قوة التركيب في أعمال الخطاط السوري هيثم سلمو
[wpcc-script type=”de866feacfcc31502c8ad4ad-text/javascript”]

يتميز الخطاط هيثم سلمو بتجربته الرائدة في مجال الخط العربي في نطاقه المقيد بالضبط والتقييد، ليقدم منجزا متفردا من تجربته الغنية التي طعّمت المشهد الخطي العربي بقوة التركيب المنضبط، وبجماليات الأشكال المنبعثة من تنوع التراكيب، فأحدث الخطاط مسلكا خطيا يتجه نحو التعبير، في تأصيله للقوة التركيبية بخطوط وأشكال ذات حركات تتموقع في الفضاء بكمية خفيفة.
وبذلك ففي المنظور النقدي، يبدو أن القاعدة الخطية لديه تتمأسس على قوة التركيب وبسط أشكال من أنواع الخط العربي تتمتع بالضبط والتقييد الصارم، والحفاظ على القواعد، فالمبدع ينوع في الشكل، وفي الكثافة والتموقع واللون والحرف، لكن بدون المساس بمقومات الخط العربي الكلاسيكية، بقدر ما تستدعيه أعماله من الصرامة الخطية. وهذا من مميزاته، وهو ينتج عن العلاقة بين تصوراته الجمالية للخط العربي وجماليات التركيب والتعبير في نطاق ما عليه الخط العربي من ضبط. وفي هذا المنحى نجد نوعا كبيرا من التوازن الذي تفرضه الصرامة الخطية بين التراكيب التي تقوم على ميزان خطي محدد، وعلى إيقاع سمفوني يتلاءم مع المادة الخطية برمتها، حيث يخلق انسجاما وتوليفا بين العنصرين عن طريق انصهار الحروف في جوهر التركيب، ومع الألوان التي ينتقيها بدقة، خدمة للمجال التقييدي، إذ يتأتى تطويعها لتلبس حلة الحروف والأشكال بنوع من البلاغة الفنية الكلاسيكية.
وهو ما ينم عن قدرة المبدع الخطية ومرونته في التفاعل مع التركيب الخطي واللوني في حدود التقييد الذي يُنتج – رغم ذلك – في نهاية المطاف مادة خطية متحركة ذات بيان وفصاحة، وذات خصائص فنية. ولا شك في أن ذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الخط العربي كل المقومات الإبداعية والفنية والتقنية، التي من شأنها إبداء مختلف الجماليات، خاصة مع تنوع عملية التركيب، فتؤثر رغم عملية التقييد والضبط في حركياته وسكناته وكتله واسترسالاته وتدويراته، وكل أساليبه حتى تزرع الحركة في شرايين أعماله. فهو يدري أهمية عملية توظيف الحرف، مفردا ومركبا في المساحات المتنوعة بمعية اللون والشكل، لينسج الإبداع الفني وفق أنساق جمالية بديعة.

إن تجربة الخطاط هيثم سلمو غنية بالإنجازات التي راكمها لعقود من الزمن، وقد تحققت في لغته الخطية المقيدة بالضبط، وهي دالة على سلكه مسلكا من الصرامة الخطية، للحفاظ على اللبنات الأساسية للخط العربي، باعتبارها تحدد مجموعة من العلائق المرتبطة بالوعي الخطي، وبالمشهد الحضاري العربي الإسلامي، باعتباره قيمة حضارية وجمالية تتصل مباشرة بالتراث العربي الإسلامي. ومن هذا المنطلق فهي وسيلة مقطعية تغذي التجربة الخطية العربية والإسلامية، بتعدد الجماليات وتعدد اتجاهاتها، وهو ما يرتبط أساسا بما تشكله تقنيات الخطاط من غنى ووظيفة تقييدية، وما يشكله الخط العربي بأنواعه المتعددة من أنساق فنية في أعماله الخطية بتكويناتها وبناءاتها الفنية، فيتبدى أن الخطاط هيثم سلمو يسعى للوصول بالخط العربي في إطاره الكلاسيكي المركب إلى قيمة خطية في ذاته، وقيمة جمالية في نسيج تركيباته، وهو ما يؤكده في أعماله من خلال التراكيب المتنوعة، والأشكال المختلفة والإيقاعات والتبادلات والنسب.. بصيغ جمالية متفاوتة الدرجات، ووفق عملية التجويد التي تتعلق باجتهاداته المتواصلة التي تتطلبها المرحلة المعاصرة. فهو الموهوب والعاشق للخط العربي، والممارس الحصيف بكل متناولاته الجمالية، التي تدخل ضمن المنطق التركيبي المنضبط، والهندسة الجمالية، التي تتحول إلى أشكال إبداعية، ثم دلالية تحمل مفرداتها الفنية أبعادا فلسفية ورؤيوية، تشكل في ذاتها قيمة أساسية في أعماله الخطية. وهذا يتأتى للمبدع هيثم سلمو بتنظيم المادة الخطية وفق أسس معرفة وجمالية وتطويعها وفق ما يتلاءم والعمل التركيبي الذي يشكله في الفضاء.
إنها قوة التركيب أثناء عملية النسج والوضع للحرف، والتجسيد للتقنيات المتنوعة، وتوظيف مفردات الثقافة الخطية المنضبطة، والمعتمدة على القواعد الصارمة، إنها سمات تلوح في تجربة الخطاط هيثم سلمو، تؤكد حضوره الوازن في الملتقيات العالمية، بقدر وافر من التجربة العالمية. وعليه، تظل أعماله غاية في الإبداع والجمال، تترامى بجمالياتها في أفق غير محدود.
٭ كاتب مغربي
