قروض وتكلفة خانقة.. هكذا أخرج مغاربة عيد الأضحى من السُنّة إلى المبارزة المجتمعية

تتكرّر الطرائف في المغرب كل سنة مع اقتراب عيد الأضحى، الذي يرتبط بطقوس صارت قاعدة يمشي عليها كل المغاربة هروبًا من الاستثناء، وفيما ينتظر البعض العيد للاحتفال، قد يدبّر آخرون “لليوم الكبير” سنة كاملة.
أحد باعة المواشي في واحد من الأسواق المغربية قبيل عيد الأضحى (أرشيفية)

أوصل خلاف بين زوجين بسبب أضحية العيد إلى وفاة الزوج، أمس الأربعاء بمدينة مكناس شمالي المغرب، أثناء محاولته تسلّق سور المنزل بعد أن أغلقت عليه الزوجة في الخارج.

بدأ الخلاف عندما أكّد الزوج أنه لا يملك ثمن أضحية هذه السنة، وتتداول وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الفترة من كلّ سنة قصصًا قد لا تصل للموت، لكن تبوح جميعها بأزمة مجتمعية متكرّرة.

تخصص البنوك في المغرب قروضًا لشراء كبش العيد، ويصل الحال بأسر تعيش تحت خط الفقر لبيع ممتلكاتها لأجله، حتى صار محط تباهٍ بين الجيران والعائلات.

يرتبط خروف العيد في الموروث الثقافي المغربي بإدخال الفرحة على الأطفال التي يعتقد أنها تحلّ بإدخاله للمنزل أيامًا قبل يوم النحر.

لا يتوقف الأمر عند أن يكون خروفًا وفقط، بل يتجاوزه لأن يصرّح كل رب أسرة بالمبلغ وقدره الذي دفعه مقابل القرون الملتفة، إذ يُعتقد أن الخروف يكون جيدًا وغاليًا كلما طالت قرونه، وتتباهى الزوجة أمام العائلة الكبيرة بالأمر وكأن التفاف القرون يعلي مقام الزوج.

وعرف أسعار الأضاحي ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنة الجارية، أرجعه البائعون إلى غلاء الأسعار بشكل عام وبشكل خاص المواد التي تستعمل في علف الماشية، حتى أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة الأضحية.

هروب من الإقصاء

وقال الأستاذ الجامعي والدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي المصطفى شكدالي لموقع الجزيرة مباشر، إن “الدين يصبح تدينًا؛ أي طقوسًا حين نمارسه، وما يدخل على الخط هنا هو طريقة التأويل للدين”.

وأضاف أن “معنى الأضحية كما يعبّر عن ذلك اسمها هو التضحية والكرم والطاعة الربانية، فيما تحولت الشريعة الدينية الآن إلى معتقدات اجتماعية يطبعها التباهي”.

يشتكي عدد من المغاربة في كل سنة من غلاء أسعار الأضاحي وعدم القدرة على شرائها ثم يختمون بجملة متداولة تفيد بأنهم “مضطرون لأجل الأبناء”.

وعلّق متخصص علم النفس الاجتماعي عن ذلك بأن المفاهيم انقلبت، “فبينما كان سيدنا إسماعيل طائعًا لأبيه أصبح الأب في مجتمعنا يضحي لإرضاء الأبناء”.

يستقرئ الدكتور المصطفى شكدالي من السلوك المجتمعي “هروبًا من الإقصاء الاجتماعي” أو الوصم عندما يتعلق الأمر بأسرة لم يتمكن ربّها من توفير الأضحية وسط تباهي الجيران بأضاحيهم، وبذلك تكون الأسرة خارجة عن قهرية المجتمع الذي يحقق أفراده مكانة اجتماعية من خلال الأضحية.

ومن هنا يرى شكدالي أن عوامل أخرى تدخل على الخط لتبعد التضحية عن الطاعة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالتكلّف والوصول إلى الاقتراض الذي تُقبل عليه عدد من الأسر المغربية إرضاء لأغراض أخرى بعيدة عن الشريعة.

وقال شكدالي للجزيرة مباشر، إن “بحثًا سوسيولوجيًا قد يفضي إلى أن المتمسكين بالسنة المؤكدة قد يكونون غير مؤدين للفرائض اليومية، إنما هو تباهٍ بأنهم يتديّنون كما يتديّن الآخرون”.

ابتعاد عن العبادة

بدوره يلمس الدكتور أحمد بوكيلي أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب في الرباط، إشكالًا بين البعد الديني وثقل الثقافة المجتمعية للأضحية، رغم أن لها بعدًا شعائريًا متجذرًا.

وأوضح أستاذ الدراسات الإسلامية لموقع الجزيرة مباشر، أن الأصل في أضحية العيد أنها هدية ربانية لسيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وأنها مبنية على رؤية تظهر قمة المحبة الإلهية والاستجابة للأمر الإلهي، وإكرام الله للمستجيب.

وذهب الدكتور بوكيلي إلى أن الدرس العقدي مرتبط بالفلسفة المقاصدية التي تحدد رمزية الأضحية في مفهوم الهدية الإلهية أو مقام من مقامات المحبة الإلهية.

وأضاف أنه “إذا كان الأصل العقدي والروحي للأضحية هو العلاقة الخاصة مع الله -عز وجل-، فكيف للإنسان أن يُثقل هذا المقام بالثقافة المجتمعية لدرجة إخراج الأضحية من السياق المقاصدي؟”.

ونبّه أستاذ الدراسات الإسلامية بأنه من الناحية الشرعية، مقاصديًا إذا خرجت العبادة عن المقاصد تتحول إلى طقوس اجتماعية مثقلة بنظام العادات والسلطة المجتمعية، وتفقد العبادة معناها الروحاني والعرفاني.

وأشار المتحدث لموقع الجزيرة مباشر، أن الإسلام مبني على التيسير والرحمة، ومن هذا الباب يجب تعليم الناس بناء الثقافة المجتمعية على المحبة والتضامن المجتمعي والشعور بالانتماء للأمة، وهو المقصد من عيد الأضحى.

وأوضح الدكتور بوكيلي، أنه من هنا يؤكد عدد من العلماء ضرورة عدم الخضوع لمنطق الثقل المجتمعي الذي قد يدفع لأخذ قروض والتكلّف بإدخال النفس في أزمات اقتصادية حتى يصبح العيد أزمة بدل الفرحة التي أوصانا الله بها.

وشدّد أستاذ الدراسات الإسلامية على ضرورة إحياء معنى التضامن وهو الأصل في الشعيرة الدينية للشعور بالانتماء للأمة التي ينقلها العيد من علاقات فردانية غارقة في الاستهلاك إلى مقام الأمة المتحضرة التي تعيش القيم الإنسانية.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *