في عام 2017 صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون “كمنتس”
الذي يهدف إلى تسريع هدم المنازل الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948 عبر إعطاء
أوامر هدم إدارية مباشرة من محاكم الاحتلال.
هذا القانون بحسب خبراء يحرم الفلسطينيين من العودة للمحاكم لإلغاء
الأمر.
وعلى الرغم من أن القانون يستهدف
بشكل أساسي تسريع عمليات الهدم إلا أنه يزيد كذلك من نسبة الغرامات المالية
المفروضة على الفلسطينيين الذين شيدوا منازلهم دون ترخيص، حيث تعرقل سلطات
الاحتلال فرص حصولهم على الترخيص لغرض إجبارهم.
تأثيرات إضافية
وقال مدير المركز العربي
للتخطيط البديل سامر سويد لـ”عربي21” إن القانون يزيد بشكل أساسي من حجم ووتيرة الغرامات
المالية وليس الهدم نفسه.
وأوضح بأن الهدم يتعلق عادة
بالظروف السياسية القائمة لأن الاحتلال يجد دوماً الذرائع القانونية اللازمة له
لتنفيذ عمليات هدم المنازل والمساكن الفلسطينية، مبينا بأن الحكومة الإسرائيلية
الحالية لا يوجد لها أي رادع سياسي أمام هدم المنازل، وذلك لأن القانون يتيح لهم
تنفيذ الهدم بأمر من المحاكم المختلفة.
وأشار إلى أن محاكم الاحتلال
عادة ما تصدر قرارات هدم إدارية، أي أنها لا تتيح لأصحاب المنازل الحق بالتوجه
للمحاكم للاعتراض على القرارات، وهو ما يسهل بالتالي عمليات الهدم.
وأكد سويد أن قانون “كمنتس” يزيد الغرامات المالية
المفروضة على صاحب المنزل من عشرات آلاف الشواكل إلى مئات الآلاف بسبب البناء دون
ترخيص، لافتا إلى أن الغرامات كانت تتراوح ما بين 40 و50 ألف شيكل (14 ألف دولار)
ولكنها في هذه الأيام بعد تطبيق القانون أصبحت تتراوح ما بين 400 و500 ألف شيكل
(142 ألف دولار) لكل شخص يقوم ببناء منزله دون ترخيص.
ولفت إلى أن الاحتلال يستخدم
سياسة ذات آثار تدميرية وهي فرض الغرامات المالية على كل من يشارك في البناء، فهذا
القانون يتيح له ذلك وبالتالي تتسع دائرة المخالفات لكل الذين حول صاحب البناء أو
العقار، والهدف من ذلك هو إغلاق كافة الإمكانيات أمام من يقوم ببناء منزله دون
ترخيص.
وتابع: “تأثير قانون
الكمنتس بدأ منذ عام 2018 وبعض بنوده دخلت حيز التنفيذ في عام 2019، وبالتالي من
الصعب حصر آثاره بهذه السرعة ولكنه بلا شك أثر كثيرا على حياة الفلسطينيين في
الداخل وزادها صعوبة وقسوة، وللأسف الشديد سياسات الخنق الشديد للفلسطينيين تتواصل
والصعوبات عليهم تتعقد باستمرار، ومن الممكن أن بعض المواطنين بدأوا فعليا
بالخشية من البناء دون ترخيص ولكن لا يوجد خيار أمامهم ولا تجربة طويلة من أجل
الاستمرار في حياتهم”.
: “هآرتس”: الاحتلال يسرّع هدم منازل المقدسيين رغم ذروة كورونا
محاولات التصدي
وحول محاولات التصدي للقانون أكد سويد بأن النواب العرب في الكنيست
الإسرائيلي استطاعوا تأجيله لمدة عامين والمماطلة قبل إقراره نهائيا وتقديم طلبات
معينة واستخدام العديد من الأدوات البرلمانية لتأجيله، مبينا بأن القانون كان هدفه
أسوأ بكثير ولكنه طرح بصيغة أفضل من اقتراح القانون.
وأشار إلى أن اقتراح القانون كان
هدم كل منزل بدون ترخيص فكان يستهدف أكثر من 50 ألف منزل، بينما القانون الذي تم
إقراره يستهدف سبعة آلاف منزل، لافتا إلى أن المركز العربي للتخطيط البديل كان
يتابع قضية طرح القانون وينظم مظاهرات أمام مبنى الكنيست في كل جلسة تتعلق به وهذا
ما ساهم في تخفيف بنود القانون.
وفي ما يتعلق بالأسباب التي تدفع
الفلسطينيين للبناء دون ترخيص يؤكد سويد أن الفلسطيني يطمح لأن يشيد منزله بترخيص
قانوني كامل في الداخل المحتل، ولكن سلطات الاحتلال تسعى لكل جهدها أن تُخرج
المناطق التي يسكنها الفلسطينيون من المخططات الهيكلية المعتمدة وتماطل في إعطائهم
التراخيص اللازمة في مقابل تسهيل بناء المنازل للمستوطنين.
وتابع: “ليس من هواية
الفلسطيني أن يبني دون ترخيص وليس كذلك من باب الاستهتار، ولكنه لو أعطي الإمكانية
للبناء بترخيص لفعل، وكان سيكون منطقيا ألا يشيد أي منزل دون ترخيص، فإن أعطي
الإنسان الأدوات اللازمة للرخصة فسيكون كل شيء منطقيا، ولكن لا توجد أدوات تعطى لهم
ويتم عقابهم بشتى الوسائل ما جعل البلدات العربية بدون تخطيط هيكلي وإهمالها قائم
منذ 70 عاما”.
إفقار المجتمع
وكانت دراسة فلسطينية محلية
أجراها المحامي قيس ناصر أكد فيها أن القانون الذي تم إقراره خصيصا للتصدي للبناء
غير المرخص في الداخل الفلسطيني المحتل؛ يُظهر أنه خلال تسعة أشهر فقط منذ بدء
تطبيق تلك الأحكام في كانون أول/ ديسمبر 2018، فُرضت غرامات بقيمة 15 مليون شيكل
على المواطنين العرب.
وتابع أنه وفقا لتلك الأحكام،
التي أعدّتها وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة، أييلت شاكيد، في إطار تعديل
القانون المذكور يجوز لمفتشي الوحدة القطرية للتنظيم والبناء التابعة لوزارة
المالية فرض غرامات على مخالفات البناء بشكل إداري ودون محاكمة، وأنه وفق هذا
الحساب، فإنّ المخالفات المتراكمة على المجتمع العربي الواقع أكثر من 50% منه تحت
خط الفقر، ستصل خلال بضع سنوات إلى مئات آلاف الشواكل، ما يعني مزيدا من الإفقار
ووقوع عشرات ومئات العائلات تحت طائلة الديون والملاحقات القضائية بكل ما يعنيه
ذلك من معاناة.
عنصري استبدادي
بدوره يؤكد النائب العربي في
الكنيست الإسرائيلي يوسف جبارين بأن قانون كمنتس هو قانون عنصري واستبدادي
بامتياز، يضع عشرات آلاف البيوت العربية في حالة خطر دائم للهدم، ويفرض غرامات
باهظة على الأبنية والمحلات التجارية في المجتمع العربي.
وقال لـ”عربي21” إن هذا القانون يأتي بعد تنكر
لمدة عقود من الزمن لحق البلدات العربية بالبناء والتطور، ومن حرمان المواطنين
العرب من البناء على أراضيهم الخاصة، ومن مصادرة الأراضي العربية واتباع سياسات تضييق
الخناق على البلدات العربية.
وتابع: “لقد تنكرت سلطات
التخطيط والبناء لحق المواطنين الفلسطينيين بالبناء والتطور، ولم تصادق على خرائط
هيكلية تتيح للبلدات العربية التقدم عمرانيًا وصناعيًا، وهذه السلطات تأتي الآن،
ومن خلال هذا القانون لتجريم ضحايا سياسات التخطيط بدلًا من مد يد العون لهم،
وتقوم بهدم بيوتهم وأحلامهم، وفرض الغرامات الباهظة”.
وأوضح أنه منذ سن القانون في
العام 2018 وحتى يومنا هذا تم هدم عشرات البيوت الفلسطينية، في المثلث والجليل
والساحل والنقب، وما زالت المئات من العائلات العربية تعيش في حالة تهديد مباشر
ودائم لهدم بيوتها وتشريدها في أي لحظة.
وحول الوسائل المتاحة للتصدي
للقرار قال جبارين إنه بلا شك أن مواجهة القوانين العنصرية عامة، وقانون كمنتس على
وجه الخصوص، تتطلب عملًا ونضالًا على عدة مستويات، فبالإضافة للنضال الشعبي، الّذي
هو الأساس في أي نضال يجب أن يُخاض، يعمل النواب العرب في الكنيست ضمن القائمة
المشتركة منذ سن القانون وحتى يومنا هذا على المستوى البرلماني من أجل إلغاء
القانون أو على الأقل تجميد العمل به، وقد كان موضوع قانون كمنتس أحد الموضوعات
الرئيسية في عملهم وفي لقاءاتهم مع الوزراء، ومع ممثلي الكتل البرلمانية الأخرى،
والهدف هو التوصل لأغلبيةٍ برلمانية قد تتيح لهم إلغاء القانون أو تجميده.
وتابع: “مؤخرًا كانت لنا جلسة عمل هامة مع وزير القضاء الجديد،
افي نيسنكورن، حيث خُصصت الجلسة لأخطار قانون كمنتس على البلدات العربية، ومن خلال
استمرارية النضال الشعبي والبرلماني نستطيع الضغط على وزراء الحكومة، والدفع بهذه
القضية لكي تكون حاضرة بشكل دائم على جدول الأعمال الرسمي، وذلك بغية إلغاء
القانون أو تجميده، وبدورنا سنواصل الدفع بهذا الاتجاه، يبقى العمل الجماهيري الذي
يعتمد على الكفاح الشعبي المتواصل هو الأساس لمواجهة هذا القانون وغيره من
التشريعات والممارسات العنصرية”.