
تونس- لم يتبق إلا 3 أيام على موعد تسليم الرئيس التونسي قيس سعيّد مسوّدة مشروع دستور جديد من اللجنة الاستشارية المشرفة على صياغته. وبينما يرى معارضوه أن اللّجنة لم تنجز أي مسودة، وأن الرئيس لديه دستور جاهز سيعرضه على الاستفتاء، يقول مؤيدوه إن مسودة الدستور ستكون جاهزة في الآجال المحددة بعد بلورتها بشكل تشاركي.
وكان سعيّد قد أصدر مرسوما رئاسيا يتعلق باستحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل “جمهورية جديدة”، لصياغة مشروع دستور جديد يعرض للاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز المقبل. وتتكون الهيئة من اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة الاستشارية القانونية، ولجنة الحوار الوطني.
ما تركيبة اللجان التي ستكتب مسودة الدستور؟
تتركب اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، التي تتولى تجميع المقترحات حول مسودة الدستور الجديد، من ممثلين عن اتحاد الشغل واتحاد أرباب الأعمال واتحاد الفلاحة واتحاد المرأة ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، ويستدعى إليها أي طرف تراه اللجنة مناسبا. وقد رفض اتحاد الشغل المشاركة في أعمالها لكونها استشارية.
أما تركيبة اللجنة الاستشارية القانونية، التي تهتم فنيا بإعداد مشروع دستور، فقد عيّنها قيس سعيّد من ممثلين عن اتحاد الشغل (الذي يقاطع المشاركة)، واتحاد الصناعة والتجارة (اتحاد أصحاب الأعمال)، واتحاد الفلاحة، واتحاد المرأة، ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، إضافة إلى 7 عمداء من كليات الحقوق والعلوم السياسية وكليات الدراسات القانونية والسياسية.
وتتكون لجنة الحوار الوطني من أعضاء اللجنتين المذكورتين، وتتولى على ضوء نتائج أعمالهما التأليف بين مقترحاتهما لصياغة مسودة دستور جديد، ثم يفترض أن يتسلم الرئيس قيس سعيّد مسودة الدستور الجديد من رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد في أجل أقصاه 20 يونيو/حزيران الجاري.
هل هناك مسودة جاهزة للدستور لدى الرئيس؟
انطلقت أولى أعمال الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، المكلفة بصياغة مسودة الدستور، مع بداية اجتماع إحدى لجانها الرئيسية (اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية) في 4 يونيو/حزيران الجاري، وسط مقاطعة اتحاد الشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد)، وبمشاركة شخصيات بعضها لا دراية له بالاقتصاد.
ورغم قلة اجتماعاتها، فإن اللافت للنظر -بحسب جوهر بن مبارك، القيادي في جبهة الخلاص المعارضة للرئيس والاستفتاء- هو عدم اجتماع اللجنة الاستشارية القانونية المكلفة فنيا بكتابة بنود مسودة الدستور، مذكّرا باعتذار عمداء كليات الحقوق والعلوم السياسية عن المشاركة في تركيبة اللجنة الاستشارية القانونية حفاظا على حيادهم.
ويقول بن مبارك للجزيرة نت إن “الحديث عن صياغة مسودة دستور بطريقة تشاركية في صلب اللجان الاستشارية ضحك على الذقون”، متسائلا “أين هي مسودة مشروع الدستور بينما لم تجتمع اللجنة الفنية القانونية ولا مرة؟”. وبالنسبة إليه هناك فرضيتان “إما أنه لا توجد أصلا مسودة دستور، أو أن هناك دستور جاهز مسبقا”.
وانتقد هذا الناشط السياسي إصدار الرئيس سعيّد مرسوما رئاسيا يدعو فيه التونسيين إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور يوم 25 يوليو/تموز المقبل بنعم أو لا، دون نشر مشروع الدستور الجديد للاطلاع عليه. وقال “الدستور عقد اجتماعي تنجزه مختلف مكونات المجتمع، لكن ما حصل هو كتابة دستور على المقاس”.
أي تقدّم أحرزه مسار كتابة الدستور الجديد؟
وبعكس ما يسوّقه معارضو الرئيس، فإن تقدم صياغة مسودة دستور جديد في اللجان الاستشارية يسير بشكل ثابت، وسيتم تسليم الرئيس قيس سعيد في الأجل المحدد بيوم 20 يونيو/حزيران الجاري مسودة الدستور، ليعرضها على التونسيين قبل المرور إلى الخطوة الحاسمة وهي الاستفتاء، بحسب الناشط السياسي أحمد الكحلاوي.
ويقول الكحلاوي، وهو رئيس حركة النضال الوطني المؤيدة للرئيس، إن القول بعدم اجتماع اللجنة الاستشارية القانونية أو وجود مسودة دستور جاهزة هو “افتراء”، كاشفا أن اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية اجتمعت 4 مرات منذ مطلع هذا الشهر، وقدّم المشاركون في أعمالها 50 مقترحا لصياغة الدستور.
وأوضح أن خبراء في اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها عميد المحامين إبراهيم بودربالة، قاموا بتبويب المقترحات قبل إرسالها إلى اللجنة الاستشارية القانونية التي تجتمع بعيدا عن أضواء الإعلام، لأن المرسوم يحمّل جميع أعضاء اللجان الاستشارية واجب التحفظ وحفظ سرّ المداولات، بحسب قوله.
وكشف أن لجنة الحوار الوطني التي تضمّ اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية واللجنة القانونية، ستجتمع غدا السبت في قصر الضيافة بقرطاج، للاستماع إلى مسودة الدستور قبل عرضها بأقصى تقدير يوم الاثنين المقبل 20 يونيو/حزيران على أنظار الرئيس، حتى يكشف عن النسخة الأخيرة للدستور في 30 من الشهر الجاري.
ما أبرز ملامح الدستور الجديد؟
ويؤكد أحمد الكحلاوي أن مشروع الدستور الجديد سيعيد إرساء نظام رئاسي ديمقراطي لتجاوز الهنات الموجودة في دستور 2014، على غرار تنازع السلطات بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس الحكومة)، كما سينهي ما وصفها باللامركزية المنفلتة في باب السلطة المحلية التي باتت تهدد بتفكيك الدولة كلما أسيء تطبيقها، وفق قوله.
لكن الناشط السياسي جوهر بن مبارك يؤكد أن مشروع الدستور الجديد سيعيد تونس إلى مربع الدكتاتورية، معتبرا أن مشروع الرئيس التونسي -الذي يحكم منذ إعلانه في 25 يوليو/تموز 2021 عن تدابير استثنائية شملت تعليق عمل البرلمان وحل الحكومة- هو “الاستحواذ على جميع السلطات”.
وكان رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة الصادق بلعيد، قد أشار إلى خطوط عريضة لملامح مسودة الدستور، كاشفا عن التوجه لإرساء نظام رئاسي مقابل تراجع صلاحيات الحكومة والبرلمان الذي سيصبح دوره تشريعيا، ولن يختار رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات.
أي سيناريوهات إذا رُفض الدستور في الاستفتاء؟
من المفترض أن تنظم هيئة الانتخابات التي غيّر الرئيس التونسي تركيبتها مؤخرا، استفتاء حول مشروع الدستور الجديد يوم 25 يوليو/تموز 2022. ويقول أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي للجزيرة نت إنه من غير المستبعد في ظل الفراغ القانوني أن يقوم الرئيس بإعداد مشروع دستور جديد لعرضه من جديد على آلية الاستفتاء.
ويستبعد الناشط السياسي أحمد الكحلاوي مقاطعة التونسيين الاستفتاء من أجل تمرير الدستور الجديد، جراء سخطهم على تدهور الأوضاع في البلاد طوال العشرية الماضية. في المقابل يقول الناشط السياسي جوهر بن مبارك إن الاستفتاء مصيره الفشل، خاصة مع التحام الحراك السياسي بالحراك الاجتماعي إثر الإضراب العام الذي نظمه أمس الخميس اتحاد الشغل.