هي واحدة من بين نحو ألف شخص مصاب بمرض “جفاف الجلد المصطبغ” في تونس الذي يجعل الجلد حساسا بشكل مفرط ضد أشعة الشمس فوق البنفسجية، ولكنها من القلة الذين استطاعوا أن يسطروا قصة نجاح داخل المجتمع وتصبح مصدر فخر في محيطها الأسري.
حرب مع الشمس وضد التنمر
تقول لمياء حكيم (29 سنة) لـ”سبوتنيك“، إنها تعيش بهذا المرض منذ كانت رضيعة وهو ما اضطرها إلى عيش حياتها في محاربة مستمرة مع الشمس. فلا تخرج لمياء إلى الشارع إلّا وهي متسلحة بلباس خاص وبمرهم واقٍ ونظارات شمسية وأحيانا بمظلة مطر لتحمي جسدها من الأشعة فوق البنفسجية.
هذه الحياة تؤكد محدثتنا أنها ليست بالسهلة، فهي تحاول جاهدة أن تعوّض ليلا ما تُحرم منه نهارا. ورغم الدعم المعنوي والمادي اللامحدود الذي حظيت به من أسرتها فقد عانت لمياء من الرفض المجتمعي ومن شتى أنواع التنمر.
وتضيف: “أكثر من 20 سنة من عمري قضيتها بين الاحساس بالوحدة والرفض والتنمر، فنظرات الناس المستغربة من مظهري لم تفارقني وأسئلتهم اللاذعة لم تغادر مخيلتي من قبيل لماذا تلبسين بهذا الشكل؟ ولماذا تضعين حجابا مع ألبسة متحررة؟ وهل أنت صائدة نحل؟ وأنت تخيفين أطفالنا”.
عبارات قاسية لم تمنع لمياء من المضي قدما، بل جعلت من اختلافها مصدرا لقوتها فأوجدت مكانا لها داخل المجتمع وأثبتت أن أطفال القمر وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخصوصية والأشخاص المختلفين قادرون على النجاح وعلى الاندماج مع بقية الناس.
الطريق إلى الدكتوراه
وبعد أن أنهت مرحلة البكالوريا تمكّنت لمياء من الحصول على شهادة الماجستير في العلوم، وهي اليوم بصدد وضع اللمسات الأخيرة لرسالة الدكتوراه في علم الجينات والوراثة. تضيف “لم يكن اختياري لهذا التخصص أمرا اعتباطا بل هو اختيار مدروس غذّته رغبتي في فهم مرضي منذ الطفولة”.
إذ لم يكن من الهيّن على لمياء الطفلة أن تفهم سبب اختلافها، فكانت تفكر في دراسة الطب حتى تتمكن من إيجاد علاج لمرضها الذي كانت تظنه حساسية في الجلد، قبل أن تكبر وتعي أنها كانت تفكّر خطأ وأنه يجب عليها أن تتقبل وضعها وأن تواجه مخاوفها وتطور مهاراتها وفقا لهذا الاعتبار.
وليست الدكتوراه التحدي الوحيد الذي وضعته لمياء على عاتقها، إذ لم تنسَ ذاكرتها ذلك المشهد من طفولتها وهي ذات الثمانية سنوات تجلس في آخر ركن من القسم تستمع إلى المعلمة دون أن تكون قادرة على رؤية الأحرف المكتوبة على اللوحة بعد أن رفضت مدرسة اللغة الفرنسية غلق شبابيك قاعة الدراسة لحجب أشعة الشمس.
تقول لمياء:
“قادني الاحساس بالضيم إلى جعل اللغة الفرنسية مصدر تحدي، فاستثمرت الأوقات التي أبقى فيها وحيدة في المنزل في تطوير مهاراتي حتى تحصلت على دبلوم في اللغة الفرنسية، ثم درست الانجليزية وتعلمت أيضا الطبخ والرسم، واليوم أقفل تقريبا خمس سنوات من تدريس الفرنسية.
طموح لا ينضب
لمياء حكيم، هي أيضا عضو مجلس بلدي منذ 2019، تقول إنها أرادت من خلال هذه التجربة اسكات صوت الفشل الذي تنبأ به الناس لها، وإيصال رسالة مفادها أن أطفال القمر بإمكانهم النجاح والتألق وأن يصبحوا عناصر فاعلة داخل المجتمع.
ولا تتوقف طموحات لمياء عند هذا المستوى، ففي قائمة غاياتها الكثير من الخطط المستقبلية، فالحياة بالنسبة لطفلة القمر مليئة بالفرص والتحديات، مضيفة أن التجارب الفاشلة لا يجب أن تمنع أحدا من المضي قدما وأن سلاح المرء يكمن في العزيمة والإصرار على تحقيق الهدف.
وتابعت:
“في تونس أربعة فقط من أطفال القمر تمكنوا من بلوغ مستوى التعليم العالي بينما انقطع معظمهم عن الدراسة في سن مبكرة، لكن هذا لا يعني أنهم محدودو القدرة الذهنية وإنما لأن غالبيتهم ينسحبون إلى الظلمة ويختارون العزلة على الحياة”.
وأشارت إلى أن الحياة ليست وردية وأن النجاح يتطلب بذل الجهد والتضحية خاصة بالنسبة لأطفال القمر الذين يجب أن يتسلحوا بالشجاعة والقوة وأن يطوروا مهاراتهم.
وتؤكد لمياء أن الاحساس بالاختلاف لم يفارقها في أية لحظة من حياتها لكن السر يكمن في قبولها لهذا الاخلاف، قائلة “إن الله ينتزع منك أشياء ليعوضك بأخرى لا تحصى ولا تعد، لكن ما عليك سوى البحث عن تلك المهارات المخفية وأن تطورها وتجعلها طريقا لنجاحك”.
ورغم أن تونس حاصلة على أكثر من 14 جائزة في مجال رعاية المصابين بمرض “جفاف الجلد المصطبغ” وهي أيضا مرجع علمي في بحث وتشخيص هذا المرض، إلا أن نظرة المجتمع لأطفال القمر ما تزال سلبية، ما جعلهم يحاربون أشعة الشمس وألسنة الناس معا.