
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 9/11/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
خلال هذا العام المبتلى بفيروس كورونا، ومع تعاقب الكثير من الأيام الصعبة من العزلة والخوف، ظل العالم يأمل في قدوم أوقات أفضل. كان يأمل في الحصول على علاجات أفضل لـ”كوفيد- 19″، واختبارات أسرع، وتحقيق فهم أفضل لكيفية تسبب (سارس-كوف-2) في إحداث الفوضى في جسم الإنسان. وقد تحقق الكثير من هذه الأشياء. لكن ثمة أملاً واحداً على وجه الخصوص كان هو الأهم: أن يتم العثور على لقاح يقي من الإصابة. ويبدو أن تحقيقه أصبح يلوح في الأفق.
في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)، أعلنت “فايزر” Pfizer و”بيونتيك” BioNTech، وهما شركتان لصناعة الأدوية، أن اللقاح الذي تعاونتا في التوصل إليه فعال بنسبة تزيد على 90 في المائة في الوقاية من حالات مرض “كوفيد- 19” التي تسبب أعراضاً عند المصاب. وهذه نتيجة مذهلة للقاح من الجيل الأول. ولم يكن الكثيرون قد اجترؤوا على الأمل في تحقيق فعالية أكثر من 70 في المائة.
دفعت الأخبار أسهم شركة “فايزر” إلى القفز بنسبة 15 في المائة، وأسهم “بيونتيك” الأصغر بكثير بنحو 24 في المائة عند افتتاح سوق الأسهم الاميركية. وأدى الاعتقاد الأوسع بأن اللقاح قد يعيد الحياة إلى ما يشبه الوضع الطبيعي إلى دفع مؤشر S&P 500 إلى الصعود بنسبة 3.6 في المائة، وهو في طريقه إلى تحقيق مستوى قياسي. كما ارتفعت أسهم شركات الطيران والبنوك. وقفزت قيمة أسهم “سينيوورلد”، وهي سلسلة سينمائية، بأكثر من 50 في المائة. وارتفعت الأسواق المالية الرائدة في أوروبا مسبقاً بنسبة تتراوح بين 5 و8 في المائة.
وقال ريتشارد هاتشيت، رئيس “التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة” CEPI، وهي مؤسسة تمول الأبحاث الخاصة بلقاحات الأوبئة، إن النتائج كانت “إيجابية للغاية ومشجعة”. وأضاف أنها تزيد من احتمالية نجاح العديد من اللقاحات الأخرى التي يتم السعي إلى إنتاجها في الوقت الحالي. وهذا مهم، لأن لقاحًا واحدًا ضد فيروس كورونا لن يكون كافيًا، لأسباب ليس أقلها أن لقاح “فايزر-بيونتيك”، المسمى BNT162b2، يجب أن يظل محفوظاً في جو شديد البرودة، وأنه توزيعه على نطاق عالمي سيكون صعباً. ويتطلب اللقاح أيضًا تلقي حقنتين، بفاصل ثلاثة أسابيع. وتأمل العديد من الحكومات في الحصول على لقاح يمكن الاحتفاظ به في درجة حرارة أقرب إلى درجة حرارة الغرفة، ويتكون من جرعة واحدة فقط.
يعتمد لقاح “فايزر-بيونتيك” على تقنية تعرف باسم “مرسال الحمض النووي الريبوزي، أو mRNA. وفي هذه التقنية، يحقِن اللقاح مادة وراثية من الفيروس في الجسم الذي يستخدم هذه المادة لتكوين بروتين من النوع الذي يُرى بشكل طبيعي على سطح جزيئات فيروس “كوفيد”، والذي يقوم بدوره بحفز جهاز المناعة. ويتم اختبار اللقاح الآن على مجموعة متنوعة عرقيًا من 43.000 شخص، ولم تكتمل التجربة بعد. وتستند النتائج المعلنة حتى الآن إلى تحليل مؤقت أجرته مجموعة مستقلة لمراقبة البيانات. وتخطط الشركتان لتقديم بياناتها وإتاحتها للمراجعة في منشور علمي. ومن الممكن أن يتغير تقدير الفعالية بينما يتم جمع المزيد من البيانات. ومع ذلك، فإن النتائج مذهلة بما فيه الكفاية بحيث أنه من غير المحتمل أن تكون النتيجة النهائية أي شيء آخر سوى لقاح مفيد للغاية.
ما تزال لدينا ثلاثة أسئلة مهمة حول اللقاح. أحدها هو مدى تأثيره على كبار السن، وهم إحدى المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا والذين قد لا يستجيبون جيداً بالمقدار نفسه. وثمة آخر هو ما إذا كان اللقاح يمنع العدوى (يظل من الممكن أن يحمي اللقاح شخصاً من ظهور أعراض “كوفيد- 19” عليه، لكنه لا يمنع انتشار المرض للآخرين). كما أن فعاليته على المدى الطويل غير معروفة تمامًا.
ولكن، حتى مع ذلك، ما مِن شك في أن النتائج إيجابية للغاية. وعلاوة على ذلك، تقول شركة “فايزر” إنها لم تظهَر مخاوف جدية تتعلق بالسلامة في التجارب الجارية، على الرغم من أن جمع المزيد من البيانات المتعلقة بالفعالية ما يزال جارياً.
من المتوقع أيضًا ظهور أنباء عن لقاحين آخرين، من “أسترا زينيكا” AstraZeneca، وهي شركة أدوية كبيرة أخرى، مع فريق في جامعة أكسفورد، ومن شركة “موديرنا” Moderna الأميركية للتكنولوجيا الحيوية، في الأسابيع المقبلة. ومن المعروف مسبقاً أن لقاح “أسترا زينيكا-أكسفورد” يحفز استجابة مناعية جيدة لدى كبار السن. وهكذا، حتى لو لم يكن لقاح “فايزر” جيدًا لهذه المجموعة، فإن هناك فرصة جيدة لأن يقوم لقاح آخر بالمهمة.
باختصار، أصبح وصول اللقاحات لترويض الوباء قريباً من المتناول الآن. لكن الأمر سيستغرق وقتاً. ستكون الخطوة التالية هي أن تتقدم شركة “فايزر” بطلب طارئ للحصول على تصريح للقاح في أميركا وأوروبا. ولدى منظمة الصحة العالمية عملية للسماح باستخدام مثل هذه التراخيص في البلدان التي لا توجد فيها وكالات تنظيمية. وسيتعين على التقدم للحصول على ترخيص لقاح BNT162b2 الانتظار حتى الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني (نوفمبر). ولن تتقدم شركة “فايزر” إلا بعد جمع حصيلة شهرين من بيانات السلامة من المشاركين في التجربة. وقد تصرّح الوكالات باستخدامه للفئات المعرضة للخطر (مثل أطباء المستشفيات والكوادر التمريضية) بحلول نهاية العام، بانتظار مزيد من بيانات السلامة؛ ويمكن أن تأتي الموافقة الأوسع في الربع الأول من العام 2021. وستكون إمدادات اللقاحات محدودة أيضًا في البداية، على الرغم من أن التصنيع الضخم للقاح BNT162b2 جارٍ منذ تشرين الأول (أكتوبر). وتشير التوقعات الحالية إلى أن 50 مليون جرعة من اللقاح ستكون متاحة في العام 2020، وأن 1.3 مليار جرعة ستُنتج في العام 2021.
وهناك أيضاً تحديات هائلة تتعلق بالتوزيع في المستقبل. لم يقم العالم قط بعملية تلقيح بمثل هذا الحجم وسعة النطاق من قبل. وستكون (اليونيسف)، وكالة رعاية الأطفال التابعة للأمم المتحدة، إحدى الهيئات التي تقود التوزيع العالمي للقاحات
“كوفيد- 19”. وتقول المنظمة إنها تشتري سنويًا ما بين 600 و800 مليون حقنة للتحصين الروتيني للأطفال، ومن المرجح أن تزيد الطلبات من أجل “كوفيد” هذا العدد ثلاثة أو أربعة أضعاف. وتقوم كل من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية برسم خرائط التوافر العالمي لقدرة سلاسل التخزين المبرّدة لمساعدة البلدان على الحصول على اللقاحات.
على المدى الطويل، ستجعل فعالية اللقاح البالغة 90 في المائة من الممكن توليد مناعة القطيع. وإذا أخذ عدد كافٍ من الناس مثل هذا اللقاح الفعال، فستتم أيضًا حماية أولئك الذين لا يأخذونه أو لا يستطيعون. ومع ذلك، فإن الأولوية على المدى القصير هي أن يقوم العالم بعمل جيد في إيصال جرعات اللقاح بطريقة مستهدفة إلى الأماكن التي تشتد فيها الحاجة إليه. وسيساعد ذلك على السيطرة على الوباء ويضمن تعافي الاقتصاد العالمي بشكل أسرع. ويمكن أن يعود السفر والتجارة أيضًا إلى شيء يقترب من الطبيعية.
ثمة مشكلة صغيرة أخرى تتعلق بنسبة الفعالية البالغة 90 في المائة: إنها أقرب إلى الحماية الكاملة التي يمكن أن يحققها علم اللقاحات. وسوف يصبح هذا أداة أساسية للأطباء والممرضات والاختصاصيين الاجتماعيين، والتي تمكنهم من أداء وظائفهم بقدر أقل من الخوف. وسوف يشعر الأشخاص في العديد من المهن الأخرى بالشعور نفسه، ولكن سيتعين عليهم التحلي بالصبر وانتظار دورهم.
وهناك سبب آخر للاحتفال. لم يكن قد ثبت أن تقنية “مرسال الحمض النووي الريبوزي” التي تستخدمها شركتا “فايزر” و”بيونتيك” تعمل على البشر من قبل. وتعني البيانات التي تم جمعها من التجارب واسعة النطاق لتقنية “المنصة” هذه أن الشركتين ستتمكنان بسرعة وسهولة من إجراء تعديلات طفيفة على تسلسل “مرسال الحمض النووي الريبوزي”، وبالتالي تغيير البروتينات التي يطور الجسم مناعة ضدها. وهذا يعني أنه سيكون من الممكن، في حالة ظهور سلالات جديدة من فيروس “كوفيد- 19″، إجراء تعديلات سريعة ومناسبة على اللقاح لاحتوائها.
حتى بعد حصوله على الموافقة التنظيمية، من المحتمل أن يستغرق الأمر أشهرا عدة قبل أن يظهر تأثير اللقاح على الجائحة. لكن ما يحدث الآن يؤشر على بداية النهاية.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: The shot that rang across the world: Pfizer’s and BioNTech’s vaccine is the start of the end of the pandemic