في ختام «مهرجان الساقية العاشر للأفلام التسجيلية» «النور والظلام» و«حلوان… أنا» يفوزان بجائزة أفضل فيلم
[wpcc-script type=”bc3de3e440ed2205afbe9f80-text/javascript”]
القاهرة- «القدس العربي»: اختتمت فعاليات «مهرجان الساقية العاشر للأفلام التسجيلية» التي أقيمت بـ (ساقية الصاوي) واستمرت لثلاثة أيام من 25 ايلول/ سبتمبر، وحتى 27 من الشهر الحالي. وانقسمت مسابقة المهرجان إلى فرعين .. الأفلام التسجيلية الطويلة والتي تراوحت ما بين 20 وحتى 45 دقيقة، والأفلام القصيرة التي لم تتجاوز 20 دقيقة. وفاز فيلم «النور والظلام» للمخرج «مصطفى درويش» بجائزة أفضل فيلم في فرع الأفلام الطويلة، بينما فئة الفيلم التسجيلي القصير فاز بها فيلم «حلوان .. أنا» لمخرجه «محمد عبد العظيم». وتكونت لجنة التحكيم من: عميد المعهد العالي للسينما غادة جبارة ، أستاذ ورئيس قسم التصوير بالمعهد العالى للسينما وائل صابر، والمخرج شريف عماشة.
على مدار ثلاثة أيام تم عرض العديد من الأفلام التسجيلية الطويلة والقصيرة، إلا أن معظمها دار حول شخصية ما ومعاناتها بشكل أو بآخر. فالغالبية من الأعمال تضمنت الشخصية كمحور رئيسي للفيلم؛ بداية من فيلم الافتتاح (حكاية نادرة) للمخرجة نيفين شلبي، والتي تتخذ من شخصيات حي شعبي فقير في القاهرة- من العشوائيات- طريقاً لحكاية مشكلات أكبر تحيط بهؤلاء … كغياب المياه، والبيوت المتهالكة، والحياة التي لا تليق بإنسانيتهم، في ظِل غياب تام للدولة، وكأنهم يعيشون حياة بدائية بالفعل، فكل ما يحيطهم يوحي بمدى ما وصل إليه هؤلاء من حال يُشبه حال الموتى. لكنهم رغم ذلك يعيشون ويواصلون الحياة. على المنوال نفسه يأتي فيلم بعنوان (أم رحمة) لعلاء مصباح، ويحكي عن امرأة فقيرة تعول ابنتها، ولم تجد إلا شراء «توك توك» بالتقسيط والعمل عليه لإعالة ابنتها. واستمراراً لرصد الشخصيات الفقيرة، لكنها هذه المرّة تعيش في بيئة مختلفة، بيئة البحر والصيد، وهو فيلم المخرج مصطفى حمدي (بحار) ليقترب من حياة صياد السمك وقاربه الصغير، الذي يعتبر الشاهد على حياته كلها، ففيه يعمل ويعيش وينام، هو وزوجته. وهي محاولة لرؤية حياة هذه الفئة عن قرب، خاصة في وقتنا هذا، والمقابلة ما بين حياة سريعة الإيقاع ومستنسخة في كل صورها، وحياة خاصة تمتلك إيقاعها الخاص، وكأننا في مكان آخر وشخص نعتاد رؤيته من خلال مهنته، دون أن نتعرّفه بالفعل.
ومع الاستمرار في رصد الشخصيات، يأتي فيلم (صانع السعادة) للمخرج محمد عطية، ولكن في شكل مختلف قليلاً، حيث يستعرض تطور آلات العرض السينمائي، من خلال شخصية فني إصلاح هذه الآلات، ليتداخل تاريخ الرجل الشخصي والتاريخ التقني للآلة نفسها، بداية من عملها بالفحم، وحتى الوصول إلى الكهرباء وتطورها المتمثل في ضغطة زِر.
أفلام الحالة
ورغم أن معظم الأفلام تنتمي كما سبق القول لشكل أفلام الشخصية، إلا أن بعض هذه الأفلام حاول التوثيق لحالة من الحالات التي يُعاني منها المجتمع المصري في الآونة الأخير، كحالة الاغتراب القسري، سواء بالهجرة أو التهجير. ويمثل ذلك فيلم (هجرة الجذور) للمخرج محمد عبد الحليم. والذي تناول عدة وجوه لقضية واحدة «الهجرة» نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، مثل هجرة الشباب غير الشرعية عبر البحر، وخوض تجربة الموت بديلاً عن الحياة، حالة من اليأس أصابت الجميع، فتساوى الموت مع الحياة. ويُرد على هذه الحالة بأخرى أقسى، ناتجة عن اضطهاد الأقلية المسيحية، وتهجيرهم عن منازلهم وحرقها ودور عبادتهم/ كنائسهم، في ظِل غياب كامل للدولة، كما غابت من قبل عن أولادها من موتى حلم الخلاص الضائع.
الأفلام الدعائية
وأخيراً يأتي الشكل المعهود للأفلام التسجيلية التقليدية، والتي تندرج تحت مُسمى (الأفلام الدعائية)، سواء لمكان أو فكرة أو مُعتقد. ومنها على سبيل المثال … فيلم (القرار) من إخراج أحمد عبد العزيز، الذي يقوم بالدعاية لحدث 30 حزيران/ يونيو، ولرجال القوات المسلحة. ياتي معه أيضاً فيلم (مملكة الحسين) الذي يستعرض تاريخ المسجد الأثري والأحياء المحيطة به، ومكانته في نفوس المصريين. وأخيراً يأتي فيلم (رسول الإنسانية) للمخرج أيمن صفوت، كتنويعة للدعاية الدينية للإسلام، وفق مبررات متوارثة عن انتشاره ورسوخه في الدول التي غزاها العرب حاملين معهم أفكار وتعاليم دينهم الجديد.
إدانة الدولة ودورها الوهمي
لم يكن الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل (النور والظلام) للمخرج (مصطفى درويش) إلا كاشفاً عن دور الدولة المتراجع، والذي يكاد يكون معدوماً مع ذوي الحالات الخاصة، وهم هنا عالم المكفوفين، الذين لا تنظر إليهم الدولة، وتتصنع غض الطرف عن مشكلاتهم وظروفهم السيئة، ويستعرض الفيلم هذه المشكلات بداية من الكتب الخاصة بهم، والمُعدة للقراءة- الكتب بطريقة برايل- حتى رفض بعضهم في الالتحاق بمعاهد الموسيقى، والكثير من الأحوال العصيبة التي يُعانيها هؤلاء، في ظِل مجتمع لا يضعهم في حسبانه من الأساس. المميز في الفيلم أنه لم يثر عاطفة الشفقة التي دائماً ما تكون محور مثل هذه الموضوعات في برامج التلفزيون، أو استعراض حالات خارقة استطاعت تخطي جدار العزلة، بل تم استعراض المشكلات وأصحابها، ومحاولاتهم العيش ونيل حقوقهم، وربما إراداتهم القوية هي اللافت للنظر، فهم لا يريدون شفقة وعطفا، فقط، يريدون حقهم في حياة سليمة، وليست عاجزة كالقائمين عليها.
الذاتية والحِس الروائي
في فيلم (حلوان … أنا) لمخرجه محمد عبد العظيم، والفائز بجائزة أفضل فيلم تسجيلي فئة الأفلام القصيرة، يبدو الحِس الذاتي والنسيج الروائي هو المسيطر على الأحداث، حتى وإن كان المخرج يحاول بالكاميرا استكشاف مدينة حلوان، التي تحولت إلى مأوى للعشوائيات والفقر والباعة الجائلين والبلطجة، ككل الأحياء التي تحولت إلى مناطق خطرة كبيرة، وتناست تاريخها أو حال نشأتها. هنا المخرج أو الراوي يقوم بسرد تفاصيل ذاتية عن بيته وأسرته وأقاربه، والأصدقاء الذين أصبح وصوله إليهم عبارة عن رحلة مثقلة بالهموم، حتى يُلاقيهم في مكان بعيد عن بيته. تبدو الأم التي تكره المكان، وكأنها تعيش في تناقض مزمن بين بيت طفولتها وهذا المكان الموحِش، والذي يبدو أنها أورثت كراهيته للابن، الذي بدوره لا يرى في المكان سوى بؤرة لكائنات لا تحيا، ولا تعرف كيف تعيش. ربما كانت طريقة السرد هي الملمح الأساسي اللافت في الفيلم، فالسرد النابع من الذات لا يسير في طريق مستقيمة، بل يخضع لرؤية هذه الذات وتأويلها المستمر للحدث واللقطة الواحدة، وهو ما أعطى الفيلم شكلا فنيا، رغم الفكرة المتواضعة لموضوعه.
محمد عبد الرحيم