أسباب الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل

Share your love

 في يومنا هذا، تُقدَّر نسبة تعرُّض النساء الشابات لاكتئاب ما قبل الولادة بأنها أكبر بخمسين بالمئة مقارنة بأمهاتهن في التسعينيات، وسنوضح هنا كيفية التعرُّف إلى علامات هذا الاكتئاب.

عندما كانت لوسي هوارد “Lucy Howard” حاملاً بطفلها الثاني، كانت تشعر وكأنها تمشي وسط الضباب. وصفت لوسي حالتها قائلة: ” كان الاستيقاظ صباحاً يُشكِّل لي تحدياً في معظم الأيام… كنت أقضي صباحاتي بالجلوس والبكاء على الأريكة. كلُّ شيءٍ بدا لي صعباً.”، وأضافت: ” واجهت صعوبة في القيام بالأعمال اليومية المنزلية، وأصبح المنزل غارقاً في الفوضى، مما جعلني أشعر بأنني فاشلة.”

قالت هوارد أنها كانت تعاني من القلق و الاكتئاب منذ كانت في العشرين من عمرها، وأُخبِرَت أنَّ احتمال إصابتها باكتئاب ما قبل الولادة أو ما بعدها يصل إلى  80 أو 90 بالمئة، ولكنها ظنَّت أن ذلك إن حدث سيحدث على الأرجح بعد إنجاب طفلها.

” كنت مصدومة للغاية بحقيقة أنني مصابة باضطرابٍ واكتئابٍ شديدين خلال حملي.” هذا ما قالته لوسي موضحة أنَّ أعراضها بدأت بعد حدوث الحمل بفترة قصيرة. ” في الواقع حدث ذلك في موعدي الأول مع القابلة عندما أدركت مدى معاناتي، انفجرت بالبكاء وأخبرتها كم كنت أشعر بالقلق والاضطراب كلَّ الوقت.”

المشاعر التي كانت تشعر بها هوارد كانت أكثر من مجرد قلق واضطراب. كانت تعاني من اكتئاب ما قبل الولادة، وهي حالة يُعتقد بأنَّها تؤثِّر على 14 إلى 12 بالمئة من النساء في الولايات المتحدة.

قلق متزايد

في دراسة جديدة أُجريت من قبل باحثين في المملكة المتحدة، وجدت أنَّ النساء الشابات اللواتي ينتمين للجيل الحالي، كانت نسبة احتمال تعرضهن للاكتئاب ما قبل الولادة أكبر بواحد وخمسين بالمئة، مقارنة بأمهاتهن في التسعينيات.

الباحثون من جامعة بريستول قارنوا بين 2.390 من الأمهات اللواتي أنجبن في أوائل التسعينات، وبين 180 من أمهات  الجيل الذي تلاهن، بحيث كنَّ إما بنات تلك الأمهات أو زوجات أبنائهن، وبلغ متوسط أعمار الأمهات في كلا المجموعتين 22 أو 23 عاماً.

حظيت 480 أم (17 بالمئة) من الجيل الأقدم على علامات عالية في فحص الاكتئاب، مقارنة ب45 أم (25 بالمئة) من الجيل الحالي، وذلك يُعادل ازدياداً بنسبة 51 بالمئة.

يقول الباحثون أنَّ الزيادة في حالات اكتئاب ما قبل الولادة، تشكل مصدر قلق بالغ فيما يتعلق بالصحة العامة، إلى جانب آثارها السلبية التي تطال الجيل الحالي والمستقبلي على حدٍّ سواء.

تقول الدكتورة ريبيكا بيرسون “Rebecca Pearson”، وهي محاضرة في علم الأوبئة النفسية بجامعة بريستول، والمؤلفة الرئيسية للبحث: ” نعرف أنَّ الاكتئاب أثناء الحمل هو أمرٌ شائعٌ، ونعرف أن فترة الحمل هي إحدى أخطر توقيتات الاكتئاب، لأنَّه لا يؤثر على الأم فحسب بل على جنينها أيضاً. إنَّ إصابة الفرد بالاكتئاب يُعتبر المسبِّب الرئيسي للعجز عالمياً، لأنَّه يُعرقل فعالية المصاب به، أي قدرته على الذهاب إلى العمل، وتضيف: ” من الواضح أنه شعورٌ مجهدٌ للغاية وبما أنه ينتقل بين الأجيال، فهو يؤثِّر على الطفل.”

لماذا يزداد عدد النساء اللواتي يُصبن باكتئاب ما قبل الولادة في يومنا هذا؟

تقول بيرسون أن أحد أسباب ازدياد حالات اكتئاب ما قبل الولادة بين أفراد الجيل الحالي، قد يعود للتكاليف المعيشية مقارنة بما كانت عليه في الأجيال السابقة.

وتشرح بيرسون ذلك قائلة: ” الضغوطات المادية الحالية أسوأ بكثير. كان بمقدور جيل أمهاتنا شراء منزلاً، لكن أسعار البيوت في يومنا هذا أصبحت باهظة للغاية. يجب أن يكون لديك بالفعل مصدرين للدخل من أجل شراء منزلٍ محترم قريب من مدرسة محترمة. لن تستطيعي العيش دون مصدرين للدخل. الناس يعتمدون على ذلك، ولا يملكون خيار البقاء في المنزل دون عمل لمدة طويلة.”

إنَّ الدكتورة لينا ناثان “Leena Nathan”، أستاذة سريرية مساعدة في قسم التوليد وأمراض النساء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، تعتقد أنَّه من الأصعب أن تكون المرأة أُمَّاً في يومنا، مقارنة بما كان عليه حال النساء في التسعينات.

وتقول ناثان: ” النساء في يومنا هذا يعشن تحت ضغطٍ كبيرٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. عددٌ أكبر من النساء يعملن إلى جانب إنجابهن للأطفال. كما أنَّ وتيرة الحياة العصرية أسرع مما كانت عليه في السابق. ليس لدينا الوقت الكافي للاستراحة أو للاستمتاع بالحياة. بالإضافة إلى أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي والتكنلوجيا يمكنهما أيضاً المساهمة في اضطرابات المزاج. أمَّا جيل الأمهات السابقات فلم يكنَّ مجبرات على التعامل مع تلك المشاكل.”

تُشير ناثان إلى احتمال أن تكون نساء الجيل الحالي أكثر ميلاً للاعتراف بشعورهنَّ بالاكتئاب، مما يؤدي بالتالي إلى حرف نتائج دراسة بيرسون، ولكنها بالرغم من ذلك أصرَّت على أنَّ مخاطر اكتئاب ما قبل الولادة كبيرة، ولا يجب تجاهل أي زيادة محتملة.

وتقول: ” النساء المصابات بالاكتئاب لا يقدرن على الاعتناء بأنفسهن كما يجب. نحن نقلق بشأن الأمهات اللواتي قد يُلحقن الأذى بأنفسهن أو بأطفالهن. من المعروف أنَّ الأجنة بحاجة لأمهاتٍ يتمتعن بصحة عقلية جيدة، من أجل أن ينموا عاطفياً واجتماعياً وحتى جسدياً، فسعادة الأم تؤثر مباشرة على صحة أطفالها العامة، كما أنَّ الآثار السلبية الناتجة عن اكتئاب الأم يمكن أن تمتد لتطال الأجيال المستقبلية.”

تقول بيرسون أنَّه من المحتمل أيضاً أن يعود سبب ارتفاع مستويات اكتئاب ما قبل الولادة في الجيل الحالي، إلى تمتع هذا الجيل بتطلعاتٍ وآمال أكبر للنجاح. فقد وجدت دراستها أنَّ النساء المنتميات للجيل الأصغر في المملكة المتحدة، كنَّ أقدر على الحصول على شهادتهن الثانوية مقارنة بجيل أمهاتهن.

قالت الدكتورة كيمبرلي فانديجيست-والاس ” Kimberly Vandegeest-Wallace “، وهي عالمة نفس في جامعة كانساس: ” حتى النساء اللواتي اعتدن على إنجاز أي شيءٍ يصممن على إنجازه، يمكن أن يواجهن تحديات وصعوبات في تحمل مسؤولية الأمومة.”

تشرح الدكتورة ذلك بالقول: ” النساء ذوات المستوى التعليمي العالي معتادات على تحديد أهدافٍ وإنجازها، لكن الجوانب الحياتية المتعلقة بالحمل، والتي تبدأ بحدوثه وصولاً إلى انتهاء مدته وتحمل مسؤولية التربية بعد الإنجاب، هي كلها جوانب خارجة عن السيطرة في حياة المرأة، لأنها تتناقض مع بقية جوانب الحياة، فالكثير من النساء لم يطورن آلية لمواجهة الفشل وما يتبعه من خيبة أمل، والحاجة للتحلي بالصبر، والتخلي عن التمسك بالمشاعر السلبية، ومع ذلك فإنَّ كل تلك الأمور هي جوانب متأصلة في تجربة الأمومة منذ اللحظة التي تُقرِّر فيها المرأة محاولة الحمل.”

الافتقار للدَّعم يمكن أن يُثير الأعراض

عندما كانت لوسي حاملاً بإبنها الثاني كانت تشعر بذنبٍ عظيم لأنها لم تكن مرحة وسعيدة خلال حملها. كانت هوارد تستعين بقابلة تقدم لها الدعم، ولكن يوجد عددٌ من النساء اللواتي لا يحظين بنفس مستوى الاهتمام الذي حظيت به لوسي.

تقول كريستينا رينز “Christena Raines” وهي ممرضة ممارسة في مجال الطب النفسي في جامعة كارولاينا الشمالية: ” نحن لسنا قريبين بأيِّ حالٍ من ما يجب القيام به… من أجل الوصول إلى كلِّ الرجال والنساء والعائلات التي تعاني من آثار اضطرابات المزاج الحملي.”

تقول راينز أنَّ ضغوط العمل والافتقار للدعم العائلي يساهمان في المعدلات المرتفعة للاكتئاب عند الأمهات، وهي تعتقد أنَّ تغيير المواقف إزاء إجازة الأمومة يمكن أن يساعد على معالجة المشكلة.

وتعلق على ذلك قائلة: ” الولايات المتحدة لا تفرض إجازة أمومة أو أبوة مدفوعة الأجر، مثلها مثل معظم باقي الدول، كالمملكة المتحدة وهولندا وأستراليا. دعم العائلة في هذا الوقت الحساس يمكن أن يساعد في تخفيض حدة المرض، وسيُشجع المزيد من الأمهات والآباء على اللجوء إلى طلب المساعدة عندما تدعو الحاجة.”

تجاوز المرحلة العصيبة

إنَّ هاورد اليوم هي أمٌّ فخورة لولد وابنة. لذا قررت مشاركة قصة صحتها العقلية على مدونتها الخاصة، آملة أن يُساعد ذلك الأمهات في نضالهن لتجاوز هذه المرحلة العصيبة.

اكتئاب ما قبل الولادة هو مرض، ومثله مثل كل باقي الأمراض لا يتحمل المصاب به مسؤلية مرضه، وتؤكد لوسي على ذلك قائلة: ” إذا كنت تعانين من اكتئاب ما قبل الولادة فهذا لا يعني أنك شخص سيء، بل هذا يعني فقط أنك بحاجة لبعض المساعدة وللتحدث مع شخصٍ آخر عن مشاعرك.”

حتى لو كانت المرأة تبدي شكوكاً حول ما إذا كانت مصابة باكتئاب ما قبل الولادة أم لا، فإن الخبراء يؤكدون على وجوب طلب المساعدة.

التعرُّف على المؤشرات

يمكن للأمومة والأبوة أن تكون مرحلة عاطفية سريعة التقلب، لذا فإنَّ اختبار المزيد من اللحظات العاطفية هو أمرٌ طبيعيٌّ بالكامل. ولكن إذا ازداد الشُّعور بالحزن أو القلق لدرجة عرقلة حياة الأبوين اليومية، فهذا يعني أنَّ الوقت قد حان لطلب المساعدة.

آن سميث “Ann Smith”، ممرضة قابلة ورئيسة المنظمة الدولية لدعم الأهالي في مرحلة ما بعد الولادة، تقول أنَّ الدلائل التي يجب الانتباه لها هي الحزن المستمر الذي لا يتحسَّن، والأفكار الوسواسية، والشعور بقلقٍ مفرطٍ وغير واقعي، والشعور بغضبٍ أو انفعالية مفرطة، والتغيرات التي تطرأ على الشهية، والأرق.

وتؤكد على أن النساء يجب أن يفهمن أنَّ اكتئاب ما قبل الولادة ليس علامة ضعف، وأنه قابل للعلاج، وتضيف: ” لست وحيدة، ولست مُذنبة، ومع المساعدة اللازمة ستكونين بخير.”

Source: tababah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!