كيف تقرر القرار الصائب في خضم متغيرات الحياة السريعة؟

تُشكِّل القرارات حياتنا دون أن نشعر بذلك، فأنتَ تقرر الآن أن تقرأ هذا المقال، وتقرر الذهاب إلى العمل الذي اخترته، وتقرر العمل مع الفريق الأقرب إلى قيمك، وتقرر مَن هو الشريك الذي ستقضي معه بقية عمرك، وتقرر الانفصال عن شخص ما يعكِّر صفو حياتك. فكيف نصل إلى القرارات الصائبة في الحياة؟

Share your love

تطغى القرارات على كل مفاصل حياتنا، وكم عدد الناس الذين عاشوا على هامش الحياة بسبب عدم قدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لهم؟ وكم عدد الفتيات اللواتي ترددن في اتخاذ قرار الزواج، ولم يستطعن حزم المعطيات المتوافرة أمامهن باتجاه شخص ما، إلى أن آل بهنَّ المطاف وحيدات في بيوتهن؟

لماذا نتردد في قراراتنا؟ وكيف لنا أن نملك مهارة الحزم في اتخاذ القرارات لنصل إلى حياة مُرضية أكثر وسعيدة أكثر؟ وهل التردد صفة ملازمة لكَ وطبع محفور في شخصيتك أم أنَّك قادر على تجاوزها باتباع بعض الخطوات البسيطة؟ وهل يوجد قرار خاطئ في الحياة أم أنَّ الموضوع له نظرة أكثر عمقاً بكثير؟ وكيف أتعامل مع مشاعر جلد الذات والندم التي تنهش الروح والعقل بعد اتخاذي القرار غير المناسب؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، دعونا نغوص سوياً في ثنايا هذا المقال.

لماذا نتردد في اتخاذ القرارات؟

يكمن وراء التردد في اتخاذ القرارات الكثير من المشاعر والخفايا النفسية؛ منها:

1. الخوف:

يعد الخوف السبب الأساسي الكامن وراء التردد في اتخاذ القرارات، ويأتي الخوف في الحقيقة من تبنِّي الكثير من المفاهيم المشوهة، مثل:

1. 1. النظرة المحدودة للأمور:

ينظر الكثير من الأشخاص إلى أي قضية يريدون اتخاذ قرار بخصوصها من زاوية محدودة، كأن يخلقوا بديلَين فقط لها، الأمر الذي يُوقِعهم في فخ التردد، على سبيل المثال: لا يشعر شخص ما بالراحة والسعادة في مكان عمله، فيحتار ما بين بديلين اثنين: إما البقاء في العمل أو الاستقالة، فيقضي الكثير من الوقت في حالة من التردد والحيرة دون الوصول إلى نتيجة حازمة، في حين أنَّه لو قام بتوسيع النظرة إلى الموضوع، وحفَّز عقله على الإتيان بالبدائل الأخرى، لاستطاع الوصول إلى القرار بيسر وسعادة؛ كأن يفكر ببديل الانتقال إلى قسم آخر ضمن شركته، بحيث يناسب مع مهاراته وقدراته، أو أن يفكر ببديل دراسة أنماط الشخصية بحيث يكون قادراً على التعامل مع فريق عمله، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على حالته النفسية في مكان العمل، أو أن يفكر ببديل الإجازة بلا أجر ريثما يبحث عن فرصة عمل مناسبة له أكثر في مكان أخر.

يصبح اتخاذ القرار أكثر سهولة عندما تزداد البدائل أمامك؛ وذلك لأنَّك خرجت من معضلة البديلين الوحيدين، وسمحت لعقلك بالانطلاق والتفكير بدون قيود، وفتحت المجال لحسِّ المقارنة الرائع لديك بالظهور لكي تفاضل بين البدائل المتوفرة.

1. 2. فكرة “القرارات المصيرية”:

يقع الكثير من الأشخاص في فخ المثالية، ويتبنَّى الكثير فكرة القرارات المصيرية، الأمر الذي يجعلهم في قمة الخوف في أثناء اتخاذ قرار ما، كقرار التخصص الدراسي، أو قرار الزواج، وذلك لأنَّنا خُلِقنا في الحياة بغاية إعمار أنفسنا للوصول إلى أفضل نسخة منها، مما يعني أنَّنا سنمرُّ برحلة من التجارب والقرارات التي سنتعلم منها ونستفيد.

فلا يوجد قرار خاطئ بالمطلق في الحياة؛ بل يوجد قرار يجعلنا نفكر أكثر ونتعلم أكثر؛ لذا تذكر أنَّ القرار المصيري الوحيد في الحياة هو مقابلتك الله بأفضل صورة ممكنة، وأفضل الأعمال؛ هوِّن الأمور عليك ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها، وتعلَّم منهجية القرار ومن ثم سلِّم الأمور لله، وتأكد أنَّه لا يوجد قرار خاطئ.

1. 3. العلاقة بالله:

الشخص المتردد في اتخاذ القرارات هو شخص غير راضٍ من الداخل، ويبحث عن الكمال، ويجد أنَّه المسؤول مسؤولية تامة عن أمور حياته، ولا يعتمد على مهارة التسليم لله، الأمر الذي يجعله دائم القلق والتوتر والتردد في أثناء اتخاذه أي قرار؛ فهو لا يؤمن بأنَّ الله حق، وعادل، ومنصف، وهو مَن يقسم الأرزاق، وبالتالي فهو عليه السعي فقط، وتسليم باقي الأمور لله وحده.

شاهد بالفديو: 5 خطوات لإتقان فن اتخاذ القرارات

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/j_SLJ7qyvwE?rel=0&hd=0″]

2. التربية:

تؤثر التربية في قدرتنا على اتخاذ القرارات المناسبة في الحياة، فعندما يربِّي الأهل أولادهم على الدلال الزائد، ولا يمنحونهم فرصة اتخاذ القرارات المتعلقة بهم من الألعاب، والأنشطة، والملابس؛ فإنَّهم يساهمون في خلق أشخاص مهزوزي الثقة بأنفسهم وغير قادرين على الحزم واتخاذ القرارات.

ومن جهة أخرى، يُعزز الأهل لدى أولادهم فكرة “تأليه الآخر” بحيث يجعلونهم مجرد تابعين للآخرين وباحثين عن كسب رضاهم، مما يجعلهم أضعف من اتخاذ قرار حازم وقد يتعارض مع ما يتمنَّاه الآخرين.

3. المعلومات:

يميل بعض الأشخاص إلى جمع الكثير من المعلومات قبل اتخاذ قرار ما، وهذه نقطة إيجابية، إلا أنَّهم قد يبالغون في الأمر إلى درجة كبيرة؛ بحيث يتعلَّقون بهذه المعلومات الكبيرة ويغوصون في التفاصيل ويبتعدون عن الهدف الأساسي للموضوع ولا يستطيعون اتخاذ القرار الصائب.

4. الصورة الذهنية:

يستطيع التعامل مع القرارات بمرونة وسهولة كل مَن يملك صورة ذهنية إيجابية عن ذاته، فالشخص الناجح هو مَن يستطيع اتخاذ القرار بسرعة وبثقة، بينما يأخذ الشخص الفاشل فترة طويلة جداً قبل اتخاذه لأي قرار.

ومن جهة أخرى، لا يُغيِّر الشخص الناجح قراره إلا في حالات قليلة جداً، في حين يميل الشخص الفاشل إلى تغيير قراره باستمرار، ومَن يملك صورة سلبية عن ذاته وقلة ثقة بقدراته ومهاراته؛ فإنَّه سيجذب الأحداث السلبية إلى حياته، الأمر الذي يزيد من حدة تردده.

5. الصراع الداخلي:

أبسط مثال عن الصراع الداخلي الذي قد يعاني منه الإنسان هو حب الشخص غير المناسب، كأن يخفق قلبك لشخص ما، إلا أنَّ عقلك لم يخفق له، الأمر الذي يوقعك في صراع حقيقي ما بين عقلك وقلبك، ويجعلك متردداً في اتخاذ أي قرار.

يتضخم الصراع ويكبر في حال تجاهله ورفضه؛ حيث يستسهل أغلب الناس عدم الاعتراف بالصراع، وترك الأمور تجري على سجيتها، في حين تبدأ الخطوة الأولى في الاعتراف بوجود الصراع، ومن ثم البحث عن الأسباب الكامنة وراءه، فقد يكون لديك صراع نتيجة اختلاف قيمك عن الآخرين، فعندما تكتشف السبب تجد الحل.

وغالباً ما يكون الحل في إيجاد طرائق للتوازن ما بين قيمك وقيم المجتمع؛ بحيث تكون راضياً عن نفسك، وتكسب رضا الآخرين؛ أي أنَّك تتخذ قرارات حازمة تساعدك على إنهاء الصراع الذي تعيشه.

6. عدم وضوح الهدف:

يؤدي عدم وضوح الهدف إلى الكثير من التردد في اتخاذ القرارات، فأنتَ تضيع عندما لا تجد الوجهة، فعلى سبيل المثال: إن لم يكن لديك هدفاً معيناً في عملك، فستكون عرضة إلى التردد والحيرة بنتيجة الآراء المتعددة التي ستُقدَّم لك من قبل الآخرين.

من جهة أخرى، يخلط الكثير من الناس ما بين الغايات والوسائل، يعتقد على سبيل المثال أغلب الناس أنَّ الزواج غاية بحد ذاته، الأمر الذي يجعل قرار الزواج قراراً صعباً للغاية ويحمل الكثير من المخاطر، في حين أنَّ الزواج هو وسيلة للوصول إلى السعادة؛ أي أنَّ الغاية الأساسية هي السعادة والهناء، الأمر الذي يجعل قرار الزواج أكثر سهولة ويسراً.

7. السيناريو الأسوأ:

لكي تحضِّر نفسك لكل المفاجآت المحتمل حدوثها في الحياة، عليك أن تتخيل السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يحدث نتيجة قرارك المُتَّخذ، وما هي الأضرار السلبية التي من الممكن أن تحدث لك ولغيرك بنتيجته، ومن شأن ذلك أن يجعلك متيقظاً ومتنبهاً أكثر، وستتجلى بعد ذلك أمامك الطرائق التي عليك القيام بها للوصول إلى السيناريو الأفضل.

يمنحك تخيُّل السيناريو الأسوأ فرصة لتقبل كل الأمور، وتحدٍ من أجل جعله أفضل.

كيف نصل إلى القرارات الصائبة في الحياة؟

1. التوسُّع:

لا تكن محدود النظرة؛ بل كن توسُّعياً في تفكيرك، كأن تكتشف الفرص المختلفة المحيطة بأمر ما؛ اخرج من معضلة البديلين الوحيدين، فالحياة مليئة بالاحتمالات اللامحدودة.

2. تقبّل الصراع:

اعترف بالصراع الداخلي الذي تشعر به، واعمل على فهم أسبابه، ومن ثم اتخذ القرار الذي يساعدك على إنهائه.

3. تحديد الهدف:

ركز على أهدافك وغاياتك في الحياة؛ الأمر الذي يجعلك أكثر ثقة في اتخاذ القرارات المناسبة لك، واسأل نفسك دوماً: “ما الذي أريد الوصول إليه في الحياة؟”.

شاهد بالفديو: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/uPZIzgzERqY?rel=0&hd=0″]

4. الاستشارة:

لكي تقرر القرار الصائب؛ عليك أن تقارن ما بين البدائل المتاحة أمامك. ومن الطرائق المساعدة لك هي استشارة أهل الثقة في القضية التي تبحث فيها.

5. التسليم:

سلِّم أمورك إلى الله تعالى، فما عليك إلا السعي ضمن الإمكانيات المتاحة أمامك وحسب الوجهة التي تريدها، ومن ثم التسليم، وعندها لن يكون للتردد مكاناً في حياتك.

6. الصدق مع الذات:

التزم بالصدق والوضوح مع ذاتك، وحافظ على صورة ذهنية إيجابية عن ذاتك، فالقرارات الحاسمة تأتي من الشخص الواثق والقوي.

7. الحدس:

ثق بحدسك، ولا تجعل أي شخص في العالم يزعزع لك هذه الثقة، فالقرار يجب أن يُتَّخذ من كامل قلبك وروحك وليس من نصفهما.

8. المرونة:

كن مرناً، واعلم أنَّه لا يوجد قرار خاطئ على وجه الأرض؛ بل يوجد قرارات نتعلم منها دروساً وقيماً هامة.

تحرر من وهم “القرارات المصيرية”، وتوقع أسوأ السيناريوهات وقل “لا يهمني، فأنا واثق بأنَّني قادر على تجاوز أي تحدٍ أتعرَّض له، وفي النهاية الحياة مجموعة من التجارب والدروس المستفادة”.

9. التدريب:

اعلم أنَّ القرار عضلة بحاجة إلى تدريب، لذلك تدرَّب يومياً على أخذ زمام المبادرة واتخاذ القرارات بسرعة وفعالية وبحدس عالٍ.

تستطيع البدء في القرارات البسيطة المتعلقة بالذهاب إلى مكان ما للترفيه، أو المتعلقة بالهوايات؛ هكذا حتى تتحوَّل مهارة اتخاذ القرارات إلى أسلوب حياة لديك.

في الختام:

الحياة مجموعة قرارات، إن أردت تغيير حياتك فغيِّر منهجيتك في صنع القرار، وابنِ قرارات فعالة، وواضحة، وجريئة، ونابعة من صميم شغفك، ولا تنسَ أنَّ كل شيء في الحياة يحدث لسببٍ ما وهدفه زيادة وعينا وإدراكنا وجعلنا أقوى وأنضج وأرقى وأسعد.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!