
سلط مقال بمجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الضوء على الزعماء الغربيين الذين انتهى بهم المطاف بعد ترك مناصبهم للعمل لدى الحكام المستبدين وأصبحوا بمثابة مندوبي مبيعات يروجون لهم بضاعتهم ويتكسبون من ذلك، بدءا بغيرهارد شرودر مستشار ألمانيا السابق إلى توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق.
وذكر الباحثان كيسي ميشيل وبنجامين إل شميت -الأول صحفي استقصائي والثاني زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بجامعة هارفارد- أن هناك طريقة لمنع هؤلاء الزعماء الغربيين السابقين من التحول لعملاء مأجورين للحكام المستبدين.
وفي ظل استمرار الجيش الروسي في التهديد بغزو أوكرانيا ومفاقمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأزمة الغاز الحالية بالاتحاد الأوروبي، لفت الباحثان ما تردد مطلع هذا الشهر من أن شركة الطاقة العملاقة غاز بروم (Gazprom) التي يسيطر عليها الكرملين رشحت المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر لمنصب جديد في مجلس إدارة إدارتها، وهو ما اعتبره الباحثان جزءا من إستراتيجية موسكو لتقويض رد موحد لحلف شمال الأطلسي.
بديل مريح
وبالرغم من عدم معرفتهما ما إذا كان شرودر سيصعد إلى مجلس إدارة الشركة أم لا، فإن الباحثين لفتا الانتباه إلى ترحيب بوتين بترشيحه أثناء وقوفه بجوار المستشار الألماني الحالي أولاف شولتز في موسكو أمس الثلاثاء، وقد استنتجا أن ثمة بعض الأمور الواضحة.
أولا، حتى لو لم يحصل شرودر على المنصب الجديد فسيظل لديه “بديل مريح” وهو أنه بالفعل رئيس مجلس إدارة شركة النفط الروسية المملوكة للدولة روزنفت (Rosneft) كما أنه رئيس لجنة المساهمين في “نورد ستريم إي جي” التي تسيطر عليها شركة غازبروم، وكلاهما رحب بشرودر في أحضانهما المتملقة. وثانيا، أي أمل في أن خشية العار والتمسك بالأخلاق سيردعان وحدهما السياسيين الغربيين السابقين عن إبرام العقود مع الشركات الاستبدادية، ذلك الأمل قد مات ودفن.
حان الوقت للحكومات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم للمشاركة رسميا وقانونيا في منع القادة السابقين من السير على خطى شرودر والتحول إلى منتفعين من انتشار دكتاتورية السرقة في جميع أنحاء العالم
وعلق الباحثان بأن الوقت قد حان أخيرا للحكومات الديمقراطية في جميع أنحاء العالم للمشاركة رسميا وقانونيا في منع القادة السابقين من السير على خطى شرودر، والتحول لمنتفعين من انتشار دكتاتورية السرقة في جميع أنحاء العالم.
وعددا الكثير من السياسيين الغربيين السابقين الذين أدركوا كيف يمكن أن يكون الارتباط بالأنظمة الاستبدادية مربحا، ومنهم بلير الذي أصبح فور مغادرته منصبه بوقا لدكتاتور كازاخستان السابق، وكذلك رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون الذي انضم إلى مجلس إدارة شركة نفط مملوكة لروسيا.
والحال ذاتها تكررت مع رئيس بولندي سابق ورئيس وزراء فنلندي سابق، ومجموعة كاملة من المسؤولين النمساويين السابقين الذين تبادلوا جميعا بطريقة أو بأخرى وضعهم كمسؤولين سابقين، مقابل أعمال مربحة مع الأنظمة الاستبدادية أو المؤسسات المملوكة للدولة التي تعتبر وكلاء فعالين لتلك الحكومات.
بيان النوايا
ويرى الباحثان أن الوقت قد حان كي يتحد الغرب لمنع القادة السابقين من الانخراط في تمثيل الأنظمة الاستبدادية، أو الشركات ذات الصلة المملوكة للدول بعد تركهم مناصبهم القيادية في بلدانهم.
وقالا إن الخطوة الأولى نحو الحظر النهائي لهذه التبعية للنخبة الاستبدادية لا يمكن أن تكون تشريعية بل ببيان بسيط للنوايا، نظرا إلى أن الكلام عن صياغة السياسات وإصدارها أسهل بكثير من الفعل، وإذا عُمل بشكل صحيح فسوف يستغرق وقتا.
وللقيام بذلك يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفقا للمقال، إصدار بيان مشترك على الفور يكون فيه تعهد للعمل على اتخاذ إجراءات ومعايير تشريعية متزامنة. ومثل هذا البيان -الصادر بتنسيق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو عبر حلف شمال الأطلسي أو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا- لا يحتاج إلى أن يكون معقدا لإصداره.
ويمكن أن يكون إعلانا بسيطا يوضح أن ممارسة المسؤولين السابقين العاملين في الأنظمة الاستبدادية أو السارقة أو وكلائها المرتبطين بها بعد تركهم مناصبهم يجب أن تنتهي.
وسيظل، حسب المقال، مسموحا لهذه الشخصيات بالعمل كجماعات ضغط أو مستشارين أو في مناصب تجارية أخرى. لكن عملاءهم لا يمكن أن تكون لهم صلات بالأنظمة التي توافد عليها شرودر وأمثاله.
وفي الختام، قال الباحثان في مقالهما إنه لن يكون لبيان مشترك بهذا المعنى أي قوة قانونية، لكنه سيشير إلى وضع معيار جديد. وبعد ذلك يمكن لعجلات الحل التشريعي أن تبدأ أخيرا في الدوران.