القدس المحتلة – يكاد يجمع محللون وباحثون عسكريون إسرائيليون على أن تصاعد التوتر بين إيران وأذربيجان ليس بالضرورة أمرا إيجابيا لإسرائيل، بيد أنهم يرجحون أن هذا التصعيد لن ينزلق إلى حد المواجهة والاستهداف العسكري العلني من قبل طهران لمصالح تل أبيب.
وتأتي هذه التقديرات الإسرائيلية بعد تنفيذ تل أبيب مؤخرا عمليات “تخريبية” استهدفت مصانع قرب طهران مرتبطة بالبرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين. ورغم عدم كشف الإيرانيين عن تفاصيل نتائج هذه الأعمال التخريبية، التي أثارت مخاوف طهران من استغلال تل أبيب علاقتها القوية مع باكو كمنصة لاستهداف برامجها السرية، فإن إيران حذرت جارتها الشمالية من أنها لن تتسامح مع الأعمال الإسرائيلية من الأراضي الأذربيجانية.
وتسببت مزاعم طهران بأن إسرائيل ستستخدم المطارات في أذربيجان إذا قررت تل أبيب مهاجمة إيران، في توتر كبير في العلاقات بين أذربيجان وإيران، التي صعدت من لغة التهديد والوعيد ونفذت مناورات عسكرية على طول الحدود مع أذربيجان والتي تبلغ 900 كيلومتر، بمشاركة القوات البرية والمدفعية وألوية مدرعة وطائرات مسيرة وآليات حربية إلكترونية.
كما ينظر إلى صفقات الأسلحة بين إسرائيل وأذربيجان، ولا سيما الصفقة الضخمة الأولى الموقعة بين البلدين في العام 2012 وبلغت قيمتها 1.6 مليار دولار، وتبعتها صفقات سنوية بمعدل مليار دولار كل عام لتزويد أذربيجان بطائرات مسيرة وأنظمة الأقمار الصناعية الإسرائيلية، على أنها تعبير آخر عن تطوّر يهدد إيران.
التهديدات الإيرانية
وعلى الرغم من حدة التهديدات الإيرانية، فإن رون بن يشاي المحلل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” قلل من تهديدات طهران لإسرائيل والمناورات الإيرانية على طول الحدود مع أذربيجان.
واستبعد بن يشاي، في مقال له بالصحيفة، إمكانية أن تستهف طهران المصالح الإسرائيلية في أذربيجان، ورجّح أن التهديدات تأتي ردا على ما ينسب إلى إسرائيل من استهداف للمنشآت النووية الإيرانية وتهديد المصالح الاقتصادية الإيرانية من قبل أذربيجان.
وأشار المحلل العسكري إلى أن المناورات تعكس الهواجس التي تعيشها طهران جراء توغل إسرائيل في منطقة القوقاز وتعزيز علاقاتها مع أذربيجان، وعليه تأتي هذه المناورات والتهديدات في سياق إعادة ترتيب الأوراق من قبل إيران ودول إقليمية، مثل تركيا، ووضع الإستراتيجيات عقب الحرب بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني قره باغ العام الماضي.
السلاح الإسرائيلي
وأوضح بن يشاي أن علاقات التبادل التجاري وشراء المعدات العسكرية بين إسرائيل وأذربيجان معروفة للجميع وليست سرا، حيث تذكر مصادر إسرائيلية أن أذربيجان اقتنت منظومة صاروخية إسرائيلية وطائرات مسيرة من صناعة شركة “ألبيت” (Elbit) الإسرائيلية للصناعات الدفاعية والعسكرية.
وخلال الحرب في إقليم ناغورني قره باغ، يقول المحلل العسكري “اشترت أذربيجان أنظمة أسلحة متطورة من إسرائيل مقابل ما يقارب مليار دولار، كما سبق إبرام صفقة بين البلدين بمعدل مليار دولار سنويا، وفي مقابل هذ الصفقات والدعم والمساعدة الإسرائيلية، تمكّن أذربيجان تل أبيب من إجراء تدريب استخباراتي وعسكري في أراضيها دون الإفصاح عن طبيعية هذه التدريبات العسكرية والمناورات الإسرائيلية”.
ويعتقد بن يشاي أن إيران ترى التسلح الإسرائيلي لأذربيجان مدعاة للقلق لأن الدعم والاستشارة العسكرية من قبل إسرائيل، وشركات خاصة، يعزز من قوة أذربيجان عسكريا، وبالتالي يعطيها القوة للمطالبة بمزايا اقتصادية والمطالبة بالمزيد من الموارد الطبيعية، التي قد تتشارك بها مع إيران، وهذا يهدد مصالح إيران الاقتصادية في حال أي خلاف مع أذربيجان.
تصدير أزمات
مع تكرار حوادث استهداف المنشآت النووية الإيرانية، يرى الدكتور نمرود جورون مدير معهد “ميتفيم” (Mitvim Institute) المتخصص بالسياسات الخارجية للشرق الأوسط وإسرائيل، أن طهران صعدت من حدة المزاعم والتهديدات لأذربيجان بسبب النشاط الإسرائيلي ضد الأهداف الإيرانية من داخل أذربيجان، التي لها حدود مشتركة طويلة مع إيران، وهي حدود لا تبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات عن العاصمة طهران.
ويقول جورون في حديثه للجزيرة نت إن “طهران تستغل التوتر مع تل أبيب التي تعزز من علاقاتها الأمنية وتعاونها العسكري مع أذربيجان، لتصدير الأزمات التي تعصف بها جراء الخلاف بين إيران وأذربيجان حول نقل شاحنات الوقود الإيرانية والبضائع إلى حليفتها أرمينيا عبر إقليم ناغورني قره باغ”.
ويعتبر هذا الطريق البري مهما للغاية لتهريب النفط والمنتجات من إيران إلى أرمينيا، وهذا سبب آخر يقول جورون “لمحاولة الإيرانيين تهديد أذربيجان بمناورات عسكرية كبيرة من قبل القوات البرية والجوية على الحدود بين البلدين”.
وبالإضافة إلى ذلك، يرى جورون أن “هناك صراعا قديما بين الدولتين ينبع من هوية السكان في المنطقة الحدودية، فثلث الإيرانيين هم من الآذريين. ومنذ استقلال أذربيجان في عام 1991، كانت العلاقات بين هذين البلدين مشبعة بالتوتر، لذلك فالتوتر الحالي بين إيران وأذربيجان ليس جديدا”.
لكن من ناحية أخرى، يعتقد أن التوتر الحالي يعتبر استثنائيا مقارنة بالفترات السابقة “بسبب زيادة العقوبات الدولية على طهران، فضلا عن التهديد المنسوب لإسرائيل بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية”.