}
حكم حضور حفلات الزفاف
حكم حضور حفلات الزفاف في حال الالتزام بالضوابط
في حال الحصول دعوة لحفل الزفاف
يجوزُ للمُسلمِ المُشاركة في حفلات الزّفاف المدعو إليها والتي تكونُ خاليةً من المُنكرات؛ كالاختلاط المحرّم، أو الغِناء الفاحش،[١] وتعدّدت أقوال الفُقهاء في حُكم إجابة الدعوة لحفلات الزّفاف الخالية من المنكرات، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢]
- القول الأول: وُجوب إجابة الدّعوة، سواء كانت في الزّفاف أو غيره، وذهب إلى هذا القول بعضُ الشافعيّة، وابن حزم، والشوكانيّ، واستدلّوا بقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إذا دُعِيَ أحَدُكُمْ إلى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِها)،[٣] وقوله -عليه الصلاة والسلام- عن إجابة الدعوة لوليمة الزفاف: (ومَن تَرَكَ الدَّعْوَةَ فقَدْ عَصَى اللَّهَ ورَسوله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)،[٤] ولفظ العِصيان لا يُطلق إلَّا على ترك الواجبات.
- القول الثانيّ: إجابةُ الدّعوة سُنّةٌ مُطلقة، سواء كانت في الزّفاف أو غيره، وذهب إلى هذا القول بعضُ الشافعيّة، والحنابلة، وابن عبد البرّ، وبعضُ المالكيّة، واستدلّوا على ذلك بهدي النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في الدّعوة: (لَوْ دُعِيتُ إلى كُراعٍ لَأَجَبْتُ، ولو أُهْدِيَ إلَيَّ كُراعٌ لَقَبِلْتُ).[٥]
- القول الثالث: إنَّ الدّعوة واجبةٌ في الزّفاف فقط دون غيره، وهذا قول الجمهور من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وقول الإمامُ مالك، والثوريّ، والخطابيّ، والعنبريّ، واستدلّوا على ذلك بقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأغْنِيَاءُ ويُتْرَكُ الفُقَرَاءُ، ومَن تَرَكَ الدَّعْوَةَ فقَدْ عَصَى اللَّهَ ورَسوله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)،[٤] وعند إطلاق لفظ الوليمة فيُراد بها وليمة الزّفاف دون غيرها، فتبيّن وجوب الإجابة لدعوة الزّفاف.
- القول الرابع: إنّ إجابة الدّعوة فرضٌ على الكِفاية، أي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وهو قول بعضُ الشافعيّة والحنابلة، واستدلّوا بِعُموم الأحاديث الواردة في إجابة الدعوة، فقالوا إنَّ الإجابة إكرامٌ، فهيَ كردِّ السّلام.
‘);
}
في حال عدم الحصول على دعوة لحفل الزفاف
يُسمّى الشخص الذي يحضر ولائم الزّفاف من غير دعوة بالطُفيليّ، وذهب جماهيرُ أهل العلم إلى تحريمِ الأكل من ولائم الزّفاف من غير دعوة؛ لأنَّهُ اعتداءٌ على مالِ الغير بغير حقّ، والأكل من طعامِ النَّاس مُتوقفٌ على موافقتهم وإذنهم، وكره الإمامُ أحمد هذا الفِعل، وذكر الإمام الشافعيّ تفسيق من يُكرّر ذلك الفعل، واستدلّوا بكثيرٍ من الأدلّة الواردة في القرآن الكريم والسُنّة النبويّة والمعقول، فمِن القرآن الكريم قوله- تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا)؛[٦] حيثُ بيَّن الله -تعالى- عدم دُخول بيت النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- إلّا بعد إذنه، وقول “إلّا أن يؤذن لكم” صريحٌ بوجوب أخذ الإذن قبل تناول الطّعام.[٧]
ومن السنَّة النّبويّة، قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (لا يَحِلُّ مالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنهُ)،[٨] فالحديث يدُلّ بِعُمومه على حُرمة أخذ مالِ الغير إلَّا بطيبِ نفسٍ منه، والأكل من طعام الغير بغير إذنه كأخذ ماله، ومن الأدلة العقليّة أنَّ حُضور المناسبات من غير دعوة نوعٌ من السّفه والدناءة، وذهابٌ للمروءةِ، وحُصول الذلّ والإهانة.[٧]
حكم حضور حفلات الزفاف في حال الإخلال بأحد الضوابط
تعدّدت أقوال الفُقهاء في حُضورِ حفلات الزّفاف في حالِ الإخلال بأحدِ الضوابط الشرعيّة؛ وذلك بحسب الوقت الّذي يَعلم فيه الشخص المدعو بوجود المحرّمات فيها، وتفصيل ذلك فيما يأتي:[٩]
- الحالةُ الأولى: إن كان الشخص المدعو يَعلم قبل حُضوره بوجود الإخلال أو وجود المُحرّمات؛ فلا يجوز له الحُضور؛ إلَّا إذا كان يَستطيع تغيير هذا المُنكر؛ فعندها يجبُ عليه الحُضور، وهذا القول المعتمد عند الشافعيّة،[٩] قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)،[١٠] وهذه المُحرّمات أحد أشكال شهادة الزّور التي نَهى عنها الإسلام، وهي تُغضب الله -تعالى-، وعليه فلا يجوز الذّهاب إليها؛ إلَّا إذا كان قادراً على التأثير أو التغيير لهذا المُنكر.[١١]
- الحالة الثانيّة: إن عَلِم بوجود ذلك بعد حُضوره، ولم يقدر على تغييرها، فيجبُ عليه الانصراف.
- الحالةُ الثالثة: وهو قولٌ عند بعض الشافعيّة؛ فقالوا بعدم الحرج في حُضور الأفراح التي يوجدُ فيها المُحرّمات، مع أنَّ الأولى تَركها إن كان يعلم بوجودها قبل الحُضور، والانصراف إن علم بها بعد حُضوره، يقول الفقيه العمرانيّ الشافعي: “وإن دعي إلى وليمة فيها منكر؛ فإن علم بذلك قبل الحضور، فإن كان قادرًا على إزالته، لزمه أن يحضر؛ لوجوب الإجابة وإزالة المنكر، وإن كان غير قادر على إزالته، لم تلزمه الإجابة ولم يستحب له الحضور، بل ترك الحضور أولى، فإن حضر ولم يشارك في المنكر، لم يأثم”.
ضوابط حضور الأعراس وحفلات الزفاف
توجد العديد من الضوابط الشرعيّة لِحُضور حفلات الزّفاف، وبيانها فيما يأتي:[١٢]
- الضابط الأول: عدم وُجود مُحرّمٍ أو مُنكرٍ في مكانِ الدّعوة؛ كوجودِ الرّاقصات، أو الغِناء الفاحش، أو الخُمور، لِقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يَجْلِسْ على مائدةٍ يُدَارُ عليها الخمرُ)،[١٣] ومن المُحرّماتِ أيضاً وُجود الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء في حفلاتِ الزّفاف؛ لِما في ذلك من الفتنة، والنظر إلى الحرّام، كما لا يجوز للزّوج الدُّخول على زوجته بين النِّساء المُتبرّجات والمُتزيّنات؛ لِما قد يحصُل من ذلك فتنة.[١٤]
- وفي حالةِ وجود المحرّمات يُنظر إن كان يستطيع الإنكار والتغيير؛ فيكون قد أصاب أجرين، أجر إجابة أخيه المُسلم، وأجر تغييره للمُنكرِ، وإن كان لا يستطيع التغيير أو الإنكار؛ فلا يجوز له الحُضور كما تمّ بيانه سابقاً؛ وهو قول الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وإن عَلِم المدعو بالمُنكر ولكنّه لم يره أو يسمعه؛ فيُخيّر عند الحنابلة بين الجُلوس وعدمه،[١٥] وقد سُئل الإمامُ مالك عن الرّجل الذي يُدعى إلى الطّعام أو الوليمة وفيها خمر أيُجيب الدّعوة؟ فقال: لا؛ لِما في ذلك من إظهار للمعاصي والمُنكر.[١٦]
- الضابط الثانيّ: ألّا يكون الداعي ممّن يُسن أو يجبُ هجره؛ كالفاسق أو المُبتدع الذي يُجاهر بفسقه أو بدعته، وذلك إذا كان بعدم حضور الشخص المدعو فائدة وخير، وأمَّا إن كان عدم حضوره للدعوة يعود عليه بالشرّ والكراهة فيُجيب الدّعوة.
- الضابط الثالث: أن يكون طعام الداعي وماله حلالاً، فلا يجوز الإجابة على الأكل الحرام؛ كلحم الخنزير، أو بكسب مالٍ حرام؛ كالرّبا، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيكُمُ المَيتَةَ وَالدَّمَ وَلَحمَ الخِنزيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيرِ اللَّـهِ بِهِ)،[١٧] وذهب النّوويّ إلى عدم وجوب إجابة الدّعوة في حال كان الطّعام فيه شُبهة.
- الضابط الرابع: أن يُعيِّن الدّاعي المدعو بِدعوته، فلو لم يُعيِّن فلا يلزمهُ الإجابة، لأنَّها دعوة عامّة، على خلاف لو خصّصه بالدّعوةِ فعليه إجابتها.
- الضابط الخامس: ألّا يكون في إجابة الدّعوة ضرراً على المُجيب؛ كوجوده في سفرٍ يَصعبُ من خلاله الوصول إلى الدّعوة، أو أن يُكلِّفه ذلك تكاليف فوق طاقته.
- الضابط السادس: استئذان المرأة زوجها، فلا يجوز لها حضور دعوة عامّة أو خاصة إلَّا بعد أخذ إذن صريح من زوجها، وهذا الضابط خاص بِالنِّساء.
أحكام متعلقة بحضور حفلات الزفاف
حكم حضور المُعتدة حفل الزفاف
يجوزُ للمُعتدّة حُضورُ حفلات الزفاف والأعراس، بشرط ابتعادها عن الزينة والطيب، وأن يكون خُروجها للحاجةِ، كزفاف ابنها أو ابنتها، ولكن يجبُ عليها المبيت في بيتها، وتكون العدّة على المرأة بعد وفاة زوجها، ومُدّتها أربعةُ أشهرٍ وعشرة أيام، ويكون الحِداد على الزّوج بتركِ الزينة والطيب،[١٨] وإن كانت الحفلة خاصة بِالنِّساء وقريبةً من بيتها الذي تُقيمُ فيه العدّة، فلا حرج في الذّهاب إليه لأجلِ الاستئناس والحديث مع غيرها، بشرط أمن الطريق، ورُجوعها إلى بيتها للمبيت فيه.[١٩]
حكم حضور حفل الزفاف في الكنيسة
أجاز العُلماء ذهاب المسلم إلى الكنيسة لِحُضور حفل الزّفاف فيها، بدليل دُخول بعض الصّحابة الكِرام للكنيسة؛ كأبي موسى الأشعريّ -رضيَ الله عنه-، كما أجاز بعض التّابعين كالشعبيّ الصّلاة فيها، مع أنَّ الأولى والأفضل عدم الدُخول إليها إلا لِحاجة؛ كأن يكون الزّفاف لصديقه، أو جاره، أو لِدفع مكروه عنه، وذلك كلِّه بشرط ألّا يُمارس فيها شيئاً من الطُّقوس المُخالفة للدّين،[٢٠] ويُشترط كذلك خُلوّ حفل الزّفاف من المعاصي والمُنكرات؛ كالاختلاط، والغِناء، ويُستحبّ الحُضور إن كان في ذلك تأليف قُلوبهم للإسلام ودعوتهم إليه، فقد جاء عن الإمام الشافعيّ: “فلا تجب إجابة ذميّ، بل تُسنّ إن رُجِيَ إسلامه أو كان نحو قريب أو جار”.[٢١]
المراجع
- ↑الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد،مجلة البحوث الإسلامية – مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 139، جزء 19. بتصرّف.
- ↑إبراهيم بن علي بن عبيد العبيد (1424 هـ)، إجابة الدعوة وشروطها، السعودية: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، صفحة 11-13، 23-24، 28-31. بتصرّف.
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5173، صحيح.
- ^أبرواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 5177، صحيح.
- ↑رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5178، صحيح.
- ↑سورة الأحزاب، آية: 53.
- ^أبخالد بن أحمد آل الصُمي بابطين، إجابة الدعوة في المناسبات العامة والخاصة ضوابط وأحكام، صفحة 636-639، جزء 2. بتصرّف.
- ↑رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن حنيفة عم أبي حرة الرقاشي، الصفحة أو الرقم: 7662، صحيح.
- ^أبدار الإفتاء الأُردُنيّة، “ما حكم حضور حفلات الزفاف في زمننا المعاصر للرجال والنساء ؟”، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 11-3-2021. بتصرّف.
- ↑سورة الفرقان، آية: 72.
- ↑سفر بن عبد الرحمن الحوالي، دروس للشيخ سفر الحوالي، صفحة 26، جزء 106. بتصرّف.
- ↑خالد بن أحمد آل الصُمي بابطين، إجابة الدعوة في المناسبات العامة والخاصة ضوابط وأحكام، صفحة 629-635، جزء 2. بتصرّف.
- ↑رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2801، حسن غريب [فيه] ليث بن أبي سليم كان يرفع أشياء لا يرفعها غيره فلذلك ضعفوه.
- ↑محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 82، جزء 4. بتصرّف.
- ↑إسماعيل شندي، أحكام الوليمة في الفقه الإسلامي، صفحة 269-270. بتصرّف.
- ↑خالد بن أحمد آل الصُمي بابطين، إجابة الدعوة في المناسبات العامة والخاصة ضوابط وأحكام، صفحة 631، جزء 2. بتصرّف.
- ↑سورة النحل، آية: 115.
- ↑الإسلام سؤال وجواب، “المعتدة من وفاة هل لها حضور عرس ابنتها؟”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-3-2021. بتصرّف.
- ↑إسلام ويب (19-9-2004)، “حكم خروج المعتدة إلى حفلة زفاف خاصة بالنساء”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-3-2021. بتصرّف.
- ↑عطية صقر (2010)، موسوعة أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة وهبة، صفحة 626، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ إسلام ويب (2-9-2008)، “حكم دخول الكنيسة لحضور عرس بها”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-3-2021. بتصرّف.