أحذية بالأرض وعيون في السماء.. هكذا تؤثر الأقمار الصناعية على الحروب

نشر موقع مجلة فورين أفيرز الأميركي مقالا طويلا حول الدور الذي تلعبه الأقمار الصناعية، خاصة التجارية، في الحروب الحديثة، مستعينا ببعض الأمثلة من آخر الحروب في العالم، الحرب الأوكرانية.
صاروخ سبيس إكس فالكون 9 يحمل حمولة 53 قمرا صناعيا من ستارلينك ينطلق من مركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، فلوريدا، الولايات المتحدة، 18 مايو/أيار 2022 (رويترز)

نشر موقع مجلة فورين أفيرز الأميركي (Foreign Affairs) مقالا طويلا حول الدور الذي تلعبه الأقمار الصناعية، خاصة التجارية، في الحروب الحديثة، مستعينا ببعض الأمثلة من آخر الحروب في العالم، الحرب الأوكرانية.

وقال كاتبا المقال إيريك لين-غرينبيرغ الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا وثيو ميلونوبولوس زميل ما بعد الدكتوراه بجامعة بنسلفانيا إن صور الأقمار الصناعية التجارية تعمل على تغيير مشهد المعلومات بشكل كبير، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، فقد ولّت الأيام التي كانت فيها الحكومات وحدها هي التي تستطيع جمع معلومات استخباراتية متقدمة عن منافسيها، وعندما كان بإمكان الجيوش إخفاء المعلومات حول التطورات في ساحة المعركة عن الأنظار.

تجارب ملموسة

وأضافا أن بالإمكان حاليا أن يستخدم أفراد الجمهور صور الأقمار الصناعية التجارية للكشف عن الأنشطة التي تفضل بعض الحكومات إخفاءها، لافتين إلى أن هذا الجمهور وثق ترسانة كوريا الشمالية النووية الآخذة في التوسع وكشف انتهاكات حقوق الإنسان مثل احتجاز الصين للسكان الإيغور في معسكرات الاعتقال.

وفي أوكرانيا، استخدم عدد كبير من الجهات الفاعلة، بما في ذلك شركات الأقمار الصناعية الخاصة ومراكز الفكر والصحفيون والمحققون الهواة، صور الأقمار الصناعية التجارية جنبا إلى جنب مع أشكال أخرى من المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر للكشف والتحقق من المعلومات حول المناورات العسكرية وخسائر ساحة المعركة واستهداف روسيا للمدنيين.

ومن خلال تقديم المعلومات التي كانت ستظل سرية إلى حد كبير في السابق، ساعدت صور الأقمار الصناعية التجارية للتخطيط للعمليات العسكرية ورصد المعلومات الخاطئة الروسية وحشد الدعم العام لأوكرانيا.

مزايا لا تخلو من المخاطر

وعلق الكاتبان بأن هذه المزايا لا تخلو من المخاطر، إذ سيسعى الأصدقاء والأعداء على حد سواء إلى استغلال الكمية المتزايدة من المعلومات المتاحة للمستخدمين غير الحكوميين. وقد تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها، على سبيل المثال، أنشطتهم الحساسة خاضعة للمراقبة. كما يمكن للجهات المؤيدة لروسيا أيضا استغلال معلومات الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر لتقويض الدفاع الأوكراني. ويمكن لشركات الأقمار الصناعية التجارية أن تجد نفسها في نهاية المطاف في مرمى نيران موسكو. وبينما تذهب الأقمار الصناعية الخاصة إلى الحرب، فإنها تعمل على تغيير طابع الصراع الحديث.

وقالا إنه وعلى الرغم من أن الدول لا تزال تعتمد بشكل كبير على أساليب جمع المعلومات الاستخبارية السرية، فإن الحكومات الغربية يجب أن تتأكد من مراعاة الفرص والمخاطر التي تشكلها هذه التكنولوجيا المتطورة أثناء صياغتها لسياسة الأمن الخارجية والوطنية.

المعرفة قوة

وأورد الكاتبان أنه وفي الفترة التي سبقت الهجوم الروسي الأول على أوكرانيا، كشفت إدارة بايدن عن معلومات استخباراتية حول الانتشار الروسي على حدود أوكرانيا لحلفائها والجمهور الأوسع. ووصفا ذلك بأنه كان خطوة غير عادية: فالحكومات عادة ما تكره مشاركة المعلومات الاستخباراتية الحساسة حول الخصوم من أجل حماية أفضل للمصادر والأساليب المستخدمة للحصول على المعلومات. ولكن في هذه الحالة، فإن الكثير من المعلومات مفتوحة المصدر حول الموقف العسكري لروسيا والتحركات التالية المحتملة كانت متداولة بالفعل في المجال العام.

على غير العادة

وقالا أيضا يمكن للمحللين غير الحكوميين والمحققين الهواة أن يكونوا “على نفس الصفحة تقريبا” مع مجتمع الاستخبارات. كما أنه من المحتمل أن يكون إفشاء البيت الأبيض للمعلومات عن الهجوم الروسي على أوكرانيا في وقت مبكر، على غير العادة، هو المساعدة في إقناع الحلفاء الأوروبيين المتشككين بمصداقية معلومات واشنطن، مما وضع الأساس لرد غربي جماعي ضد روسيا.

وأوردا أن وسائل الإعلام ومراكز الفكر أيضا اعتمدت على صور الأقمار الصناعية التجارية لمواجهة “الادعاءات الروسية الكاذبة”، مضيفين أن المؤشرات الأولى على بدء “الغزو” الروسي لأوكرانيا، على سبيل المثال، لم تأت من قصف مدفعي أو قصف جوي، ولكن من ازدحام مروري، إذ لاحظ المحللون في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، الذين شاهدوا تحديثات حركة المرور الحية على خرائط غوغل، ازدحاما غير عادي على طول الطريق من بيلغورود، روسيا، إلى الحدود الأوكرانية.

ومع ذلك، لفت الكاتبان الانتباه إلى حقيقة أن زيادة الشفافية يمكن أن تكون سيفا ذا حدين، فقد تستهدف الدول التي تسعى إلى الحفاظ على سرية أنشطتها شركات الأقمار الصناعية التجارية باستخدام الهجمات الإلكترونية، أو في الحالات القصوى، الهجمات العسكرية التقليدية، مشيرين إلى أن روسيا حاولت بالفعل، وفشلت، في اختراق خدمة ستارلينك (Starlink) المعتمدة على الأقمار الصناعية والتشويش عليها، وهي المزود الوحيد للإنترنت في أجزاء من أوكرانيا.

كذلك يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على صور الأقمار الصناعية التجارية أيضا إلى مخاطر كبيرة، ولا سيما بالنظر إلى إمكانية الوصول إليها لعامة الناس، ولنشر المعلومات المضللة بدلا من محاربتها، فقد يحاول المنافسون التلاعب بالصور التجارية أو استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور مزيفة تعزز روايتهم المفضلة.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *