أثار إصدار محكمة إسرائيلية قرارا يسمح لليهود بأداء “صلوات صامتة” في المسجد الأقصى، تساؤلات حول مدى نجاح الاحتلال في تهميش دور وزارة الأوقاف الأردنية، وماذا يمكن للأردن أن يصنع إزاء هذا القرار، وهو الذي يتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس المحتلة.
والأربعاء الماضي؛ أصدرت ما تسمى بـ”محكمة الصلح الإسرائيلية” في القدس، قرارا يتيح لليهود أداء طقوس تلمودية و”صلوات صامتة” في المسجد الأقصى، الأمر الذي قوبل بتنديد حكومة رام الله والفصائل الفلسطينية، وعدد من الدول العربية والإسلامية، منها الأردن.
وأكد الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص، أن “هناك عملية مستمرة لتهميش دور وزارة الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى، بل وإعادة تعريفها باعتبارها تدير الحضور الإسلامي في المسجد فقط، ولا تدير الأقصى بذاته باعتباره مقدسا إسلاميا”، لافتا إلى أن “الفارق كبير بين الأمرين”.
وقال ابحيص لـ”عربي21“؛ إن “هذا المسار التدريجي متصاعد منذ عام 2002، وقد بدأ أولا بانتزاع صلاحية إدخال السياح من الأوقاف؛ لتصبح تحت إشراف شرطة الاحتلال، ومن باب المغاربة الذي تحتكر هذه الأخيرة مفاتيحه منذ 1967”.
وأضاف أنه “في 2003 أعلنت محكمة إسرائيلية إغلاق باب الرحمة، وقد أغلقته الأوقاف بالفعل تحت ضغط قرار محكمة الاحتلال، رغم أنها أعلنت عدم اعترافها به”، متابعا: “وفي السنة ذاتها؛ قرر الاحتلال إدخال المقتحمين أفرادا، ثم جماعات في 2005، ليصبح دخول اليهود والسياح تحت إمرة شرطة الاحتلال”.
وأوضح ابحيص أنه “في 2007 بدأت شرطة الاحتلال هدم تلة المغاربة، منتزعة صلاحية ترميم وقف إسلامي هو أحد أبواب المسجد الأقصى، ثم في 2008 فرضت أوقاتا محددة (وقت الضحى وبعد صلاة الظهر) لاقتحامات المتطرفين”.
اقرأ أيضا:
ولفت إلى أنه “في عام 2012 قررت الحكومة الإسرائيلية وضع جميع ترميمات أوقاف القدس تحت إشرافها، وإجبار هذه الأخيرة على تقديم مخططات الترميم إلى بلدية الاحتلال للموافقة المسبقة، وهو ما أدى إلى وقف فتح أية مشروعات إعمار جديدة، وباتت كل إجراءات الصيانة بحاجة لموافقة إسرائيلية مسبقة”.
وواصل الباحث في شؤون القدس استعراضه لمسار تهميش دور “الأوقاف الأردنية”، قائلا إنه “في أثناء حصارها للأقصى عام 2017؛ حصلت قوات الاحتلال على نسخة من أرشيفات الأوقاف ومحتوى أجهزتها، وبعد هبة باب الأسباط، منعت الأوقاف من تعيين أي حارس جديد، وما يزال المنع ساريا حتى الآن”.
وأضاف ابحيص أن “الاحتلال انتزع من الأوقاف صلاحية ترميم الأسوار الخارجية للأقصى في كانون الثاني/ يناير 2019، وبدأت بلدية الاحتلال في القدس ترميما للسور الجنوبي الغربي للأقصى، وهو ما يزال مستمرا حتى الآن”.
وأوضح أنه “في نيسان/ أبريل من السنة ذاتها؛ رممت شرطة الاحتلال مركزها المغتصب في الخلوة الجنبلاطية في صحن الصخرة بيديها؛ لتكرس انتزاع حصرية صلاحيات الترميم من الأوقاف”، لافتا إلى أن سلطات الاحتلال “ركبت مجموعة من السماعات في أيلول/ سبتمبر 2020، وذلك ضمن مسعاها لتأسيس نظام صوتي مواز لسماعات الأقصى”.
وقال ابحيص؛ إن “من يتابع هذا المسار التاريخي، يجد نفسه أمام تهميش مستمر يصل إلى حد إعادة التعريف، يُفرض على الأوقاف، فيما يستمر الموقف الرسمي الأردني المشْرف على هذه الأوقاف في رفع مستوى تطبيعه مع حكومة الاحتلال، ويوقع المزيد من الاتفاقيات، وأبرزها اتفاقية الغاز”.
وبيّن أن “هذا التهميش تجلى في أكثر من موقف، آخرها حين نفخ المتطرفون الصهاينة البوق في الأقصى يوم 8 أيلول/سبتمبر الفائت، وسمعه حراس الأقصى دون أن يتمكنوا حتى من تصوير ما حصل”، متسائلا: “هل يمكن القول بأن الأوقاف تدير الأقصى فعلا، وهي تعجز حتى عن تصوير ما يجري عليه من عدوان؟”.
من جهتها؛ لم تجب وزارة الأوقاف الأردنية على أسئلة مراسل “عربي21“، حيث وجّه عدة أسئلة حول هذا الموضوع للناطق الإعلامي باسمها، حسام الحياري، إلا أنه امتنع عن الإجابة، دون إبداء أية أعذار.
وبينما ندد الأردن عبر بيان لوزارة خارجيته، الأربعاء، بقرار السماح لليهود بأداء إقامة صلوات صامتة في الأقصى؛ أصدرت اللجنة التأسيسية للملتقى الوطني (الأردني) لدعم المقاومة، بيانا أكدت فيه عدم قدرة وزارة الأوقاف الأردنية على منع تنفيذ هذا القرار، أو مواجهته، أو حتى توثيقه ونقل صورته إلى العالم.
وقالت اللجنة؛ إن هذا القرار “يدق ناقوس الخطر بأن الاحتلال الإسرائيلي قد نجح في عزل دور الأوقاف الأردنية في المسجد الأقصى تدريجيا وتهميشه، بما يتناقض مع الرعاية الهاشمية للمقدسات”، مطالبة الحكومة الأردنية وجميع أجهزة الدولة بـ”أن تنظر إلى هذه التطورات؛ باعتبارها خطرا وجوديا على الدولة الأردنية، يمسّ باستقلالها ومشروعيتها واستقرارها”.
وانتقد رئيس اللجنة التأسيسية للملتقى الوطني لدعم المقاومة، الوزير الأسبق عبدالله العكايلة، الدور الذي تؤديه “وزارة الأوقاف الأردنية في مواجهة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للأقصى والمقدسات”، واصفا إياه بـ”الدور الضعيف جدا”.
وقال لـ”عربي21“؛ إن بيانات الشجب والاستنكار التي تصدرها وزارة الأوقاف أصبحت “صيغة مستسهلة، والكيان الإسرائيلي يرحب بها كونه يعلم أنه لا يتلوها عمل حقيقي”.
اقرأ أيضا:
وحول دور “الأوقاف” المطلوب؛ أوضح العكايلة، أن “دورها هو دور الحكومة الأردنية بأكملها، ويجب على الوزير المسؤول أن يقدم تقريرا لمجلس الوزراء يبين فيه أن الوضع خطير، ويستلزم أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه المسجد الأقصى، حتى يفهم هذا الكيان الغاصب أن هناك عملا حقيقيا، لا مجرد كلام وبيانات”.
وأضاف أن “الدور الأردني الرسمي لم ينهض لمستوى الخطورة التي تهدد الأقصى”، لافتا إلى أن “من المفترض، على أقل تقدير، وكخطوة أولى، أن يكون هناك تهديد بسحب السفير الأردني، وطرد السفير الإسرائيلي، وإيقاف اتفاقية الغاز، وتجميد اتفاقية وادي عربة”.
واستغرب أن يقابل الأردن انتهاكات الاحتلال المتواصلة بحق وصايته على المقدسات ببيانات الشجب والإدانة، مذكّرا بأن “الإسرائيليين قتلوا القاضي أكرم زعيتر، وقتلوا شابا أردنيا في سفارتهم بعمّان، واستقبل نتنياهو القاتل بالأحضان، والآن يهددون الأقصى صباحا ومساء، ليس فقط باقتحام مستوطنين، وإنما بشعائر وتراتيل وصلوات، حتى يكرسوا الواقع التعبدي لليهود”.
وطالب العكايلة الحكومة الأردنية بمخاطبة المجتمع الدولي، وعلى رأسه أمريكا ومجلس الأمن، بأن إجراءات الاحتلال في الأقصى تهدد السلم في المنطقة، وتثير الشارع الأردني والفلسطيني، والشعوب الإسلامية كافة؛ “لأن الأقصى بالنسبة إليها كالكعبة والبيت الحرام، ما يجعل المنطقة على حافة الانفجار في أي وقت”.
ويقتحم المستوطنون المسجد الأقصى، بصورة شبه يومية، على فترتين، صباحية وبعد صلاة الظهر، عبر باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد، بتسهيلات ومرافقة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
وبدأت سلطات الاحتلال بالسماح للاقتحامات في العام 2003، رغم التنديد المتكرر من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية.