}
فضل صيام تاسوعاء وعاشوراء
يعد اليوم العاشر من شهر الله المحرّم هو يوم عاشوراء حسب ما وردنا على الصّحيح، وهو ما يراه جمهور العلماء أيضاً، وهو ليس اليوم التّاسع كما يقال، وذلك لأنّ كلمة عاشوراء جاءت هنا بمعنى اليوم العاشر، وهذا هو سبب الاشتقاق والتّسمية، وبالتالي فإنّ اليوم التّاسع يسمّى تاسوعاء. (1) وقد ورد أنّ جزاء من صام يوم عاشوراء هو تكفير ذنوب العام الذي مضى، وذلك لما ورد في صحيح مسلم (أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلم – سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفّر السّنة الماضية). (2)
كما ورد عن أبي قَتادة رضي الله تعالى عنه، عن الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (صوم عاشوراء يكفِّر السّنة الماضية، وصوم عرفة يكفِّر سنتين: الماضية والمستقبَلة) رواه النَّسائي في السّنن الكبرى ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: (ما رأيت النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يتحرّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشّهر، يعني شهر رمضان) رواه البخاري، ومسلم، والنَّسائي، وأحمد .
(1)
‘);
}
سبب صيام عاشوراء
إنّ السّبب الرّئيسي وراء مشروعيّة صيام يوم عاشوراء هو أنّ الله عزّ وجلّ قد أنجى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وبني إسرائيل من قبضة فرعون وقومه، ففي ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى – عند مسلم شكراً – فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه). (3)
وممّا ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه، وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه) رواه البخاري ومسلم ، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر) رواه البخاري ومسلم .
كما أنّه يستحبّ للمسلم أن يصوم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من شهر محرّم (4)، وذلك لما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان عام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) رواه مسلم.
مراتب صيام عاشوراء
إنّ مراتب صيام يوم عاشوراء هي ثلاثة وردت في قول ابن القيّم: (فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التّاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصّوم. وأمّا إفراد التاسع، فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشّرع) زاد المعاد لابن القيم .
وقد ورد في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: (حين صام رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله، صمنا اليوم التاسع. قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) رواه مسلم .
وورد عند الإمام أحمد في المسند، والبيهقي في السّنن (5)، عن ابن عباس، أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود: صوموا قبله يوماً، وبعده يوماً)، وعند الإمام أحمد أيضاً وابن خزيمة: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).
حكمة صيام عاشوراء
لقد ورد عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – ندبه لصيام أيّام غير أيّام شهر رمضان من السّنة، ومن هذه الأيام يوم عاشوراء، حيث روى معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: (إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر) متفق عليه .
وقد كان سبب صيامه – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ سيّدنا موسى عليه الصّلاة والسّلام كان يصومه أيضاً، وأنّ هذا اليوم هو اليوم الذي نجّى الله عزّ وجلّ فيه موسى وقومه من فرعون (6)، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم صالح نجّى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه) متفق عليه ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كان يوم عاشوراء تعظمه اليهود وتتّخذه عيداً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: صوموه أنتم) متفق عليه .
حكم صيام عاشوراء
إنّ صيام يوم عاشوراء سنّة أو مستحب، مثله مثل صيام يوم تاسوعاء، فقد ورد أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – كان يصوم يوم عاشوراء (8)، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) رواه الألباني ، وفي رواية لمسلم أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِل إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِل حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
التوسعة في عاشوراء
يرى بعض الفقهاء أنّه يستحبّ للمسلم أن يوسع على أهله وأطفاله في عاشوراء، وقد استدلوا على ذلك يما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (إنّه مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ) رواه الألباني .
وقد قَال ابْن عيينة: قَدْ جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً أَوْ سِتِّينَ فَمَا رَأَيْنَا إِلاَّ خَيْرًا، أَمَّا غَيْرُ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَال مِمَّا يَحْدُثُ مِنَ الاِحْتِفَال، وَالاِكْتِحَال، وَالاِخْتِضَابِ يَوْمَ الْعَاشِرِ وَلَيْلَتَهُ: فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ الاِحْتِفَال فِي لَيْلَةِ الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ فِي يَوْمِهِ بِدْعَةٌ، وَأَنَّهُ لاَ يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْهُ، بَل مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ وَضْعِ الْوَضَّاعِينَ أَهْل الْبِدَعِ، تَشْجِيعًا لِبِدْعَتِهِمُ الَّتِي يَصْنَعُونَهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وبناءً على ذلك فإنّه لم يثبت في فضل هذا اليوم إلا صيامه. (8)
صيام عاشوراء منفرداً
يجوز صيام يوم عاشورء منفرداً، وذلك لأنّه لم يرد أيّ نهي عن هذا الصّيام بالإفراد، ولكن جاء من الأحاديث ما يدلّ على استحباب صيام يوم التّاسع معه، أو يومي التّاسع والحادي عشر، وذلك لما ورد عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: (لمّا صام رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، قال: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التّاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) صحيح مسلم.
وذك في نيل الأوطار: والظاهر أنّ الأحوط صوم ثلاثة أيّام: التّاسع، والعاشر، والحادي عشر، فيكون صوم عاشوراء على ثلاث مراتب: الأولى صوم العاشر وحده، والثّانية صوم التّاسع معه، والثّالثة صوم الحادي عشر معهما، وقد ذكر معنى هذا الكلام صاحب الفتح. (7)
المراجع
(1) بتصرّف عن كتاب الجامع لأحكام الصيام/ محمود عبد اللطيف بن محمود/ الطبعة الثانية.
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 46102/ صوم عاشوراء.. ثوابه.. وحكمه/24-3-2004/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن فتوى رقم 93337/ سبب تشريع صوم يوم عاشوراء/7-3-2007/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(4) بتصرّف عن كتاب مسائل مهمات تتعلق بفقه الصوم والتراويح والقراءة على الأموات/ حسام الدين بن محمد عفانة.
(5) بتصرّف عن فتوى رقم 7552/ مراتب صوم يوم عاشوراء/11-4-2001/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(6) بتصرّف عن فتوى رقم 32561/ الحكمة من صيام النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء/ 27-5-2003/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(7) بتصرّف عن فتوى رقم 31688/ يجوز صيام يوم عاشوراء منفردا/6-5-2003/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(8) بتصرّف عن الموسوعة الفقهية الكويتية/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- الكويت.