هل يستحق الشعب ديمقراطيته؟

 

 

أحمد العكيدي

هناك قول ينسب إلى الفيلسوف جوزيف دي مايستر(Joseph de MAISTRE):”لكل أمة ديمقراطيتها التي تستحق”. قياسا نتساءل هل الشعب المغربي يستحق هذه الديمقراطية التي لا تتقاطع مع مصالحه وطموحاته إلا نادرا وفي الحد الأدنى؟ سؤال لا نبحث له عن جواب لأنه، في نظرنا، لا يحتمل إلا جوابا واحدا فقط؛ كل شعوب الأرض تستحق ديمقراطية تحقق رفاهيتها وتستجيب لمتطلباتها. لكن ما الذي حدث لهذا الشعب الذي حارب قوتين استعماريتين بكل شجاعة وبصدر عاري أحيانا وطردهما صاغرتين من أرضه رغم الدسائس والخونة والعملاء؟ ألا يستطيع هذا الشعب العظيم التمييز بين الغث والسمين ويختار من هو أصلح لتدبير الشأن العام؟

لقد أتبت علم النفس الاجتماعي أن الإنسان في البلدان المتخلفة يعاني من حالة نفسية تجعل طموحاته في حدها الأدنى وكثيرا ما تختزل في مجرد لقمة عيش له ولأسرته، فيما تصبح لديه مفاهيم كالكرامة والحرية والعدل وغيرها مجرد ترف فكري لا يعنيه. وذلك نتيجة لعقود من التجارب السيئة والمحبطة، كخضوعه للاستعمار الذي أحدث رجة ثقافية قوية ساهمت في خلخلة البنى الثقافية للمجتمع وتقويض نموه السليم والطبيعي مما جعله يتأرجح أحيانا بين أحضان الغرب في استلاب ثقافي واضح وبين الشرق في محاولة لتحصين ثقافته عبر الانصهار في ثقافة الأخر، الشرق الإسلامي، كما أشار إلى ذلك هشام جعيط في كتابه: “الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي”. هذا الواقع الثقافي المزدوج سيفرز بعد ذلك اتجاهين سياسيين مختلفين، أحدهما لا يؤمن بالديمقراطية إلا كوسيلة للوصول إلى الحكم والأخر يدعي أن هدفه هو إقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية، غير أن الممارسة السياسية مند الاستقلال إلى الآن أسقطت ورقة التوت عن الجميع وتبين أنهما عملة واحدة بوجهين مختلفين ولا يهمها العقد الاجتماعي ولا نظريات جون جاك روسو وغيره بقدر عشقهما للكراسي.

من حسنات الاستعمار أيضا أنه كشف عورة نظامنا السياسي ومحدوديته وتخلفه عن النظم السياسية في العالم المتقدم ولنضرب مثلا بالحركة الدستورية في أوربا التي ترجع إلى سنة 1215م، عندما منح الملك البريطاني جان ستير الميثاق الأعظم  أو ما يعرف “بماغنا كارتا  (MAGNA CARTA) ” للنبلاء لإخماد ثورتهم ضده. هذه الوثيقة نصت على حقوق النبلاء وقيدت من صلاحيات الملك. بعد ذلك استمرت هذه الحركة لقرون طويلة إلى إن اكتسحت معظم الدول الأوربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. إضافة إلى تطور الأنظمة الديمقراطية عبر حقب تاريخية مختلفة لتواكب أهم التحولات الكبرى التي شهدتها أوربا، مما جعل معظم الشعوب الأوربية مؤهلة للممارسة الديمقراطية السليمة والتحكم في صيرورتها ومعاقبة القوى السياسية التي لم تف بوعودها.

منطقيا لا يمكن إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء ولا استنساخ التجربة  الأوربية  في المغرب ولا في أي بلد أخر لكننا يمكن أن نستنتج منها درسا مهما يتلخص في كون الممارسة الديمقراطية مقرونة أساسا بالوعي وبالإيمان بها كنظام للحكم من طرف الحكام والمحكومين، وهذا هو مربط الفرس!

تعتبر التجربة الدستورية للمغرب حديثة العهد نسبيا وتعود إلى دستور سنة 1908م الذي ألغي مع توقيع عقد الحماية. في سنة 1962م سيصدر أول دستور للمغرب المستقل. بعد ذلك، تدرج المواطنون في ممارسة العملية السياسية وخبروا الكثير من كواليسها ولسعتهم نتائجها المخجلة عبر محطات عديدة. أدت في المحصلة إلى إحباطهم وفقدانهم الثقة تدريجا في السياسة وفي الفاعل السياسي نتيجة لعقود من سوء التدبير وتعاقب نفس الشخصيات، ربما بوجوه مختلفة. لا شيء يتغير يحدثك مواطن من العاصمة، ولنا أن نتخيل جواب أهلنا في المغرب العميق!

نحن إذن أمام حالة ينطبق عليها القول المأثور:”مطرب الحي لا يطرب”، الطرب هنا مشترك بين الناخب والمنتخب. لا ديمقراطية بدون تفاعل حقيقي بين المواطن والفاعل السياسي، والتفاعل لا يكون بالشعارات والخطب الرنانة بل بالوقائع على الأرض وبحل معضلات التعليم والصحة وبخلق فرص الشغل وبترجمة هموم المواطنين إلى وراش حقيقة تساهم في رفاهية حياتهم اليومية.

على سبيل الختم، عندما كان المغاربة يحاربون المستعمر كانوا يدركون ويميزون عدوهم بشكله وبلغته وبلباسه وبثقافته أما وقد رحل وترك الأمر لأبناء جلدتهم لتسير أمورهم ربما تشابهت عليهم الأشياء واختلطت عليهم المذاهب فاستكان الكثير منهم لمصيره، منتظرا أن ينقشع الضباب أو تتضح الرؤية. مشاكلنا كثيرة ومتشعبة لكنها تمر كلها عبر قنطرة التعليم ولنا أن نختار بين كلفة بناء منظومة تعلميه قوية قادرة على خلق إنسان مواطن منخرط في بناء وطنه وبين تكلفة الجهل والتخلف.

*كاتب وقاص

المغرب

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *