عمار براهمية
تعالت اصوات فرنسية وهي تعوي بكل قواها العنصرية، لأنها تتألم بوجع سيروي للأجيال تفاصيل بطولات القضية الوطنية، التي تنتصر دائما رغم الطعنات الخلفية والدسائس الكيدية، والتي تقودها لوبيات حاقدة تتغلغل بخبث باستخدام شعارات رنانة وعناوين فضفاضة، لكن مضامينها تشترك في غاية تعميق معضلة الخيانة التاريخية، التي تجسدت آخر صورها في افتعال أزمات ندرة لمواد وسلع استهلاكية أساسية، لتتزامن هذه المشكلات في كل مرة مع حقائق بطولية يراد طمسها بباطل مزور لضرب الثقة والقيم الوطنية،
ولكن أصل القضية فضح هذه الواجهة الكيدية التي أقوالها ليست كأفعالها، كونها تظهر في أوقات محورية لتغليب الشك وجعله مدخلا لتغطية مواقف صادقة وتاريخية، وهذا هو الحال المخزي الذي فُرض على النخبة الحقيقية التي حُجبت وطُمست بقصد من المزايدين كذبا وغلوا في الوطنية،
وكشف هذه الفئة الكاذبة يحتاج حتما إلى الرجوع للحقائق التاريخية التي صنفت الخونة والحركى وأبنائهم وكل من كان في فلكهم في خدمة أمهم التي تم تجريمها بثورة اخرجتها بقوة حربية ولسنوات أغيثت فيها أرض الجزائر الطاهرة بدماء الملايين من الأبطال الذين قضوا في ساحة الحرية،
ومع كل هذه التضحيات بقت مخلفات البذرة الفرنسية تعبث بكل القيم وبالأسر الثورية، التي واجه ابنائها مصيرا محكما باقصاء وتهميش فرضه المتبجحون بلغة حاضنة الحركى والخونة من واجهات اعلامية ومندسين في الادارات، ومن الذين يرفضون تواجد الشرفاء ولو من بعيد لان فيهم رائحة الثورة والقيم النوفمبرية الحقيقية،
ودليل فضح اعداء الوطن يتضح ويظهر للعيان مع كل لحظة تاريخية تمر بها الأمة الجزائرية، من خلال حوارات للنقد الهادم والشك الناقم عبر وسائل اعلامية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بالرنة الباريسية وبالنبرة الاستعلائية لانتقاد حال البلاد التي خانوها بالفطرة الوراثية،
ومنهم من يتعمد دس السم في الحوارات بنقاشات موجهة لذر الرماد على العيون بالتركيز على تفاهات لا تعني شيئا في الواقع، والهدف من ورائها تمرير تركيبة وخلطة مخبرية للفت الانتباه وشد الانظار عن لحظات تاريخية تعيشها الأمة الجزائرية وهي تأدب العقلية الاستدمارية التي طلقها التاريخ بلا نفقة لان أساس وجودها كان فيه تدنيس لأرض طاهرة ترفض العلاقات غير الشرعية وتلفض نطفتها المدسوسة لانها جٌعلت لتخون وتُفسد ثروات نفس الأرض الغنية،
وبالنظر لما تعرفه العلاقات الجزائرية الفرنسية من تراجع كبير في الآونة الأخيرة جراء ممارسات فرنسية غير دبلوماسية، رفضتها الجزائر بشدة لما فيها من تدخل في شؤونها الداخلية، خاصة تلك التصريحات الاعلامية المقصودة ضد الجزائر بمؤسساتها وشعبها وتاريخها والتي وصل بها الحد لمستوى خطاب مسعور في أعلى هرم السلطة الفرنسية فيه مساس بالأمة الجزائرية،
لتجعل الردود الجزائرية القوية وبصفعاتها التأديبية ذات القرارات العقابية الرئيس الفرنسي ماكرون يتراجع اعلاميا عن قوله عبر حوار مدبر وبسؤال مرتب مفاده أن فرنسا لم تقصد وأن العلاقات مع الجزائر يجب ان تكون هادئة، فما سبب هذا التراجع السريع يا ترى؟ هل هو ندم المتسرع؟ أم سببه ألم الصفعات الموجعة؟ والواقع يرجح كفة الألم الموجع لتؤكد الأحداث مرة أخرى بان فرنسا لا تفهم إلا بلغة الردود الندية وبمواقف السيادة التامة والقوية،
ومع ذلك استمرت المكابرة والتغطية لتخفيف تبعات فشل محاولة التراجع والتهدئة والتي اظهرت ماكرون في حجم صغير أمام الردود الجزائرية، ليتحرك اليمين الفرنسي المتطرف من خلال كلامه الرجعي المعهود واعتقاده العنصري المنبوذ، وكل ذلك لحجب الألم واخفاء صوت الأنين والفشل الذريع أمام المواقف الجزائرية،
ولتختتم العملية بتحريك اليد الخفية بحركة اعلامية بهلوانية تُظهر تدشين صف أو مدرسة فرنسية بطريقة استعراضية، وكأن الامر فيه إنجاز رغم أن واقعه لا يعني الا عددا جد محدود ويعد على رؤوس الأصابع من الراغبين في الدراسة ضمن صف هذه المدرسة، والتي تمثل اللاحدث أمام بداية موسم دراسي جزائري تميز بدخول اكثر من عشرة ملايين تلميذ في مدارسهم العمومية والمجانية، فبعدا لسبعين تلميذ من الصف الفرنسي المدشن في مدينة عنابة عن الملايين من التلاميذ الجزائريين الملتحقين مجانا بالمدرسة الوطنية الجزائرية؟ فهل كان القصد من هذه الخرجة الاعلامية امتصاص نشوة الصفعات التأديبية التي اعطتها الجزائر لفرنسا على يمينها المتطرف وفي يسارها المتعجرف؟ أم أن الامر مجرد تزامن لا يعني بالضرورة التطابق بين الحملات الاعلامية وتفسيراتها السلبية؟
ومن هنا تتضح اللعبة الاعلامية كأداة تضليلية لاستفزاز مشاعر الشعب الجزائري في مقاربة أقل ما يقال عنها انها تمثيلية سخيفة تعكس الحقيقة المرضية لخونة الاوطان المتخاذلين ضد كل لحظة تاريخية، والمؤسف أن اصحاب هذه التمثيليات متنعمون بالامتيازات والمناصب النوعية، ولهم خطب جد حماسية عن الوطنية، لكن عند الحقيقة وحين الجد يعود هؤلاء لأصلهم وفصلهم لممارسة دورهم ضد القضية الوطنية،
والتفسير المناسب والأصح لتهويل تدشين هذه المدرسة يرتبط بتزامن وتطابق رغبة الأعداء والحاقدين مع أدوار الخونة المتربصين بالوطن، وهم يسعون جميعا لامتصاص نشوة جزائرية شعبية اغاضتهم خاصة وأنها عمت مختلف ربوع الوطن بلذة الصفعات التاديبية التي حركت ورجت الصفوف السياسية داخل الدهاليز الفرنسية، التي فقدت سيطرتها على اجنحتها الداخلية لتتشاجر بعد صراع طويل في السر خرج للعلن بين يمين متطرف بلا قيم ولا مبادئ انسانية ويسار يسعى بتعجرف للسلطة، وكلهم متعطشون لامتصاص الثروات الافريقية.
كاتب جزائري
Source: Raialyoum.com