كتاب ‘اليهود والسينما في العالم العربي’ لأحمد رأفت بهجت: عندما يختلط الديني بالفني!
[wpcc-script type=”a1e6941990b1e3894d4fbd2c-text/javascript”]
المُتابع لأعمال الناقد ‘أحمد رأفت بهجت’ ــ وهو من القِلة التي تستحق وصف الناقد ــ نجد الرجل يحمل على كاهله كشف بعض ألاعيب السياسة وتبعاتها، وانعكاسها على الفن السينمائي. ويتضح هذا من مؤلفاته العديدة، مثل … ‘الشخصية العربية في السينما العالمية’، و’هوليوود والشعوب’ و’الصهيونية وسينما الإرهاب’، ‘اليهود والسينما في مصر’. فالفكر الصهيوني والرأسمالية الغربية تؤرق الرجل، فتصبح ‘المؤامرة المزمنة’ على العرب ومصر في المقام الأول ــ من خلال السينما ــ هي الأساس الفكري الذي تدور حوله هذه المؤلفات. وقد صدر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة الكتاب رقم (73) من سلسلة آفاق السينما للناقد والباحث ‘أحمد رأفت بهجت’، بعنوان ‘اليهود والسينما في مصر والعالم العربي’. ربما المصادفة خلقت دلالة لطيفة عند المقارنة بين رقم الكتاب وعنوانه!
الأهمية التوثيقية وتعميم النتائج
ويتكون الكتاب من 5 أبواب، يندرج تحتها 15 فصلاً، ليأتي في 484 صفحة من القطع الكبير. وهو من الناحية التوثيقية والتأريخية عمل هام، إلا أن المشكلة تكمن في تأويل وتحليل هذه الوقائع والمعلومات لتتسق والوجهة النظرية التي افترضها الكاتب في بحثه الكبير هذا. لذا لن نتطرق تفصيلاً لما تناوله الكتاب، فقراءته واجبة ومفيدة لمُطالعة الحياة في مصر، قبل أن تتحول وتنكفئ على ذاتها. إلا أن اللافت في الأمر، والذي يؤدي إلى صعوبة قبول الاستنتاجات التي يسعى الكاتب خلفها ولا يحيد هي خلط الديني بالفني، وهو أمر غير مقبول في عمل نقدي رصين، سيؤدي بالنهاية إلى نتائج تضع الكاتب في موقف مَن أراد إثبات التهمة عليهم طوال الكتاب، ألا وهي ‘العنصرية’!
نهج النظرة الارتيابية
فليس بالضرورة أن تكون النظرة الارتيابية هي الأساس، والبحث خلف ديانة كل فنان وكأنها سُبّة، خاصة وأن لليهود في مصر تاريخا طويلا، وقد عاشوا ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المصري، قبل فكرة الدولة الإسرائيلية، وليس كل يهودي صهيوني، وهو أمر بدهي، كما ليس كل مسلم إرهابي، إن أردنا انتهاج وجهة النظر نفسها.
وبما أن السينما صناعة كبيرة وتجارة، فقد جعل الكاتب البحث عبارة عن تقصي أحوال العائلات اليهودية التي اهتمت بالإنتاج السينمائي، ومَن منهم هاجر إلى إسرائيل، أو ساند قيام إسرائيل، وهي حالات لا نستطيع إطلاق العمومية عليها. ويبدو أن ‘توجو مزراحي’ كان له نصيب الأسد من تطبيق نظرية المؤامرة هذه، فيطلق عليه الكاتب ‘المبعوث اليهودي الرئيسي للسينما المصرية’ وكأن الديانة اليهودية أصبحت سبّة في ذاتها ــ رغم أن ديانة المؤلف توجب الاعتراف باليهودية كديانة سماوية يجب الإيمان بها ــ وهو أمر يتنافى والمنطق بأن يتم تصنيف المخاليق على حسب دياناتهم.
اليسار واليهود
إلا أن الفصل الخاص بالسينما واليسار اليهودي في مصر يعتبر من أهم فصول الكتاب، وأكثرها جدلاً، ليس على المستوى الفني، بل السياسي بالأساس، خاصة عند الحديث عن الفكر الشيوعي واليساري المصري بوجه عام. فالمؤلف يميل إلى تبني الرأي القائل بأن اليهود نقلوا آفة الجدل لليسار المصري، بما أنهم مَن أسس هذا التوجه في مصر، وعلى رأسهم ‘هنري كوريل’. فالهدف من الحركة هو تفتيت جهود المصريين ضد الاحتلال، وإضاعتها في معارك مُفتعلة بعيداً عن قضايا النضال الوطني، كل ذلك وفق خطة صهيونية تهدف إلى خدمة الشيوعية، لتقف خلف أهدافها في المحافل الدولية (راجع الكتاب ص 192 وما بعدها)، ويستشهد بذلك من خلال الجمعيات اليسارية التي انتشرت بمصر في ذلك الوقت، دون الإشارة إلى الفكر اليساري الذي طال دول العالم وقتذاك، وأن القضية كانت اجتماعية في الأساس، وأصبحت وفق رؤيتها في صراع دائم مع السلطة الإقطاعية، والنظام الحاكم الحافظ لها مكانتها.
مغالطات بشأن جماعة ‘الفن والحرية’
وفي ما يخص جماعة ‘الفن والحرية’ فالكاتب يُنسِب نشأتها إلى ‘مارسيل إسرائيل’، والصحيح أن نشأة الجماعة قامت على يد ‘جورج حنين’ الشاعر السوريالي المصري، والذي أدخل الفكر السوريالي إلى مصر، عن طريق كتاباته وترجماته، وما مارسيل إسرائيل إلا عضو بالجماعة ليس إلا. الأمر الآخر الذي يأخذه الكاتب على هذه الجماعة أنها استمدت اسمها من بيان ‘بريتون/تروتسكي’، الذي جاء بعنوان ‘نحو فن ثوري مستقل’. ويرى الكاتب أن البيان قد أعفى الفنان الثوري من التصدي للأحداث السياسية والخضوع للشعارات. وهو أمر تنفيه مقالات وموضوعات مجلة ‘التطور’ لسان حال جماعة ‘الفن والحرية’، ففي أحد أعدادها جاء نص تفصيلي لقانون الإصلاح الزراعي، الذي تبناه وطبّقه عبد الناصر في ما بعد، وأصبح أحد أهم إنجازات يوليو 1952. كما ضمت المجلة بعض نصوص للكاتب ‘ألبير قصيري’، التي انتقدت الواقع والسلطة السياسية والاجتماعية وقتها أشد النقد. الأمر الأخير الذي يذكره الكاتب ليجعل من هذه الجماعة ومثيلاتها متواطئة بشكل أو بآخر ضد القضايا الوطنية .. أن ‘أندريه بريتون’ مؤسس السوريالية وصديق جورج حنين الحميم ، قام في أعقاب قيام إسرائيل بعمل معرض فني، بحيث يذهب إيراداته من أجل إنشاء إسرائيل، وبالفعل قام بريتون بذلك، لكن الكاتب يتناسى رد فعل جورج حنين، الذي انفصل نهائياً عن الحركة السوريالية العالمية، التي كان يتزعمها بريتون، وخطابه الحاد شديد اللهجة يؤكد ذلك (راجع … السوريالية في مصر لسمير غريب).
هذه بعض الملاحظات الأولية على الكتاب، الذي يحتاج إلى دراسة مطولة يستحقها، نتيجة غزارة المعلومات وتشعب الموضوعات، التي تناولها المؤلف، نظراً لطبيعة الكتاب وأهميته.
*كاتب من مصر