948 وأصيب 3 مرات، فمُنِح نجمة فؤاد العسكرية الأولى بالإضافة إلى رتبة البكوية لشجاعته.
  • رفض انفصال السودان عن مصر، وقال إن رغبته الأخيرة أن ينتقم من الهزيمة في فلسطين ويجاهد لوحدة وادي النيل.
  • عقب حرب فلسطين، تعرّف على تنظيم “الضباط الأحرار” (الذي كان مؤسسه ورئيسه جمال عبد الناصر)، من خلال عبد الحكيم عامر (نائب عبد الناصر لاحقا).
  • حين وقع حريق القاهرة مطلع 1952، وقع الصدام بين نجيب والملك فاروق، بعد أن قام الأخير بترقية حسين سري عامر قائدا لسلاح الحدود بدلا منه، ليبدأ “الضباط الأحرار” في التشاور لتغيير الأوضاع جذريا والإطاحة بالنظام الملكي.
  • بعد نجاح حركة يوليو والإطاحة بالملكية، رفض نجيب إعدام الملك، واُختير رئيسا لمجلس قيادة الثورة.
  • شكل وزارته الأولى (كأول رئيس وزراء غير مدني بمصر) في 8 سبتمبر/أيلول 1952، وتولى فيها منصب وزير الحربية والبحرية مع احتفاظه بالقيادة العامة للقوات المسلحة.
  • في 18 يونيو/حزيران 1953، أصبح نظام الحكم في مصر جمهوريا، وعُيّن نجيب أول رئيس لمصر.
  • ألفَّ عدة كتب، منها: “رسالة عن السودان”، و”مصير مصر” (باللغة الإنجليزية)، و”كلمتي للتاريخ”، و”كنت رئيسًا لمصر”.

 معركة الديمقراطية والتهميش

رغم تنصيبه رئيسا للوزراء بعد شهرين من الإطاحة بالملكية، فإن السلطة الحقيقية كانت في يد عبد الناصر، نائبه آنذاك، حسبما ذكر نجيب في مذكراته.

وخلال فترة حكمه رئيسا للبلاد، عانى من ضغوط مجلس قيادة الثورة، وتقدم باستقالته مرتين، الأولى عاد فيها بعد ضغوط شعبية والثانية رفضها المجلس خشية وقوع حرب أهلية واستكمالا لرغبته في استمرار الوحدة مع السودان.

وبعد عامين من الرئاسة، أطاح به المجلس، حيث كان لدى الجانبين وجهات نظر مختلفة حول الديمقراطية وعودة الحياة النيابية والجيش لثكناته، ورفض المحاكم الثورية للمعارضين، وهي أمور كان يرفضها فريق عبد الناصر.

ووضع نجيب رهن الاعتقال وقيد الإقامة الجبرية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وذلك بعد محاولة اغتيال عبد الناصر المعروفة بـ”حادث المنشية” في محافظة الإسكندرية، حيث تم الزج باسمه فيها بعد اتهام جماعة الإخوان المسلمين بتدبير الحادث، وأنه يتعاطف مع الجماعة.

وفي مذكراته، يصف نجيب محاولة الاغتيال أنها “مسرحية دبرها عبد الناصر في محاولة لتحويله إلى بطل شعبي، وفرصة ليتخلص من القوة الوحيدة وهي الإخوان المسلمين”.

وعن يوم عزله، قال نجيب “في ذلك اليوم قال لي عبد الحكيم عامر إن إقامتك في فيلا زينب الوكيل (قصر لزوجة مصطفى النحاس صادرته منها ما عرفت بمحكمة الثورة، ويعرف أيضًا باسم قصر المرج بالقاهرة) لن تزيد على بضعة أيام، تعود بعدها إلى بيتك.

ويضيف “ولكن من يوم دخلت هذه الفيلا وحتى 1983 لم أتركها، أي حوالي 30 سنة”، مشيرا إلى أنه عرف فيما بعد من بعض رجال عبد الناصر الذين جاؤوا إليه يطلبون أن يسامحهم على ما فعلوه به، أن تعليمات صدرت أثناء “خطفه بقتله وإخفاء جثته تماما بإذابتها في حامض مركز”.

وعن أسرته خلال اعتقاله، يقول “تعذب أولادي كما تعذبت أنا”، محملا نظام عبد الناصر مسؤولية مقتل اثنين من أبنائه، الأول توفي متأثرا بمرضه بعد فترة اعتقال، والثاني اغتيل في ألمانيا، بينما كان ثالثهما أكثر حظا بالعمل سائقا في إحدى الشركات المصرية.

تعرّض نجيب خلال اعتقاله للتنكيل على يدي أحد الحراس الذي ضربه على صدره مما سبب له حزنا عميقا في نفسه، حسبما دونَّ في مذكراته التي أشار فيها أيضا إلى طلبه من عبد الناصر أثناء حرب يونيو/حزيران عام 1967 ضد إسرائيل السماح له بالخروج في صفوف الجيش ولو باسم مستعار، إلا أنه لم يتلق أي رد.

كما تتضمن حكايات التهميش في عهد عبد الناصر، شطب اسم نجيب من الوثائق وكل السجلات والكتب، ومنع ظهوره تماما طوال 30 عاما حتى اعتقد الكثيرون أنه قد توفي، كما كان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر.

السادات ورفع القيود

وبعد عام من تولى الرئيس أنور السادات الحكم عام 1970، أصدر قرارا برفع كافة القيود عن نجيب ومعاملته معاملة كريمة، وكان كثير التواصل معه هاتفيا، كما رفع معاشه الشهري، وخصص له سيارتين، إلا أنه ظل ممنوعا من الظهور الإعلامي حتى وفاته.

يقول نجيب في مذكراته إنه تفرغ خلال فترة إقامته الجبرية لعبادة الله وقراءة القرآن وتعلم اللغات، منها الفرنسية والألمانية والروسية والعبرية، وحين خرج من حياة المعتقل لم يصدق ذلك بسهولة، فالسجين بحاجة لبعض الوقت حتى يتعود على سجنه، وكذلك بحاجة لبعض الوقت حتى يعود إلى حريته.

عودة لأوراق التاريخ

وقبل نحو عام ونصف من وفاته، خصص الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981-2011) سكنا خاصا لنجيب بالقاهرة، بعد أن صار مهددا بالطرد من قصر المرج نتيجة لحكم قضائي بحق ورثة زوجة النحاس فيه.

وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عاد اسم نجيب للظهور مجددا، واستعادت أسرته الأوسمة التي حصل عليها، كما أطلق نظام مبارك اسمه على عدد من المنشآت والشوارع، منها محطة مترو أنفاق بوسط القاهرة.

وعام 2007، افتتح متحف خاص (غير رسمي) لنجيب في “القرية الفرعونية”، وهي مشروع سياحي مقام على مجموعة من الجزر النيلية جنوبي القاهرة، يضم مقتنياته وعددا كبيرا من الصور.

وحين توفي نجيب بعد صراع مع المرض لأكثر من 4 سنوات؛ إثر إصابته بغيبوبة في مستشفى كوبري القبة العسكري بالقاهرة، شيعت جنازته عسكريا بحضور الرئيس مبارك.

وفي حوار صحفي سابق مع محمد يوسف، حفيد نجيب، قال إن الأسرة لم تلق معاملة جيدة بعد رحيله عام 1984، حيث لم يذكر اسمه خلال احتفالات ثورة 1952، إضافة إلى تشويه صورته في عدد من الأفلام والمسلسلات.

تخليد واحتفاء

وفي السنوات الأخيرة، زاد احتفاء مصر وتخليدها لاسم الرئيس الراحل نجيب. ففي يوليو/تموز 2017، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي اسم نجيب على قاعدة عسكرية بمدينة الحمام في محافظة مطروح (شمال غرب)، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في أفريقيا والشرق الأوسط.

كما افتتح السيسي آنذاك متحف محمد نجيب الذي يستعرض مجموعة من الصور الخاصة بالرئيس الراحل، إضافة إلى قلادة النيل العظمى التي منحها الرئيس السابق عدلي منصور لأسرة نجيب أواخر 2013، وتمثالا له بالبدلة العسكرية، ونجمة الملك فؤاد الأول التي مُنحت له بعد حرب 1948.

ووقتها، قال السيسي في كلمة الافتتاح “نحتفل اليوم بافتتاح صرح عسكري جديد، يحمل اسم الرئيس الراحل محمد نجيب، تكريما لإسهامه الوطني وبرهانا على وفاء مصر لابن من أبنائها، تصدى للعمل الوطني في لحظة دقيقة وفارقة، فلم يتردد لحظة، وإنما أظهر من الشجاعة والبطولة ما يستحق معه أن نتوقف أمام اسمه بالتقدير والاحترام”.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *