قراءة في معرضي «التصوير الفوتوغرافي» و«إشراقات فنية»
[wpcc-script type=”32fae99161aa47d7ad3915d9-text/javascript”]
القاهرةــ «القدس العربي» تشهد الساحة الفنية التشكيلية في مصر طفرة كبيرة هذه الأيام، بداية من عدد المعارض التي تقام ونوعيتها، وعدد الفنانين المُشاركين واختلاف تجاربهم ومدارسهم الفنية، وأخيراً الأجيال الجديدة التي يتم استعراض أعمالها في معارض جماعية، والناتجة عن ورش تدريبية لفنانين لم يدرس معظمهم دراسة أكاديمية في معهد فني، أو كلية للفنون، وهو الأمر الأشد أهمية، خاصة أن هؤلاء الفنانين من الشباب والأجيال الجديدة لا يمتلكون إلا موهبتهم، التي فقط احتاجت بعض الاهتمام من خلال ورش تدريبية، يقوم عليها المتخصصون.
فالملمح الأول أنهم لم يحتفظوا بالهواية بينهم وبين أنفسهم، وعملوا على تطوير مواهبهم من خلال الدراسة غير النظامية، لتصبح النتائج معارض جماعية لتجاربهم هنا وهناك، حتى أن بعض الأعمال فاقت المستوى التدريبي، وشكّلت أسلوباً يقترب كثيراً من مستويات المحترفين، بل ويكاد يتفوق عليها.
ونستعرض معرضين مختلفين تما من خلال ورش تدريبية … أولهما معرض «التصوير الفوتوغرافي»، والذي أقيم بـ (ساقية الصاوي) وهو نتاج ورشة (نادي كاميرا الصاوي)، التي يُشرف عليها المصوّر «كريم نبيل». بينما الثاني معرض «إشراقات فنية»، والمقام الآن بـ (أتيليه القاهرة)، ويضم أعمال حوالي (36) فنانا، وهو نتاج ورشة أقيمت بـ (مكتبة مصر العامة)، ويُشرف عليها الفنان التشكيلي «أحمد الشامي».
ألعاب الظِل والنور
للوهلة الأولى يبدو معرض «التصوير الفوتوغرافي» وكأنه معرضاً لمحترفي التصوير، بداية من اختيار زاوية التصوير والعدسة، وخلق فضاء للتشكيل البصري للقطة التي استقر عليها المُصوّر. وتبدو الدراسة الجيدة للظل والنور هي الملمح الأساسي في المعرض، والذي من خلاله تحققت هذه الحِرفية بدرجة كبيرة، في تدرجاتها المختلفة … من الأبيض والأسود، وحتى السلويت، وهنا تكمن حِرفية الكشف عن مصادر الإضاءة واستغلالها لتوصيل المعنى المراد من اللقطة.
الأساليب والموضوعات
ومع اختلاف رؤية الفنانين المُشاركين، يكون من الطبيعي أن يأتي اختلاف الموضوعات، فالموضوع يبدو أنه كان من اختيار المُشاركين، فلم يُفرض موضوعاً مُعيناً، بحيث نستطيع الكشف عن كيفية مُعالجته، وفق كل فنان على حدة. فتباينت الموضوعات ما بين الطبيعة الصامتة والبورتريه، كذلك محاولة القبض على لحظات إنسانية في لقطات بعيدة أو بعيدة متوسطة (أعمال أحمد خالد).
إضافة إلى الولع بتصوير الأماكن القديمة والمَنسيّة، أماكن فقيرة وتكاد تسقط من شدة تهالكها، إلا أن جمالها لا يزال مُقيما (أعمال رحاب صبحي وهند وهدان). أو تصوير الطبيعة الصامتة (ياسمين الشامي)، والبورتريه (جيهان شعبان) وهي لقطات في غاية الإيحاء بحال أصحابها، كرجل نائم والحذاء أسفل رأسه، أو رجل طاعن في السِن. ثم السلويت … حيث يصبح مصدر الإضاءة خلف الموضوع المراد تصويره (عبد الرحمن رسلان وأحمد مصطفى)، إضافة إلى التنوع ما بين استخدام الأبيض والأسود، والتصوير الملون، والذي تمت مُعالجته بعد ذلك من خلال برامج مُعالجة الصور الديجيتال.
الإيقاع والحركة
الأمر الأكثر أهمية في اللقطات هو الاجتهاد في خلق إيقاع في كل صورة … كالتكرار في الشكل، والموازنة بين مقدمة وعُمق الكادر … أباريق، درجات سُلم. أو التوازن الرصين للكادر ما بين اليسار واليمين، وعمق المجال الذي يبدو الحفاظ على تحقيقه بدرجة كبيرة، وهو الذي يخلق للصورة جمالها، ويوحي بالحركة بها، إضافة إلى النقاط السابقة.
تنوعت لوحات معرض «إشراقات فنية» بين عدة أساليب وخامات … كالرسم بالرصاص والفحم، إضافة إلى الألوان المائية والزيت والجواش.
لكن المُلاحظ على أغلبية اللوحات هو التفنن في رسم البورتريه لوجوه لم نعد نرها إلا في أفلام الأبيض والأسود، من فنانين كـ (إسماعيل ياسين) أو وجوه مصرية لفتاة ترتدي البرقع، أو أخرى ترتدي منديل الرأس، وإكسسوارات فتيات الحارات الشعبية القديمة كالحَلَق والجلباب المشغول- البلدي- وإمعاناً في تصوير مصر القديمة- القرن التاسع عشر- تبدو مجموعات النساء والرجال في اللقطات العامة، لتظهر حركات السير والبيع والشراء في الأسواق الشعبية، والبنايات التراثية، التي تذكّر بلوحات المُستشرقين على سبيل المثال.
الطبيعة الصامتة
احتلت موضوعات الطبيعة الصامتة العديد من أفكار الأعمال بالمعرض، خاصة انها تدريب أو تنفيذ لما تم التدريب عليه من ضبط المنظور، والإيحاء بالعمق من خلال ترتيب الأجسام داخل اللوحة، وخلق علاقة متناسبة بين عمق الكادر ومُقدمته، وحجم الجسم نفسه، سواء من خلال الترتيب أو التكرار، وكل منهما يوحي بالحركة، وإن لم تكن غير منظورة بطريقة مباشرة.
هذه الحركة نجدها مُجسدة أكثر في لوحة تمثل وضع مشروب ما في كأس شفاف، وهو تصوير للحظة ارتطامه بقاع الكأس، وصعوده حتى يتجاوزه تماماً. الحركة هنا حادة جداً، رغم أن اللوحة تستخدم عناصر التشكيل الثابت، إلا أن الحركة الدائرية والمُتناغمة مع تشكيل حواف الكأس من جهة، وشكل الدائرة المنقوصة الناتجة عن لحظة الارتطام بقاعِه، تخلق إيقاعاً بحركة قوية ومُستمرة، وإن تنافى هذا الاستمرار في الواقع، فما هو إلا التقاط هذه اللحظة فقط، وتثبيتها.
محمد عبد الرحيم